أقدم ورشة خراطة في كفر الشيخ عمرها 200 عام.. تصارع من أجل البقاء

كتب: سمر عبد الرحمن

أقدم ورشة خراطة في كفر الشيخ عمرها 200 عام.. تصارع من أجل البقاء

أقدم ورشة خراطة في كفر الشيخ عمرها 200 عام.. تصارع من أجل البقاء

على أنغام الأغاني القديمة، داخل أقدم ورشة لخراطة المعادن المختلفة بأحد شوارع مدينة فوه في محافظة كفر الشيخ، لا تتعدى مساحتها الـ250 مترا مربعا، يقف عدد من الشباب بينهم رجل كبير يبلغ من العمر نحو 63عام، بظهر متقوس من كثرة الوقوف على ماكينة الخراطة، تُشكل يده أفضل قطع الغيار التي تُستخدم في صناعة ماكينات "الفيبر"، التي تقوم بتصنيع فيبر المراتب والمخدات.

بينما يظهر أمامه وعلى جانبيه عدد من الصبية كل منهم على ماكينة خراطة وآلة مختلفة، ليقومون بإنتاج أحسن الماكينات التي تُصدر لمحافظات مصر، ويعملون بهمة وتركيز، تتحول ذرات الأكسجين إلى أخرى من الحديد حولهم، لكنهم عزموا على أن تتوج مجهوداتهم، بلقب أفضل خراطي المنطقة بشهادة الأجانب الذين يأتون، من كل أنحاء العالم لزيارتهم، فالمكان تصميمه أشبه من الخارج بواجهات المساجد، التي اكتست بها المنطقة، وصممت على الطراز القديم باعتبارها أماكن أثرية من العصر القديم.

55 عاما من العمل الشاق قضاها عم زغلول مرسى أبو حمامة، البالغ من العمر 63عاما، في العمل كخراط داخل ورشة "حسين الخلال"، أقدم ورشة للخراطة بكفر الشيخ، منذ أن كان طفلاً حتى أصبحت "الخراطة"، هي مصدر رزقه الوحيد، وخرج أجيالا للعمل بها في ورش مختلفة بالمنطقة، انقرضت جميعها إلا تلك الورشة، التي اشتد بنيانه بها، يستيقظ مبكرا يُصلى الفجر حاضراً، ثم يذهب إلى الورشة التي تعلم بها، يفتح أبوابها أمام الرزق، في السابعة صباحا بعد ساعة يأتى إليه العاملون بها، يتناولون الإفطار جميعا، ثم يبدلون ثيابهم ويبدون مهام أعمالهم.

{left_qoute_1}

"اشتغلت من وأنا عندي 8 سنوات في ورشة الشيخ حسين الخلال، كان شغال تاجر في بوصة الأقطان وعمل ورشة، كان زمان فيه عز، ما اخترتش المهنة بإرادتي لكن كل اللي في سني، كانوا بيشتغلوا مهن مختلفة، بحب المهنة دي، رغم إنها صعبة جدا لكن خطورتها في صعوبتها، والحمدلله أصبحت رزقي الوحيد اللى كونتى نفسى منه وإتجوزت وبنيت أسرة، أنا كمان الوحيد اللي باقي من اللي كانوا شغالين معانا، كلهم توفاهم الله، وصاحب الورشة لما مات سبهالي أمانة، إنى أعلم الأجيال فيها، في البداية كانت ورشة حدادة بتصنع سواقي، التي تستخدم في ري الأراضي الزراعية، بعد كدة حولناها لصناعة ماكينات غزل وأخيرا لتصنيع ماكينات الفيبر، التي تُستخدم في تصنيع فيبر المراتب والمخدات".

