46 دولة مهددة بـ«صراعات عنيفة» بسبب درجة حرارة الأرض

46 دولة مهددة بـ«صراعات عنيفة» بسبب درجة حرارة الأرض
- أسعار السلع الغذائية
- أسعار الغذاء
- أسعار القمح
- أسعار المحروقات
- أسعار المواد الغذائية
- أسواق العالم
- أشعة الشمس
- أعمال شغب
- ارتفاع أسعار
- آثار
- أسعار السلع الغذائية
- أسعار الغذاء
- أسعار القمح
- أسعار المحروقات
- أسعار المواد الغذائية
- أسواق العالم
- أشعة الشمس
- أعمال شغب
- ارتفاع أسعار
- آثار
ماذا يمكن لرغيف خبز أن يُنبئ عن حاضر العالم ومستقبله؟ الجواب: أكثر بكثير مما تتصور.. وإن كنت لا تصدق فانظر حولك: مظاهرات فى إيران والسودان والسبب ارتفاع أسعار السلع الأساسية، ومنها الخبز.. وعُد بالذاكرة عدة سنوات إلى الوراء: بين يونيو 2010 ويونيو 2011، تضاعفت تقريباً أسعار الحبوب العالمية، والنتيجة أن سقطت عدة حكومات، واندلعت أعمال شغب من «بيشكيك» عاصمة قيرغيزستان، إلى نيروبى فى كينيا، واشتعل الربيع العربى فى الشرق الأوسط الذى أدى لاندلاع ثلاث حروب جديدة فى ليبيا واليمن وسوريا، وعانت مصر من فوضى ما زالت تعيش فصولها حتى الآن. وفى كل من هذه الحالات يمكنك أن ترى سعر رغيف الخبز عاملاً واضحاً، إن لم يكن وحيداً.
يقول الباحث وأستاذ الاقتصاد الأمريكى «كريستيان بارنتى»: «حتى تفهم علاقة الرغيف بالسياسة العالمية عليك أن تسأل أولاً: ممَّ يُصنع رغيف الخبز؟ الماء والملح، والخميرة، ولكن أساساً من القمح، والطاقة التى تُستخدم فى صناعة الخبز، وهناك عامل مهم لا يفطن إليه الكثيرون وهو المضاربات فى الأسواق العالمية، إذ يُشعل المضاربون أسعار السلع الأساسية المؤثرة فى صناعة الخبز من وقت لآخر طمعاً فى مزيد من الأرباح، وأخيراً هناك عوامل الطبيعة من أشعة الشمس، والأكسجين، والمياه، والتربة المغذية، أى المناخ، وهذا العامل الأخير بدأ فى التأثير على نحو متزايد على استقرار أسعار مكونات رغيف الخبز على نحو كارثى، وعندما تتزاوج هذه العناصر بطريقة ترفع سعر الخبز تدخل السياسة الصورة».
{long_qoute_1}
العلاقة بين الثورات وارتفاع أسعار السلع الرئيسة، خصوصاً القمح، لا تحتاج إلى جهد لإثباتها، فمؤخراً ارتفع سعر عبوة طحين القمح زنة 50 كيلو من 165 جنيهاً إلى 450 جنيهاً فى السودان، ما أدى لخروج المواطنين غاضبين فى الشوارع، تماماً كما حدث فى إيران، احتجاجاً على غلاء أسعار المحروقات والسلع الغذائية، والربيع العربى بدأ فى تونس عندما ارتفعت أسعار الغذاء وزادت معدلات البطالة، واتسعت الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وكان آخر قرار اتخذه الرئيس التونسى الأسبق على زين العابدين هو خفض أسعار السكر والحليب والخبز، لكن بعد فوات الأوان.
حقيقة الأمر أن ثورات الربيع العربى سبقتها ارتفاعات كبيرة فى أسعار السلع الغذائية الأساسية، فقد ارتفعت أسعار القمح العالمية بنسبة 70٪ بين يونيو وديسمبر 2010، وظل سعر القمح يواصل ارتفاعه خلال فصل الربيع من عام 2011، وبحلول شهر يونيو أصبح سعر القمح أغلى بنسبة 83٪ مقارنة بعام 2010، وخلال نفس الفترة، ارتفعت أسعار الذرة بنسبة 91٪، فمصر أكبر مستورد للقمح ورابع أكبر مستورد للذرة فى العالم، الجزائر، وسوريا والمغرب، والمملكة العربية السعودية من بين أكبر 15 مستورداً للذرة، وارتفاع أسعار القمح والذرة لا يؤثر سلبياً على مستوى المعيشة للفقراء فى هذه البلاد فحسب، بل يهدد فرصهم فى الحياة، وهذا ما يفسر اندلاع العنف مع ارتفاع أسعار هذه المواد متأثرة بالتغير المناخى، ففى عام 2010 وصل معدل تضخم أسعار الغذاء العام فى مصر لأكثر من 20٪، وكان لهذا تأثير فورى على الأسر المصرية التى تنفق، فى المتوسط، 40٪ من دخولها البسيطة على الطعام.
