عن حرام سعد الصغير

طارق سعد

طارق سعد

كاتب صحفي

"أن تأتى متأخر.. خير من أن لا تأتى أبداً".

مقولة مهمة تحمل فى معانيها الكثير فدائماً تأخذنا الأحداث وتجرفنا مع تيارها ومن خلالها ربما نقدم على أفعال نؤثر بها أو تؤثر فينا وتزداد أخطائنا.. ومع طول المشوار قد نصاب بالعمى الكامل عن كل هذا حتى النهاية أو تحدث حالة من العمى المؤقت نفيق منها فى إحدى المحطات فنتوقف فيها لنرى ماذا حدث وماذا سيحدث وهى لحظة مهمة ولكن.. متى؟ هذا هو السؤال الأهم.

لحظة الإفاقة ليس لها قاعدة ولا تتوقف على سن أو مستوى أو ثقافة ولكنها لحظة، وهو ما كشفه وأكده المطرب سعد الصغير الذى ظهر على الشاشة يعلنها على الملأ أكثر من مرة أنه يعيش هذه اللحظة وربما أصابه الدوار بسببها ولكنه لم ولن يهرب منها بل يتشبث بها ويرفض أن يغمض له جفن مجدداً.

فى ظهوره بحلقة خاصة من برنامج صبايا الخير مع ريهام سعيد كشف سعد الصغير أنه غير راضِ عن نفسه وحياته بل عن أمواله أيضاً ويريد التخلص من شبهاتها وهو ما سبب صدمة لمتابعيه ولكنه أكد عن رضاه التام عما يشعر به وزاد بأنه يطلب من أهل الدين من يساعده فى ذلك!

نعم فعلها سعد الصغير أمام الملايين بكل جرأة.. كشف عن أدق أخطاء حياته.. كشف عن ألم يؤرقه و هم  يطارده من شعوره بـ حرمة أمواله.. لتسأل نفسك من هول الدهشة هل هذا معقول؟ هل هناك منيمتلك هذه الجرأة؟ هل هناك من يمتلك هذا التصالح مع نفسه؟ لقد وصل به الحال أن يطالب بالتخلص من أمواله التى يرى فيها شبهة من عمله فى الملاهى الليليلة وسط الراقصات والخمور بل وعدم رضاه عن حجته بعد العودة من الحج إلى أخطائه!

أمام ذلك كشف أيضاً عن تكثيفه لأعمال الخير حتى يساعد ثوابها الذى سيكسبه فى محو ذنوبه السابقة ليعود ويعلن غضبه من نفسه فى تقصيره فى حق زوجته التى وقفت بجواره وتحملته منذ أن كان لا يملك من الدنيا إلا ترابها وشقاها بعد أن تزوج عليها سراً إحدى الراقصات لمدة 5 سنوات كاملة مبرراً ذلك بغفلته بعد النقلة الكبيرة فى حياته التى عاشها بعد تغيرها بالشهرة ليؤكد بإصرار أن زوجته لم تكن تستحق منه ذلك بل أنه يزيد من تقديرها مجهودها فى الحفاظ على تماسك الأسرة.

لم يحاول سعد الصغير أن يجمل صورته ولا أن يظهر بمظهر النجم صاحب الشعبية.. لم يتهرب من أخطائه بمبررات واهية وتحمل مسئولياتها كاملة ليعلن أنه يحافظ على اقترابه الشديد من النجم حمادة هلال أملاً فى أن تنتقل له النزعة الدينية الصافية التى يتمتع بها حمادة وتوجهه فى تصرفاته أو على الأقل يقتبسها ليصلح من نفسه!

لم يخجل سعد الصغير من تعرية نفسه أمام الملايين وجعل من نفسه فاترينة عرض لكل أخطائه دون أن يبحث عن ستر لها فدون أن يدرى قرر أن يؤدب النفس اللاهية فى تحقيق أطماعها من الدنيا.. ربما يراه البعض أنه فضح نفسه ولكنه فى الحقيقة أعطى درساً كبيراً وقاسياً للجميع.

رغم ثقافته البسيطة إلا أن سعد الصغير استطاع أن يفعل ما لا يقدر عليه أصحاب قامات ومراكز كبيرة.. امتلك الجرأة والشجاعة التى يفتقدها معظمنا.. من يملك أن يقف فقط أمام صديقه ويسرد كل مساوئه ومخاوفه بهذه العفوية؟ من يملك أن يواجه نفسه بـ "حرمانية أخطائه"؟ 

هل تستطيع أن تتوقف أمام أموالك وتفتش فيها عن الـ قرش الحرام وتبحث تطهيرها منه؟ هل تملك قوة فكرة التوقف تماماً عن عملك الذى تراه مصدراً لشقاء نفسى فى هذا الاتجاه؟

تقدر تبقى سعد الصغير؟!

الحقيقة فقد أثبت أنه ليس الصغير ولكنه الكبير الذى لم يخجل يوماً من أصله ونشأته ومرمطة ما قبل الشهرة وذنوبه وأخطائه كما أثبت أن مواجهة النفس وإصلاحها لا تنتظر مكانة مرموقة أو منصباً أو شهادات من أرقى الجامعات بل أن الصغار فعلاً هم من لا يملكون شجاعة المواجهة والقدرة على الاعتراف بأخطائهم وإصلاحها وتهذيب أنفسهم.

رغم تواضع نظرة المجتمع لشخص سعد الصغير وبعض ما يقدمه إلا أنه تحديداً فى حالته التى شاهدناها ربما يحتاج هذا المجتمع أن يستلهمها منه والتى لو امتلكها قد تتغير أمور كثيرة للأفضل وينهى أخطاءً جثيمة تحولت إلى كوارث مجتمعية باتت تأكل فى جسده.  

لا يهم توقيت وقفتك مع النفس.. فالأهم هو القرار حتى لو شعرت أنك قد تأخرت فيه............  

فـ "أن تأتى متأخر.. خير من أن لا تأتى أبداً".