«جفاف وتلوث ونفوق أسماك وشحوط مراكب» كوارث انحسار المياه

«جفاف وتلوث ونفوق أسماك وشحوط مراكب» كوارث انحسار المياه
- أعمال الصيانة
- إلقاء القمامة
- ارتفاع درجة الحرارة
- استصلاح الأراضى
- استهلاك المياه
- الأراضى الزراعية
- الأقصر وأسوان
- انحسار المياه
- أعمال الصيانة
- إلقاء القمامة
- ارتفاع درجة الحرارة
- استصلاح الأراضى
- استهلاك المياه
- الأراضى الزراعية
- الأقصر وأسوان
- انحسار المياه
استعان أحمد حجازى بمجموعة من الصور نشرها صديقه زياد أحمد عبر حسابه الشخصى، بموقع التواصل «فيس بوك»، تظهر فيها محطة مياه مغاغة بعزبة الصعايدة وقد تحولت لمستنقع وموقع لإلقاء القمامة والحيوانات النافقة، مأساة تفاقمت مع السدة الشتوية وانخفاض المياه، الصور كانت سبباً فى اجتماع مجدى نصر، رئيس مركز ومدينة مغاغة بالمنيا ومجموعة مواطنين غاضبين يطالبون بالتدخل للتقليل من الآثار السلبية للسدة الشتوية وقالوا فى شكاواهم: «طالبنا بتطهير مجرى النيل أثناء السدة، وحصر الخسائر الكبيرة للمعديات واللانشات بسبب انحسار المياه».
مطالب نال الشاكون وعوداً بحلها خلال الفترات القادمة، لكنها لم تكن الشكوى الوحيدة، آثار مبكرة للغاية ومخيفة أيضاً للسدة الشتوية هذا العام، تضمنت مشكلات ملاحية وسياحية، الأمر بدا من الأهمية لدرجة عقد لأجلها الرئيس عبدالفتاح السيسى اجتماعاً مع وزراء الرى والموارد المائية، والسياحة والنقل، بحضور القائم بأعمال رئيس الوزراء ووزير الإسكان الدكتور مصطفى مدبولى، فى 28 ديسمبر الماضى، إلا أن الأزمات تواصلت.
{long_qoute_2}
ومن شحوط للمراكب النيلية بكل من الأقصر وأسوان، إلى حوادث انقطاع للمياه بعدد من المناطق، ما جعل البيئة خصبة لانتشار شائعة حول غلق 67 محطة تنقية مياه للشرب على نهر النيل والبحر اليوسفى وترعة الإبراهيمية جزئياً بسبب السدة الشتوية، شائعة استشهد مروّجوها على الانقطاع الذى شهدته الأقصر فى مثل هذا التوقيت من العام الماضى لأيام كاملة خلال فترة السدة، إلا أن الدكتور إبراهيم خالد، مدير شركة مياه الشرب والصرف الصحى بالمنيا، خرج لينفى خبر الإغلاق بشكل قاطع.
آثار للسدة بدا أنها غير محتملة خلال فترتها التى لا تحمل تحديداً واضحاً، وبحسب المتخصصين هى 21 يوماً، وفى الواقع تصل أحياناً إلى 40 يوماً، وأكثر أحياناً، مدة غير معلومة دفعت إلى حفر بئرين شاطئيتين بمحطة غرب البحر اليوسفى بقرية مازورة فى مركز سمسطا للتغلب على مشكلة غلق محطة المياه، وعدم توافر مياه الشرب أثناء فترة السدة الشتوية من العام الماضى.
أعراض تختلف من عام لآخر، تتفق فى ضراوتها وتختلف فى مظهرها، أثبت عام 2014 أنه لا تنسيق بين «الرى والزراعة» وبين الفلاحين، فرغم تأكيدات المسئولين المختلفة على أهمية إبلاغ الجمعيات الزراعية للفلاحين بمواعيد السدة الشتوية، إلا أن السدة بدت مفاجئة لعشرات الفلاحين الذين خرجوا عن صمتهم فى كل من ملوى وديرمواس جنوب المنيا، بعدما تعرضت أراضيهم للعطش، حيث تم قطع المياه قبل موعد السدة بـ10 أيام.