لكن لماذا ارتفع سعر القمح والذرة فى هذه الفترة؟ الإجابة: بفعل التغيرات المناخية ضمن أسباب أخرى.. ففى صيف عام 2010، عانت روسيا، من أسوأ موجة جفاف منذ 100 عام، عُرف باسم «بحر الجفاف الأسود»، أشعل هذا الطقس الساخن الحرائق التى أتت على مساحات شاسعة من الغابات، والمزارع، وألحقت أضراراً بالغة بمحصول القمح، ما دفع الحكومة الروسية لفرض حظر لمدة عام على صادراتها من القمح، ولأن روسيا من بين أكبر أربعة مصدرين للقمح فى العالم، فقد أدى هذا لارتفاع كبير فى أسعاره، فى الوقت نفسه وقعت فيضانات ضخمة فى أستراليا، وهى مصدّر آخر كبير للقمح، فى حين أفسدت الأمطار المفرطة فى غرب وسط أمريكا وكندا محصول الذرة، كل هذه الأحداث أفزعت الأسواق وشجعت على مضاربات أشعلت أسعار القمح والذرة، كذلك الاضطرابات التى حدثت فى تونس ومصر مهّدت الطريق للحرب الأهلية ثم التدخل الغربى فى ليبيا، ما أدى لتوقف معظم إنتاجها من النفط، الذى يقدّر بنحو 1.4 مليون برميل يومياً.. هذا، بدوره، رفع سعر النفط الخام، ليصل إلى 125 دولاراً للبرميل، وارتفاع سعر النفط زاد من سعر الخبز، باعتبار الوقود مكوناً رئيسياً فى صناعته. تراجُع دور الدولة لصالح القطاع الخاص جزء آخر من الأزمة، فالحكومات الضعيفة لم تبادر بتقديم حلول تضمن توفير السلع الغذائية بأسعار فى متناول الجميع، وتركت مصير العالم فى يد رؤساء الشركات العملاقة المشغولة بتحقيق الأرباح فقط.
وفى أول تحليل لأداء قطاع تجارة السلع الأولية العالمى منذ نشأته عام 2000، نشرت صحيفة «الفاينانشال تايمز» تقريراً فى يوليو 2013، يرصد أرباح الصناعة التى تشهد نمواً مذهلاً.
ووفقاً لتقرير الصحيفة البريطانية، اجتذبت نسبة النمو الخيالية التى حققها قطاع تجارة السلع الأولية ورؤوس الأموال الاستثمارية، وتم ضخ 400 مليار دولار فيها على مدار السنوات العشر الماضية على التقرير، أى منذ العام 2003، و«ارتفعت قيمة أرباح التجار العشرين الأوائل فى العالم من 2.1 مليار دولار فى عام 2001 إلى 36.5 مليار فى 2008، وهو مستوى الذروة، حيث تراجعت إلى 33.5 مليار دولار فى عام 2012، وهكذا حقق التجار العشرون الكبار 250 مليار دولار خلال العقد الماضى بما يفوق مجموع أرباح عمالقة «وول ستريت»، فكبار البنوك من أمثال «جى بى مورجان» و«تشيس ومورجان ستانلى» حققت 225.5 مليار، وعمالقة السيارات، «تويوتا وفولكس فاجن وبى إم دبليو ورينو وفورد» حققت 235.3 مليار دولار خلال نفس الفترة.
{long_qoute_2}
وفى كتابه «مدار الفوضى… تغيُّر المناخ والجغرافيا الجديدة للعنف»، يُلقى الباحث الأمريكى «كريستيان بارنتى»، الضوء على ثالوث الخراب: الاقتصاد الليبرالى المتطرف الذى يحكم العالم، وآثار الحرب الباردة التى انتهت بسقوط الاتحاد السوفييتى فى 1991، والتغيرات المناخية، هذا الثالوث يضرب بوضوح 46 دولة يعيش فيها 2.7 مليار إنسان، مهددين بنشوب صراعات عنيفة فيها نتيجة تأثيرات تغيُّر المناخ وتفاعلها مع المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وهذه الدول جميعاً تقع بين مدارَى الجدى والسرطان، وهو عبارة عن حزام من دول مستقلة حديثاً متأزمة اقتصادياً وسياسياً.