على ضوء لمبة كهرباء بسيطة وفي فمه سيجارة، يبتسم عم زغلول ذو الشعر الأبيض، مرتديا نظارته كي يتمكن من رؤية ما تصنعه يداه الاثنتين، وهو منكب على ماكينة خراطة كبيرة "الماكينة دي خدت عمري، بس بحس بفرحة وأنا بشتغل، الإيد اللي بتشتغل دي، ربنا بيرزقها من وسع، جيل اليومين دول معندوش صبر زينا، إحنا زمان كنا بننضرب علشان نتعلم، علشان نطلع صنايعية يُضرب بيهم المثل، والحمدل له أنا علمت أجيال كتيرة مهنة الخراطة، لكن لصعوبتها تركوها، وفي اللي عاوز ياكل عيش الصبية الصغيرين بيشتغلوا علشان يجيبوا مصاريف يساعدوا أسرهم، وأنا مكمل فيها إلى أن يشاء الله ويقضي نحبه".

{left_qoute_2}

وعلى بعد مترين من عم زغلول داخل الورشة، تجد محمد أحمد رمضان، البالغ من العمر 14 عاما والذي يدرس في الصف الأول الثانوي الصناعي بفوه، ويقف أمام إحدى الآلات ممسكاً بيده "جنزيرا" يتابع من خلاله مهام عمله المكلف بها من معلمه "بشتغل فى الورشة من سنتين.. علشان أقدر أصرف على نفسي وعلى أهلي، مفيش شغل للشباب علشان كدة جيت أتعلم، في أقدم ورشة في كفر الشيخ، الورشة دي خرجت صناعية كبار، وإحنا بنشتغل علشان لقمة عيشنا وعلشان المهنة متنقرضش، كل الورش قفلت مبقاش فاضل غير دي، السياح بيبقوا مبهورين، لما بييجوا يزورونا وبيتصوروا معانا".

وفي الجهة المقابلة يقف شاب عشريني، يرتدي ملابس العمل مبتسما لما يصنع ليؤكد أنه خيري الخلال، صاحب الورشة "ورثت المهنة عن أجدادي، كانت الورشة بتاعة جد أبويا، واتعلمنا فيها كلنا وربنا بيراضينا، كانت الأول حدادة مخصصة لصناعة السواقي، التي تُستخدم في ري الأراضي الزراعية، طواحين شغل حدادة بالنار والكي اليدوي، بعد ما السواقي انقرضت حولناها لصناعة عربات الحنطور والنقل، ثم طورناها لشغل حدادة، متطور على يد ابنه على حسين الخلال، حيث اشترى أول مخرطة بلدي بـ"سيور"، في المحافظة، وحصل على اول رخصة ورشة خراطة معادن في المحافظة، ماكينات غزل ولما المهنة وقف حالها والورش قفلت، ثم لصناعة ماكينات الفيبر، والحمد لله ربنا بيكرمنا وفاتحة 10بيوت، الورشة صُممت على الطراز الإنجليزي القديم، وتعتبر أثرية عمرها أكثر من 200 سنة، اتبنت مع المساجد المجاورة، كانوا زمان بيجبروا المنازل وأصحاب الورش يخططوها بطريقة معينة، كان في تنسيق حضاري، وإحنا سيبناها زي ما هي لأن رونقها في تصميمها".

{left_qoute_3}

يضيف "فيها مخرطتين واحدة أمريكاني والتانية بلغاري، مقشطة إيطالي، مثقاب بلغاري، وماكينات لحام بكل أنواعه، مفكرتش أبيعها ولا أفرط فيها ومش ناوي بس الكهرباء عالية، علينا ومبقناش لاقين عمالة، علشان المهنة صعبة شباب اليومين دول مش عاوزين يشتغلوا فيها، إحنا بنصارع من أجل البقاء، وأنا نفسي نعمل مكان للحرفيين، ونضم فيه كل اللي شغالين، وبتمنى إننا نتطور، بس كل حاجة غالية، والشباب مش بيرضوا يشتغلوا، وخايف لتنقرض لأن الأجيال عاوزة كل حاجة أوتوماتيكي، محتاجين تسهيلات في الضرائب والكهرباء والمرافق المختلفة".


مواضيع متعلقة