«ندى» سافرت إلى فرنسا بـ«الصندل» لدراسة العلوم السياسية: «اتعلمت الاعتماد على نفسى.. واشتغلت وصرفت على تعليمى.. وجيلنا لازم يشتغل على نفسه»

كتب: رحاب لؤى

«ندى» سافرت إلى فرنسا بـ«الصندل» لدراسة العلوم السياسية: «اتعلمت الاعتماد على نفسى.. واشتغلت وصرفت على تعليمى.. وجيلنا لازم يشتغل على نفسه»

«ندى» سافرت إلى فرنسا بـ«الصندل» لدراسة العلوم السياسية: «اتعلمت الاعتماد على نفسى.. واشتغلت وصرفت على تعليمى.. وجيلنا لازم يشتغل على نفسه»

ندى طارق، 22 سنة، بدأت قصتها قبل سبع سنوات تزامناً مع اندلاع ثورة 25 يناير، كان عمرها 16 عاماً وتدرس بعامها الأول فى الثانوية العامة، قبل هذا التاريخ لم يكن لدى «ندى» أدنى فكرة حول الطريقة التى ستسير بها حياتها، تعترف وتتصالح مع واقعها فى تلك المرحلة: «كنت تافهة جداً»، إلا أنها تعتبر ثورة يناير بمثابة التاريخ الفاصل فى حياتها «شاركت فى التظاهرات فى الإسكندرية، ويوم التنحى تصادف إنى كنت فى التحرير وكان عندى 15 سنة ساعتها، وقتها قلت لنفسى مستحيل هنفضل طول حياتنا نثور ونصرخ فى الشارع عشان نوصل للى إحنا عاوزينه، عشان نوصل لازم الجيل بتاعنا يشتغل على نفسه ويكون جيل واعى إلى حد ما، فقررت ساعتها إنى أدرس علوم سياسية».

هكذا وضعت ذات الـ15 عاماً اللبنة الأولى فى مسيرتها العلمية، قدرت وقتها أن دراسة السياسة ستعطيها مساحة جيدة للفهم ومن ثم صناعة القرار الجيد إذا ما قدر لها يوماً أن تكون فى منصب قيادى، مسيرة تعلم ارتبطت بالأحداث السياسية فى البلاد، حين وصلت لعامها النهائى بالثانوية العامة سنة 2013 تزامنت «المذاكرة» مع كثير من الخوف: «كنت خايفة مانختارش رئيس مناسب ونرجع للى كنا فيه تانى وكنت خايفة إنى ماجيبش مجموع يدخلنى الكلية اللى بحلم بيها»، هكذا بدأت التفكير فى الدراسة بالخارج، وقتها بدأت البحث عن جامعة مناسبة فى فرنسا لتحصل منها على الليسانس: «قلت تكون احتياطى لو ماجبتش مجموع يدخلنى سياسة واقتصاد فى مصر»، بحث انتهى بقبولها فى كلية الحقوق، بجامعة montpellier فى فرنسا، لم يكن طموح «ندى» الهجرة، لذا لم تقدم على خطوة السفر وقتها: «مع إن أهلى كانوا مشجعينى جداً، بس الجامعة اللى قبلتنى هناك كانت حقوق ماكانتش علوم سياسية وأما جبت 96.7 فى الثانوية العامة قررت إنى ماسافرش وإنى هقعد هنا هاخد علوم سياسية وهادخل قسم اللغة الفرنسية فيها، لأنى طول عمرى فى مدارس فرنسية، والقسم الفرنسى فى الكلية عامل شراكة مع جامعة السوربون فى فرنسا زى dual degree، يعنى الشهادة من هنا وهناك».

هكذا سافرت «ندى» من الإسكندرية للقاهرة، طوال أربع سنوات درست خلالها فى مجال السياسة والاقتصاد «الأربع سنين علمونى النضوج وخلونى معتمدة على نفسى أكتر، حتى من سنة تالتة بقيت أشتغل وأصرف على نفسى وأساعد البيت فى مصاريف كليتى»، مسألة لم تكن سهلة على الإطلاق، حيث تواصلت الأيام بين الدراسة والعمل: «ماكنتش باخد أجازة كنت باسهر طول الليل باذاكر، أروح الامتحان، بعد كده أطلع ع الشغل 10 ساعات، كنت بافضل أحياناً 35 أو 36 ساعة صاحية».