ويضيف «بارنتى» فى مقدمة كتابه: «فى هذه المنطقة الواقعة بين المدارين بدأ تغيُّر المناخ يضرب بقسوة، تعتمد المجتمعات فى هذا الحزام بشكل رئيسى على الزراعة وصيد الأسماك، وبالتالى فهى مهددة بالتغيرات المفاجئة فى الطقس، وكانت هذه الدول على الخطوط الأمامية أثناء الحرب الباردة وإعادة الهيكلية الاقتصادية على الطريقة الليبرالية الجديدة، ونتيجة لذلك نجد فى هذا الحزام تجمُّعاً لمعظم الدول الفاشلة أو شبه الفاشلة فى العالم».
ويشرح «بارنتى»: «يتفاعل تغيُّر المناخ مع أزمتين موجودتين فى السابق هما توابع الحرب الباردة وتوابع اقتصاد السوق الحرة المتطرف والمعروف باسم النيوليبرالية، الذى يتوسع فى الخصخصة على حساب دور الحكومات، هذا النظام أضعف الحكومات، خصوصاً فى الجنوب الفقير، بحيث لم تعد تملك القدرة على القيام بواجباتها، ومنها مساعدة المزارعين على مواجهة تقلبات المناخ، الكثير من هذه الدول مليئة بأسلحة رخيصة وقدامى المحاربين فى الصراعات السابقة، كيف يتكيف الناس مع الجفاف والفيضانات؟ فى كثير من الأحيان، يستخدمون فائض الأسلحة لملاحقة مراعى وماشية الجيران أو ينسبون مشاكلهم للاختلافات العرقية والدينية السياسية مع جيرانهم، فتنشب صراعات لا يُذكر فيها التغير المناخى لكن يمكن رؤيته بوضوح، وكثير من الصراعات فى أفريقيا أساسها نقص كبير فى الموارد يشعل صراعات تأخذ صبغات عرقية ودينية». لعب الجفاف دوراً هاماً لا يعرفه الكثيرون فى الاضطرابات والفوضى التى تشهدها أفغانستان منذ عقود.
ويرى مؤلف الكتاب أن جذور الفوضى الأفغانية تعود إلى فترة جفاف ضربت البلاد بين عامَى 1969- 1971، وقتها توقف المطر تماماً، ثم حلّ شتاء قارس أدى إلى «أسوأ مجاعة فى التاريخ الأفغانى» بداية من أبريل 1972، وسرعان ما أصبحت المجاعة، خصوصاً فى الأرياف، رمزاً لعدم كفاءة الملك، ما أدى لاندلاع اضطرابات واسعة فى البلاد.
فى 17 يوليو 1973 انقلب الجنرال محمد داوود خان على ابن عمه الملك وصهره واستولى على السلطة.
لم تستقر الأمور للحكومة الجديدة، وتعرضت أفغانستان لصراعات داخلية وفوضى أدت لتدخل الاتحاد السوفييتى وظهور المجاهدين المدعومين من الولايات المتحدة ثم «طالبان»، وباقى القصة معروفة. آثار التغيُّر المناخى واضحة حتى الآن على أفغانستان، والسبب الرئيسى فى انتشار زراعة الخشخاش هو «الجفاف الذى يضرب البلاد، فهو مقاوم للجفاف ويستهلك سدس ما يحتاجه القمح من المياه»، بحسب المؤلف. وتنتج أفغانستان 90% من الأفيون فى العالم وتشكل عوائده نصف الناتج المحلى، وحماية مزارع الخشخاش، التى يسميها البعض «الزهرة الرحيمة» تدفع بالكثير من الأفغانيين إلى التمرد والقتال مع «طالبان» للدفاع عنها فى وجه قوات الناتو والحكومة المحلية.