أما فى 2015 فقد امتد انقطاع المياه لأيام فى عدة مناطق على مستوى الجمهورية، عرف أهلها للمرة الأولى أثراً للسدة الشتوية على حياتهم، فى مقدمتها مرسى مطروح والجيزة، أيام طويلة من العطش ومناشدة المسئولين للكشف عن السبب انتهت فى كلتا المنطقتين إلى أن سبب الانقطاع يعود إلى «السدة الشتوية».
لا تنسى دعاء جابر «ربة منزل» الأيام الطويلة التى قضتها بمنزلها فى شارع فيصل دون مياه، وتقول: «كانت المياه تأتى لساعات قليلة خلال اليوم وفى أوقات مختلفة، حاولنا الشكوى كثيراً دون جدوى، فى البداية اعتقدنا أن المشكلة متعلقة بالبيت عندنا، ثم اكتشفنا أنها مشكلة فى منطقة الجيزة بالكامل، وفيصل بالخصوص، وليخرج فى النهاية اللواء علاء هراس مشيراً إلى أن السبب السدة الشتوية».
{long_qoute_3}
لم تفهم «دعاء» فى البداية معنى الكلمة، وتوضح: لم يسبق أنه كان للسدة الشتوية تأثير على حياتنا اليومية، سمعنا عنها فى كتب الدراسات، لكنها كانت المرة الأولى التى أتعرض فيها لمشكلة فيقال لى فيها إنها بسبب «السدة الشتوية».
لم تكن أزمة انقطاع المياه وحدها المشكلة، فنفوق الأسماك بكميات كبيرة فى بحيرة إدكو فى نفس الفترة مثل كارثة بيئية من العيار الثقيل، بعد أن ارتفعت نسبة الأمونيا فنفق السمك بكميات ضخمة، كان هذا هو التفسير الذى أعلنه كل من المهندس أحمد حلمى عبدالجواد رئيس المنطقة الغربية للثروة السمكية، وأحمد السد سكرتير جمعية الصيادين بالبحيرة، أن الكارثة تحدث كل عام بسبب السدة الشتوية.
لم يبدُ هذا كله كافياً لتجنب المشكلة فى العام التالى، لذا تكررت بحذافيرها فى موقع مختلف، خلال السدة الشتوية عام 2016 حيث شهدت الدقهلية حادث نفوق جماعى للسمك بترعة الخضراوية على طريق طلخا - شبين الكوم، لكن السبب الذى تم إعلانه هذه المرة هو «الصرف المخالف»، الأمر الذى دق ناقوس الخطر حول نسب التلوث المرتفعة فى المياه.
أما فى 2017 فقد ترافقت السدة الشتوية مع توقف عدد من محطات مياه الشرب، بلغ عددها فى المنيا وحدها 25 محطة بحسب التقارير الرسمية، فضلاً عن ظهور الجزر النيلية فى عدد من المناطق، وانطلاق شكاوى عدد غير قليل من الفلاحين وقتها بسبب الجفاف، حيث مثلت لهم درجة الجفاف «مفاجأة»، فيما واصلت المياه انقطاعها فى سوهاج لـ19 ساعة متواصلة، أما التفسير الرسمى فقد صدر وقتها عن إدارة تفتيش الرى فى سوهاج، ليقول: «انخفاض منسوب المياه فى نهر النيل ناتج عن السدة الشتوية، إلا أن الانخفاض كان أكبر من المعدل الطبيعى هذا العام، ما أثّر على كفاءة محطات مياه الشرب والرفع المغذية للترع».
