أفرج عن السجناء ثم استقال

كذلك فعل هايلى ماريام ديسالين، رئيس وزراء إثيوبيا، فبعد أن اتخذ قراراً بالإفراج عن كافة المعارضين السياسيين المحكوم عليهم بالسجن، وهم يعدون بالمئات، تقدم باستقالته عبر كلمة متلفزة وجهها إلى الشعب الإثيوبى. منذ عامين، وبالتحديد فى العام 2015، اندلعت مظاهرات كبيرة فى إثيوبيا قادها وضلع فيها طائفة الأورومو، ما اضطر حكومة أديس أبابا إلى قطع الكهرباء والإنترنت عن الإقليم الذى تعيش فيه الطائفة وتشتعل فيها المظاهرات. ولعلك تذكر حالة الاحتفاء الكبيرة التى قوبلت بها هذه المظاهرات من جانب عدد من الإعلاميين المصريين الذين أخذ بعضهم يبشر بانتهاء حكم «ديسالين» خلال ساعات، ولا يخفى أن هذا الاحتفاء لم يعبر عن محبة للشعب الإثيوبى المسكين، أو قناعة بمبادئ الحرية والديمقراطية قدر ما عكس نوعاً من المكايدة لنظام «ديسالين» بسبب تعنته فى مفاوضات سد النهضة.

أعقب هذه المظاهرات اعتقالات قام بها نظام «ديسالين» فى صفوف المعارضة السياسية، ثم وجه سهام الاتهام -ظلماً بالطبع- إلى مصر بأنها وراء ما يحدث، وذكر مسئولون إثيوبيون عدة أن مصر تدعم المعارضة الإثيوبية. والتمحك بالمؤامرات الخارجية طريقة معتادة وأسلوب تقليدى يعتمد عليه الحكام المغضوب عليهم من شعوبهم لتبرير مواقفهم المتهافتة. لم تحل الاعتقالات ولا التمحك بالمؤامرات الخارجية المشكلة، ما اضطر «ديسالين» فى النهاية إلى الاستقالة، والإعلان عن أنه سوف يستمر فى عمله كقائم بأعمال رئيس الوزراء حتى ينتخب الشعب الإثيوبى بديلاً له. اضطر «ديسالين» إلى اتخاذ القرار بعد أن خرجت الأمور عن السيطرة داخل إقليم الأورومو، رغم خضوعه لقانون الطوارئ عام 2016. كل هذا لم يمنع المواطنين من النزول إلى الشوارع والتظاهر ضد النظام الإثيوبى، وأمام عدم استجابته لمطالبهم، وسلوكه المسلك الأسهل فى التعامل مع الغاضبين: «مسلك القمع»، اتجه سكان الأورومو إلى ما يشبه العصيان المدنى، فتم تنظيم إضراب عام أغلقت معه الشركات وتوقفت حركة النقل والمواصلات بالإقليم، مما دفع السلطة إلى الرضوخ لحل الوضع المتأزم.

ذكرت وكالة «رويترز» أن «ديسالين» قال فى معرض تفسير القرار الذى اتخذه بالاستقالة: «إن الاضطرابات والأزمة السياسية أدت إلى خسائر فى الأرواح وتشريد الكثيرين»، وأضاف: «إننى أعتبر استقالتى حيوية فى محاولة تنفيذ إصلاحات من شأنها أن تؤدى إلى سلام وديمقراطية مستدامين». أتى «ديسالين» متأخراً، لكن المهم أنه جاء، وسلّم بأن المواجهة العنيفة للمعارضة لا تؤدى إلى استقرار الحكم فى كل الأحوال، بل قد تكون سبباً فى اهتزاز أوضاع من يحكم. الديمقراطية هى المدخل الأكثر واقعية فى التعامل مع الأزمات السياسية، المدخل الذى يضمن استقرار الأوضاع، وذلك هو الدرس الذى خلص إليه «ديسالين»، وبناء عليه اتخذ قراره بالاستقالة. لا يستطيع أحد أن يزعم أن إثيوبيا تعتمد على نظام ديمقراطى راسخ القدم. ممارسة الديمقراطية هناك شكلية، لكنها فى كل الأحوال خير من بعض الأنظمة الأفريقية الأخرى التى لا تراعى شكلاً ولا مضموناً عند النظر إلى الديمقراطية كأساس للحكم.