الحرب الأهلية فى سوريا مثال جيد على دور التغيُّر المناخى فى الصراعات السياسية، ففى عام 2006 تعرضت سوريا لأسوأ موجة جفاف شهدته منذ 900 عام، فى وقت أضعف فيه برنامج تقشف نظم الدعم الحكومية، «بارت» الأراضى الزراعية، وهلكت الماشية، وارتفعت أسعار المواد الغذائية ارتفاعاً كبيراً، وفرّ أكثر من 1.5 مليون شخص من الريف إلى المناطق الحضرية، حيث تكدسوا فى مدن الصفيح والأحياء الفقيرة التى أقامها اللاجئون خلال الحرب فى العراق، وكان هؤلاء عاملاً إضافياً للثورة على النظام، وتغذّى على يأسهم تنظيم الدولة الإسلامية المتطرف، وأدت الحرب وفقاً لـ«بارنتى»، التى أودت بحياة نصف مليون شخص، إلى تشريد 7 ملايين شخص فى سوريا ونحو 4.8 مليون لاجئ.. هؤلاء خلقوا بدورهم أسوأ أزمة لاجئين شهدتها أوروبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وقد أدى تدفقهم إلى أوروبا إلى صعود حركات القومية المتشددة وارتفاع جرائم الكراهية.. تغيُّر المناخ إذاً هو اليد الخفية فى الاضطرابات، والتفكك الاجتماعى، والفوضى والحرب.
ليس مصادفة أن تكون التغيرات المناخية، التى تعجز الحكومات عن احتوائها، قاسماً مشتركاً بين الدول التى تشهد صراعات عنيفة، فجنوب السودان واحدة من أكثر 5 دول فى العالم ضعفاً وتأثراً بالتغيرات المناخية وفقاً لـ«مؤشر الضعف فى تغيُّر المناخ» فى 2017، والنتيجة صراعات لا تنتهى، وفى السنوات الخمس الأخيرة فقط، قُتل عشرات الآلاف، وشُرّد ما يقرب من ربع السكان، ولم يكن لدى الكثيرين خيار سوى الفرار إلى كينيا أو أوغندا أو السودان المجاورة، وتوقع العلماء أن تكون الزيادة فى درجات الحرارة بهذا البلد المنكوب أعلى بنحو مرتين ونصف من المتوسط العالمى، وهذا كفيل باستمرار الصراعات والحروب هناك، إذ يعتمد 95% من السكان على الخدمات المتصلة بالمناخ، من الزراعة إلى تربية الحيوانات ومصايد الأسماك.
وتعانى إيران من نقص خطير فى المياه يهدد استقرارها، وبحيرة أورميا فى جنوب غرب إيران مثال واضح، فمنذ سنوات ليست بعيدة كانت أورميا سادس أكبر بحيرة مالحة فى العالم، لكنها فقدت أكثر من 90% من المياه التى كانت تجرى فيها فى السبعينات من القرن الماضى، وقد لا يستغرق الأمر وقتاً طويلاً قبل أن تختفى تماماً «أورميا» كما حدث مع بحر آرال فى كازاخستان وأوزبكستان.
وذكرت مجلة «scientific American» فى تقرير حديث أن الجفاف الذى يضرب إيران نتيجة للتغيرات المناخية لعب دوراً فى الاحتجاجات التى شهدتها البلاد مؤخراً، قالت «باربرا سلافين»، مديرة مبادرة مستقبل إيران فى مجلس الأطلنطى، إن دور تغيُّر المناخ فى الاحتجاجات «هائل» لكنه لا يحظى بالاهتمام الواجب من جانب الإعلام. وتتابع: «كثير من المحتجين تركّزوا فى مدن الأقاليم، وهؤلاء نزحوا من الريف إلى هذه المدن الفقيرة بحثاً عن فرصة عمل بعد أن حرمهم الجفاف، الذى تعانى منه البلاد منذ 14 عاماً، ويتفاقم بفعل الاحتباس الحرارى، من وظائفهم كمزارعين». ويعتقد الخبراء أن إيران معرضة بشكل متزايد لتغيُّر المناخ، ومن المتوقع أن ينخفض معدل سقوط الأمطار فى الشرق الأوسط بنسبة 20% بنهاية القرن، ويمكن أن ترتفع درجات الحرارة بمقدار 5 درجات مئوية وفقاً لما ذكرته الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيُّر المناخ، وبحلول عام 2070، يمكن للخليج العربى أن يشهد ارتفاعاً فى موجات الحرارة التى يصعب على البشر البقاء عليها، وفقاً لدراسة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا نشرت عام 2015، فيما سجلت إيران واحدة من أعلى درجات الحرارة على الأرض عند 128.7 درجة فهرنهايت.