أكراد سوريا.. الكل متواطئ
- أكراد سوريا
- إطار الدولة
- إنهاء الحرب
- الأراضى السورية
- الأكراد السوريين
- الأمن القومى التركى
- التحالف الدولى
- الجيش الأمريكى
- الجيش الإسلامى
- أثار
- أكراد سوريا
- إطار الدولة
- إنهاء الحرب
- الأراضى السورية
- الأكراد السوريين
- الأمن القومى التركى
- التحالف الدولى
- الجيش الأمريكى
- الجيش الإسلامى
- أثار
للسياسة الدولية حسابات معقدة، المبادئ فيها مسألة ثانوية للغاية، وغالباً غير معترف بها، المصالح تحكم وتفرض نفسها. من ينادى بالمبادئ هو الأضعف دائماً. الأتباع عادة ما يدفعون الثمن غالياً. الارتكان إلى دعم مستمر من قوة كبرى أو إقليمية أمر محفوف بالمخاطر. الصفقات بين الدول لها الأولوية. الأكراد، سواء كانوا عراقيين أو سوريين، يدركون هذه الحقائق جيداً، ومع ذلك يقعون فى الخطأ تلو الآخر. كثيراً ما تصوروا أنهم باتوا قريبين من حلمهم التاريخى، حلم الاستقلال أو الانفصال أو الدولة المستقلة، أو الإدارة الذاتية الموسعة، قل ما شئت، ولكنهم يصطدمون دائماً بتخلى من كانوا يعدون بالدعم والمساندة، ثم تعود الأمور إلى نقطة ما قبل الصفر دائماً. ثمن فادح دُفع من قبل، وما زال الحبل على الجرار.
حالة أكراد سوريا ذات طبيعة خاصة، لعبوا دوراً مهماً فى قتال «داعش» وهزيمته حين لم يكن هناك من يقاتل «داعش» أو يردّ استبداده. قصة تحرير عين العرب «كوبانى» يناير 2015 تثبت شجاعتهم ووطنيتهم وإنسانيتهم معاً. الوضع الذى باتوا عليه كطرف على الأرض يشارك فى التحالف الدولى بقيادة الولايات المتحدة لمكافحة «داعش»، جعلهم طرفاً رئيسياً للتعاون المكثف مع واشنطن استخبارياً وعسكرياً. الهدف الأكبر، وهو قتال «داعش» وتحرير الأرض من حكم «دولة الخلافة» المزعومة، وكذلك الدفاع عن المناطق التى يسود فيها الأكراد وضمنها بعض قرى عربية، وكامل الإقليم يقع شمال وشمال شرق سوريا ويمتد على طول الحدود مع جنوب تركيا البالغ طولها 822 كم، جعلهم يفكرون فى طريقة لإدارة هذه المناطق بعيداً عن الدولة السورية نظراً لظروف الحرب والقتال. ومن هنا بدأت أفكار الحكم الذاتى والإدارة الذاتية والانتخابات البلدية ووثيقة لإدارة المناطق الكردية وانتخابات أقرب إلى البرلمانية. الناظر من بعيد كان يرى أن ملامح نزعات استقلالية تنمو فى المحافظات الكردية، لكن أيضاً هناك رموزاً كردية رصينة ترى أن الإدارة الذاتية ليست سوى ضرورة وقتية وليست مقدمة للانفصال أو لإعلان كيان كردى، وأن الأوْلى هو البحث عن نظام سياسى يشمل كل سوريا يتيح المشاركة السياسية لكل عناصر المجتمع السورى، ويعطى لكل فئة فرصة التعبير عن خصوصيتها فى إطار الدولة السورية وليس بعيداً عنها. ومن هنا جاءت مشاركة الأكراد فى جولات التسوية السياسية، سواء فى جنيف أو سوتشى الروسية.
لم يقتصر الدعم للأكراد السوريين على الولايات المتحدة، فروسيا أيضاً دخلت على الخط ونسجت علاقة قوية معهم بحكم وجودها على الأرض واضطلاعها بمهمة دحر «داعش» وحماية النظام السورى والحفاظ على الوحدة الإقليمية لسوريا. وهكذا، ورغم التنافس بين واشنطن وموسكو فى سوريا وفى مواقع أخرى من العالم، فقد وجد الأكراد السوريون دعم الطرفين، أحدهما بالسلاح والتدريب والتمويل، والثانى بالدعم السياسى والدفاع عن حق الأكراد فى المشاركة فى أى عملية سياسية لإنهاء الحرب وبناء سوريا جديدة.
