نجيب الريحاني.. الذي فضل الموت على المسرح عن الراحة

كتب: أحمد محمد عبدالباسط

نجيب الريحاني.. الذي فضل الموت على المسرح عن الراحة

نجيب الريحاني.. الذي فضل الموت على المسرح عن الراحة

129 عامًا مضت على ذكرى ميلاد أحد رواد المسرح المصري، في النصف الأول من القرن العشرين، الذي اشتهر بشخصية "كشكش بيه"، وقدم العديد من المسرحيات والأفلام، منها فيلم "غزل البنات" الذي اختير ليكون تاسع أفضل فيلم في تاريخ السينما المصرية، إنه نجيب الريحاني.

ولد نجيب الريحاني عام 1889 بالقاهرة، لأب عراقي مسيحي وأم مصرية قبطية، كان أبوه يعمل بتجارة الخيل، وقد نشأ الطفل في منطقة باب الشعرية، فعاشر الطبقات الشعبية الفقيرة والبسيطة.

كان الريحاني مولعًا بأمه، وورث عنها حس الفكاهة، فكان يسخر كما تسخر هي من المتناقضات الاجتماعية التي يعج بها المجتمع المصري في تلك الفترة، إلا أنه كان يمارس هذه السخرية بخجل، فقد كان الريحاني شخصية انطوائية، لا يخالط الناس كثيرًا ويفضل الانعزال.

وأبرز من يتحدث ويصف الريحاني، هو صديقه الفنان الراحل بديع خيري، الذي وصف "أخيه وصديقه الراحل" في المذكرات التي نشرتها دار الهلال، بمناسبة مرور 10 سنوات على رحيل نجيب الريحاني.

وقال بديع خيري عنه: "الريحاني لم يكن مجرد ممثل يكسب عيشه من مهنة التمثيل، بل كان فيلسوفًا وفنانًا، فنانًا أصيلاً عاش لفنه فقط، ولقي الاضطهاد والحرمان وشظف العيش في سبيل مثله العليا".

كان الريحاني يمكن أن ينشأ موظفًا ناجحًا، وكان أهله يعملون لهذه الغاية، ولكن حب التمثيل كان يجري في دمه، فكل ما يكسبه من وظيفته ينفقه في إشباع هوايته، ثم دفعته هذه الهواية إلى هجر الوظيفة، مما أثار استياء أهله.

وعانى في سبيل تحقيق حلمه التشريد والجوع والحرمان، وكان من فرط حبه لفنه يلجأ إلى الوظيفة كلما أعيته الحيل، ليجمع بعض المال الذي يتيح له العودة إلى التمثيل، وكافح الريحاني وجاهد حتى انتصر.

وتابع خيري قائلًا: "كثيرًا ما كان تمثيله الرائع يسيطر على مشاعري، فإذا حاولت أن أبدي له إعجابي بتفوقه، نهاني عن ذلك، وشبه نفسه بالعابد القانت، الذي يسعى إلى التقرب إلى الله دون أن يراه، وكان من رأيه أن الممثل الأصيل لابد أن يسعى إلى الكمال المطلق، ويظل يسعى طوال حياته للوصول إلى هذا الكمال، دون أن يراه أو يصل إليه، وقدس نجيب فنه واحترمه، وكره الاتجاه الذي كان سائدًا في تلك الأيام، والذي يدفع الممثل إلى تعاطي الخمر أو المكيفات قبل الصعود إلى خشبة المسرح، على زعم أن الخمر تشجع الممثل على مواجهة الجماهير وتقوي أداءه".

ويواصل: "لم يحدث في حياة الريحاني أن شرب كأسًا من الخمر قبل التمثيل، وكان من فرط احترامه لفنه يعتكف في غرفته بالمسرح قبيل التمثيل بنصف ساعة على الأقل، ولا يسمح لإنسان — مهما كانت الظروف — أن يعكر عليه عزلته المقدسة، وفي عزلته هذه كان ينفرد بنفسه ليهيئها لمواجهة الجماهير، ويتقمص الشخصية التي سيمثلها، ويندمج في الدور الذي سيؤديه، وكنت إذا رأيته وهو يغادر غرفته الخاصة في طريقه إلى المسرح لأداء دوره، خلته منفرط الانفعال شخصًا آخر، والواقع أنه يكون في تلك اللحظة شخصًا آخر فعلاً، يكون الشخصية التي سيؤدي دورها في مسرحيته".

وبلغ من حب الريحاني لفنه أنه لم يطق اعتزال المسرح بناءً على مشورة الأطباء عام 1942، ونصحه الدكتور روزات بالابتعاد عن المسرح ستة أشهر حرصًا على صحته، فما كان من الريحاني إلا أن قال: "خير لي أن أقضي نحبي فوق المسرح، من أن أموت على فراشي".


مواضيع متعلقة