{long_qoute_1}

تأمل المشهد جعلها تدرك تفوق الأنشطة المتعلقة بالتنمية المجتمعية على ما سواها، هكذا بدأت مع منظمة «ثينك تانك»، وتوالى حضورها لتدريبات عديدة كاستمرار لنشاطها الذى لم تكن تعلم أنه سيؤهلها للسفر فيما بعد «أول حاجة عملتها كانت سنة 2011 كنت نظمت حملة تنضيف فى الشارع فى إسكندرية قعدنا أكتر من أسبوعين وكنت مسئولة عن 150 متطوع معانا».

اشتركت «ندى» عام 2016 فى برنامج «مواطنون فاعلون» مع المجلس الثقافى البريطانى، حيث شاركت من خلاله فى تأسيس مشروع «العمل من أجل المساواة بين الجنسين» لتصبح من بعد التدريب مدربة فى البرنامج: «بعدها سافرت بلغاريا فى تدريب هناك اسمه أوروبا والحرية، كنت المصرية والعربية الوحيدة فى التدريب»، ليتوالى تعرفها على الكيانات الموجودة فى المجتمع المدنى مثل «ثينك تانك»، «فاضليا»، «اتجاه»، «oblsd»، «egypt jam»، «سلمية»، «فرقة ولسه»: «آخر حاجات عملتها فى 2017 فى سنة رابعة اشتغلت مع مسار وcare international فى مشروعين، أول واحد مشروع يهدف للمساواة بين الجنسين وتحسين جودة التعليم للفتيات فى المدارس، ومشروع تانى يهدف لدمج المصريين والسوريين، وكنا رحنا أماكن كتير فى القاهرة والعاشر من رمضان، العبور، أكتوبر، مدينة نصر، ورحنا المنيا فى قرية هور وأبشادات واشتغلت مع اسباير فى كذا مشروع بس أهمهم كان مشروع بننزل فيه للعمال فى المصانع لتعريفهم بالسلامة والصحة المهنية وحقوق العمال، ورحنا محافظات كتير؛ الأقصر، برج العرب، بورسعيد، وكمان الأماكن الصناعية فى القاهرة»، تجربة ضخمة لفتاة صغيرة بدأت تتمنى أن تحصل على الماجستير من فرنسا كنت بحلم أدخل جامعة sciences po رابع جامعة فى العلوم السياسية على مستوى العالم وأحسن جامعة فى فرنسا، وكمان كان عندهم ماجستير فى التنمية الدولية، اللى كنت حابة أدرسه وأكمل فيه من منطلق إنى فعلاً عاوزة أساعد وعاوزة أعمل حاجة وإحساس بمسئولية تجاه المجتمع اللى أنا عايشة فيه وقلت إنى كمان حابة أتخصص فى الفقر أو التعليم، ده اللى أنا فعلاً شايفاه أكتر الحاجات الملحة فى بلدنا».

هكذا بدأت رحلة التقديم للدراسات العليا فى نوفمبر الماضى، حيث مرت بامتحان اللغة الإنجليزية، ومن بعده واصلت التقديم فى أكثر من جامعة بفرنسا: «كنت شايفاها حاجة مستحيلة، لأن نسبة القبول فيها قليلة، ومحدش قدم عليها من كليتى قبل كده ومفيش مصريين هناك دخلوها قبل كده، لكن المفاجأة إنى اتقبلت فى الجامعة، لكن فضلت المشكلة هاصرف على تعليمى إزاى؟».

هكذا واصلت «ندى» البحث عن مؤسسة تساعدها على السفر دون جدوى، حيث تواصلت عمليات رفضها للدرجة التى أصابتها باليأس «اترفضت حوالى 15 مرة، كلمت ناس مهمين يساعدونى، قدمت على منحة اتصالات لكن الحظ ماساعدنيش، بدأت أتجه لصحابى والفيس بوك بحيث ألاقى أى وسيلة تساعدنى، كتبت بوست واتفاجئت تانى يوم إنه اتعمله شير كتير وناس تعملى فولو واللى هو إيه ده إيه اللى حصل، ولاقيت منحة تانية بتعتمد على التصويت، قلت خلاص ده اللى هيساعدنى، وخصوصاً إن بقى فيه ناس كتير معايا دلوقتى، امتدت مدة التصويت شهر ولما النتيجة ظهرت طلعت رقم 11 وهما أخدوا أول 10 بس.. اتضايقت جداً وكمان اختفيت فترة لأنى اتكسفت بعد ما كل الناس دى دعمتنى أكتر من 1700 تصويت وفى الآخر برضو ماخدتش المنحة، وكان آخر شهر 7 ميعاد آخر منحتين نتيجتهم تظهر وماجتليش، فأحبطت جداً بعد ما كان الحماس واخدنى وطلع بيا فوق كل ده اتحطم مرة واحدة، مصاريف الجامعة كتير وأهلى ماكانوش هيقدروا يصرفوا عليا، قعدت أسبوعين على كده إحباط تام لحد ما فيه ناس بدأت تكلمنى وتقول لى إنى بطلة أو مثلاً نفسى أكون زيك أو انتى ألهمتينى وكلام كتير حلو جداً بيتقال مع إنى ولا حاجة يعنى، فقلت لأ أنا مدينة لنفسى إنى أكمل مش بعد 6 سنين أقف ومدينة للناس إنها ساعدتنى وشايفانى نموذج إن لازم النموذج ده ينجح».