لم تبدُ كل تلك الحوادث على مدار السنوات الأربع الماضية رادعاً كافياً للبدء فى اتخاذ التدابير الكافية من أجل السدة الشتوية، حيث بدأت السدة هذا العام بروائح كريهة للغاية تصاعدت من مياه ترعة المحمودية بداية يناير، دفعت مسئولى محطة مياه الشرب والصرف الصحى ببورسعيد إلى إلقاء كميات كبيرة من الكلور فى المياه، إلا أن الروائح ظلت نفاذة ما دفعهم أخيراً إلى إلقاء كميات أكبر من «الفحم»، أما شركة مياه الشرب والصرف الصحى بمطروح فقد بعثت من جديد بتحذيرها للمواطنين من أجل تخزين مياه الشرب فى الخزانات الأرضية الخاصة تحسباً لانقطاع المياه بسبب السدة الشتوية، أما فى بنى سويف فقد سادت حالة من الغضب بسبب تأثر مياه الرى والشرب بالسدة الشتوية، ككل عام، وشكا المزارعون من شح مياه الرى نتيجة توقف عدد من محطات الرفع المغذية، فضلاً عن انقطاع المياه عن المنازل دون إنذار، غضب تحول إلى كوميديا مع مشهد الجفاف الذى أصاب النهر للدرجة التى ساعدت مجموعة من الأطفال والكبار على المرور من ضفة إلى أخرى سيراً على الأقدام. المشهد حرص عبده رجائى على الاحتفاظ به عبر هاتفه المحمول، فيديو، وصور مردداً: «فعلاً اللى معاه ربنا يمشى على الميّه».
{long_qoute_1}
ويشرح الدكتور نور أحمد عبدالمنعم، الخبير الاستراتيجى فى شئون المياه بالشرق الأوسط، فكرة السدة الشتوية ببساطة قائلاً: «بدأت بعد بناء السد العالى، ومن المفترض أن مدتها كانت شهراً يبدأ من 15 ديسمبر إلى 15 يناير، ثم عدلت لتكون 21 يوماً من أول يناير لغاية 21 يناير، والغرض منها يرجع إلى اسمها، أن نسد المياه فى الشتاء، لأنه موسم لا تحتاج خلاله الزراعة لمعدلات عالية من الرى، خاصة مع سقوط الأمطار، والبرد وضعف استهلاك المياه خلال تلك الفترة، لذا تكون الفرصة سانحة لتطهير جميع المجارى المائية، والمصارف المائية خلال المدة التى يستغرقها طول العام لجريان الماء فيها وما أحدثته من نحر أو هدم لجسور الترع والمصارف، ثم تنشأ إذا أمكن المشروعات المائية سريعة الإنجاز المرتبطة فى الرى بهذا الوقت، استعداداً لبدء تلقّى المعدلات العادية من الرى فى هذه القنوات المائية».
يشرح «نور الدين» الأمر أكثر بقوله: «لنا أن نعلم فى هذا الإطار أن معدل التصريف اليومى خلف السد العالى فى الشتاء خلال موسم السدة 60 مليون متر مكعب من المياه لأغراض الملاحة النهرية رقم واحد ثم الزراعة رقم 2 والزراعة تشمل فى طياتها الصناعة والاستهلاك المنزلى ومياه الشرب، بينما يتم تصريف المياه خلف السد فى الصيف بمعدل يتراوح بين 200 و260 مليون متر مكعب من المياه، أى 6 أضعاف ما يتم تصريفه فى الشتاء، وذلك بسبب ارتفاع درجة الحرارة واحتياج النباتات لكم أكبر من الماء».
هذا ما يجب أن يكون، أما ما يجرى بالفعل بحسب «نور الدين» فهو تراجع شديد فى أداء عمليات تطهير مجرى السفن والمراكب السياحية فى نهر النيل، ما أدى لتوالى الانهيارات فى فترة السدة الشتوية «لأن المياه كانت كثيرة فى الأعوام السابقة ومعدل التصريف العالى مع عدم إجراء أعمال التطهير يؤدى إلى الشحوط عند النقص المفاجئ، وهو ما تم حله بزيادة نسبة المياه فى المناطق المتضررة من النيل، ما يعنى أن الشحوط حدث بسبب عدم التطهير فى الماضى وتقاعس الوزارة عاماً واحداً يخلّف مشكلات لأعوام تالية».