غير أن الحسابات على الأرض تختلف عن الحسابات فى مجال التخطيط، فالعين التركية منذ زمن تراقب ما يجرى فى شمال سوريا، وتشك فى كل حركة وكل خطوة قد تفيد الأكراد السوريين أو تجعلهم قادرين على إدارة شئونهم بأنفسهم أو تزيد من قدراتهم التنظيمية أو العسكرية. مجرد إعلان المتحدث باسم الجيش الأمريكى عن تشكيل قوة حدودية من 30 ألف عنصر غالبيتهم من قوات حماية الشعب الكردية أثار جنون أنقرة إلى الحد الأقصى، فمثل هذه القوة إن تم تشكيلها سوف تمنح المناطق الكردية نوعاً من الحماية فى مواجهة تركيا قبل أى طرف آخر، وهذا غير مرغوب وغير مطلوب. ورغم أن تركيا أقامت حاجزاً وسوراً على الحدود مع سوريا بامتداد 550 كم، ظل الهاجس الأمنى مسيطراً على عقول نخبة أنقرة.
استفادت تركيا من قدرتها على المناورة والانقلاب على الذات والتحرك فى كل الاتجاهات دون حرج. اعتبارات حماية الأمن القومى التركى لا تسمح بأن يكون هناك كيان كردى أو تعاون مفترض أو متوهَّم بين منظمة كردية سورية وبين حزب العمال الكردستانى التركى، فالكل لدى أنقرة عناصر إرهابية يجب وأدها ودفنها فى الأرض حسب تعبيرات الرئيس أردوغان. والقدرات العسكرية التركية جاهزة لتنفيذ الأوامر، ولديها الكثير من الخطط والعتاد والجنود، إضافة إلى الكثير من المرتزقة السوريين وغير السوريين سواء حملوا اسم الجيش السورى الحر أو الجيش الإسلامى أو الفتح أو أى اسم آخر، فهؤلاء جميعاً يمكن توظيفهم فى الأعمال القذرة ضد الأكراد، وفى احتلال أراضيهم وفى قطع أعناقهم.
لا تعرف تركيا احترام الحدود، لا سيما الحدود السورية، ومن قبل العراقية، ففى سوريا لا يوجد سوى حكومة تسيطر على أجزاء محدودة من البلاد وتناضل من أجل استكمال تلك السيطرة المعروفة باسم السيادة، فالبلاد ممزقة وتخضع فعلياً لنفوذ روسى وأمريكى وإيرانى وتركى جنباً إلى جنب نفوذ جماعات إرهابية باسم المعارضة فى أماكن عدة.
دخول الأراضى السورية لم يعد مشكلة بالنسبة لتركيا، فالروس عمليون أيضاً شأنهم شأن الأمريكيين. يمكنهم أن يخضعوا للابتزاز أو يتخلوا عن أصدقائهم أو يتجاهلوا الأمر وكأنه لا يعنيهم. ما صرّح به أحد مسئولى قوات حماية الشعب الكردية من أن روسيا خذلتهم هو صحيح مائة بالمائة. كان البعض يتوهّم أن الروس سوف يمنعون تركيا من دخول عفرين أو أى جزء من الأراضى السورية. كذلك توهّم البعض أن أمريكا ستردع أنقرة عن مغامرتها العسكرية التى ستطيح بقوات حماية الشعب الكردية التى طالما وصفها الأمريكيون بأنها حليف استراتيجى فى الحرب على «داعش». كل من موسكو وواشنطن تعاملت مع الغزو التركى لشمال سوريا باعتباره أمراً مشروعاً، وكل منهما تفهّمت دوافع أنقرة فى حماية نفسها مما تصفه بالإرهاب الكردى. روسيا سحبت قواتها من عفرين قبل ساعات من اجتياح القوات التركية للمنطقة، وسمحت للطيران التركى بأن يدكّ أهدافاً عديدة. وفى الوقت ذاته تقول إنها دعت ممثلين عن الأكراد للمشاركة فى مؤتمر «سوتشى» للحوار الوطنى السورى بعد الاتفاق على الأسماء مع تركيا. واشنطن بدورها اعتبرت الأمر مجرد عملية عسكرية وطالبت بضبط النفس. ردود أفعال أقل من أن تكون متواضعة. رائحة الغدر بالأكراد السوريين تفوح من كل اتجاه. مزاعم الحفاظ على الوحدة الإقليمية لسوريا لم يعد لها أى معنى. الكل متواطئ.