{long_qoute_2}

هكذا قدمت الشابة للحصول على الفيزا، «قلت لو جت يبقى ليا نصيب إنى أسافر، ماجاتش يبقى خلاص عملت اللى عليا، تأخرت الفيزا بالفعل، وبدأت الدراسة هناك، كان فى معارضة من أهلى إنى ماسافرش عميانى كدا بدون خطة أو تمويل، كنت باحاول أحجز تذاكر طيران بس الفيزا بتاعتى ماكانتش شغالة كلمت خدمة العملاء قالوا لى هتشتغل كمان يومين وأنا الفيزا جات لى يوم الاتنين وكان لازم أسافر قبل الأسبوع اللى وراه عشان أنا ليا غيابين بس فكده هبدأ أشيل مواد عشان هيكون عدى على الدراسة 3 أسابيع، لقيت تذكرة من الغردقة وسعرها كويس الكلام ده كان يوم التلات قلت أجرب أحجزها، وكانت حركة غبية جداً، هوب الفلوس اتسحبت والتذكرة اتحجزت لباريس من الغردقة يوم الأربع الساعة 6 الصبح وأنا كنت فى القاهرة يوم التلات الساعة 3 العصر وأهلى فى إسكندرية ماحضرتش حاجتى، أهلى اتضايقوا جداً وماصدقونيش وحصل مشاكل كتير يعنى المهم إنى حضّرت حاجتى وحجزت أوتوبيس للغردقة ومالحقتش أسلم على حد وماظبطش هعمل إيه هناك ولا هقعد فين ولا هجيب فلوس منين، وكنت رايحة للمجهول تماماً».

هنا تدخلت صديقة للمساعدة، حيث اتصلت بشخص يقيم فى فرنسا لاستقبالها فى المطار، واستطاعت الإقامة لديه ليومين «الشخص ده ساعدنى من حاجات كتير جداً لدرجة إنى كنت نسيت الأحذية كلها وكنت جاية بصندل وهناك الدنيا كانت بتشتى وساقعة اشترى لى كوتشى، قعدت عنده يومين لحد ما صاحبتى قالت لى إنها تعرف حد يعرف حد مصرى متجوز فرنسية وبيدوروا على (بيبى سيتر) مصرية، وفى المقابل عندهم سكن ويطلع السكن جنب الجامعة وكده مش بادفع سكن مقابل إنى بفضل مع البنات ساعتين تلاتة كل يوم بعد الجامعة وبدأت أدوّر على شغل عشان أدفع فلوس الجامعة وأصرف على نفسى».

هكذا قامت بعمل إعلان عن استعدادها لتدريس اللغة العربية عبر الإنترنت لتتوالى الاتصالات «بقى عندى 3 طلاب بس لسه مش كفاية يادوب كده يكفى مصاريفى وبحوّش فلوس قليلة أوى وحالياً بدوّر على شغل تالت فى الويك إند عشان أدفع فلوس الجامعة وبحاول أظبط وقتى عشان ألاقى وقت أذاكر وأنام، وبقيت معتمدة على نفسى فى كل حاجة أكل شرب طبيخ غسيل هدوم مواعين مصاريف كل حاجة، وجربت حتى شغل مع شيف سورى كده فى مطعم بس اتمرمطت شغل فى المطبخ غسيل صحون وتنظيف طرابيزات وتحضير الأكل، فاحتمال يا إما أكمل فى نفس نظام الشغل ده أو ألاقى شغل تانى، وآدينى باحاول أتعايش وباحاول أنجح هنا وأوصل للى أنا عاوزاه».

14 ألف يورو على «ندى» دفعها خلال العام الدراسى، نجحت حتى الآن فى تسديد جزء بسيط للغاية «دفعت أول شهر 500 وتانى شهر 950 وتالت شهر مش عارفة هاجمعهم إزاى؟» 11 قسطاً تبلغ قيمة الواحد 1300، ما يدفعها للبحث عن مزيد من محاولات جنى المال «ما زلت باحاول».


مواضيع متعلقة