وجه افتراضى مضىء للسدة الشتوية من المفترض أن يتضمن أعمال الصيانة فى شبكة الرى والصرف، وأعمال التطهير وإزالة الحشائش من فروعها وإزالة الطمى والرواسب تحت الكبارى التى تعوق سير المياه، وإجراء الكشف الدورى على بوابات وأجهزة القناطر والأهوسة لعمل الممرات فضلاً عن تنفيذ الأعمال الجديدة على شبكات الرى، لكن فى المقابل وبعيداً عن جميع الأعراض السابق ذكرها ثمة وجه آخر يكتسى بالظلال بحسب ما ذكره السفير الدكتور حمدى الطاهرى فى كتابه مستقبل المياه فى العالم العربى، حيث يقول: «إننا مجبرون على التقبل دون اعتراض من أجل تسليك شرايين النيل من كل الأدران والجلطات الترابية والعشبية، فالطاقة الكهربائية الموردة من توربينات السد العالى، والتى تمثل 27% من كل الطاقة الكهربائية فى مصر، نراها تنخفض بنسبة 64% من قوتها القصوى، علماً بأن 2.7 مليار متر مكعب من المياه تهدر تماماً فى البحر المتوسط، ولا يستفاد منها فى الزراعة بعد قفل الترع، نظراً لأن الترع والرياحات تكون مقفولة خلال السدة الشتوية».
هدر دفع وزارة الموارد المائية والرى عام 1977 إلى وضع خطة طموحة بالتعاون مع وزارة استصلاح الأراضى لزيادة الرقعة الزراعية، بنحو 2.8 مليون فدان حتى عام 2000 بناء على الموارد المائية التى يمكن تدبيرها عبر عدة طرق، من بينها تخزين جزء من مياه السدة الشتوية فى البحيرات الشمالية، والاستفادة بالجزء الآخر فى الرى التكميلى لمناطق الاستصلاح بغرب الدلتا والساحل الشمالى.
لكن جميع المشاريع والأفكار بشأن المياه المهدرة من السدة وكيفية الاستفادة منها بدأت تذهب أدراج الرياح، مع اختفاء فكرة السدة الشتوية من الأساس، تلك المفاجأة التى يؤكدها الدكتور ضياء الدين القوصى، مستشار وزير الرى السابق، وخبير التغيرات المناخية، مؤكداً أن السدة الشتوية بمفهومها القديم تم إلغاؤها قبل سنوات طويلة: «منذ ما يقرب من عشرين عاماً لم تعد مصر تنفذ السدة الشتوية بمفهومها القديم، وبعدما كانت تتم على مستوى إقليمى، أصبحت تحدث على مستوى محلى، ثم على مستويات أقل، لم نعد نقول السدة الشتوية فى غرب الدلتا أو مصر الوسطى، أصبح الأمر يتم فى مصرف مصرف، وزمام زمام، ومسقى مسقى».
«القوصى» يُرجع الأمر إلى اختفاء الحاجة «ما كانش فيه لزوم نقفل الميه عن الدنيا كلها، نظراً للأضرار اللى كانت بتحصل من بينها التأثير على الخضار، دلوقتى ولا متر مكعب واحد يذهب من الماء العذب للبحر المتوسط» مزيد من الإجراءات للترشيد والحد من الفقد لم تنجح فى القضاء على الظواهر السلبية التى يرجعها الخبير المائى كل إلى أصله «لما نيجى فى الشتا وتقل الميه فى فرع زى رشيد، اللى فى نفس الوقت بينزل فيه ميه صرف صحى من مصادر مختلفة، زى مصرف أبورواش، ومصرف تلا وغيرها، النسبة بين المياه العذبة والصرف تختل، فتزيد نسبة الأمونيا فى المياه والأسماك تنفق، كل الناس بلا استثناء عارفة الكلام اللى بقوله ودى حاجة واضحة وطبيعية وما نقدرش نصرف ميه مخصوص عشان السمك يعيش، ومحدش ممكن يوصى بالكلام ده، زى ما السمك له تمن الميه ليها تمن»، مع ذلك يحمل القوصى مسئولية انقطاع المياه لانخفاض جودة الإدارة «لازم يكون فيه تنسيق بين الأجهزة المختلفة، انقطاع المياه معناه غياب التنسيق بين الأجهزة زى الشركة القابضة للمياه ووزارة الرى» دور لا يبتعد بدوره عن الأفراد «السادة الزرّاع كل واحد بيدور على حاله، اللى فى بدايات الترع بياخدوا ميه بزيادة ويسيبوا جيرانهم بدون ميه خلال موسم الشتا، المسألة بالكامل عملية إدارة بين الحكومة والأفراد، والجميع ملزم بالجلوس وحل مشكلاتهم معاً».