أنا بنت ٢٣ يوليو بإرادتى
- الحب الأول
- الزعيم الشعبى
- جمال عبدالناصر
- سعد زغلول
- أحلام
- أسرة
- الحب الأول
- الزعيم الشعبى
- جمال عبدالناصر
- سعد زغلول
- أحلام
- أسرة
ولدت بعدها بستة شهور، وارتبطت بها وجدانياً، ثم أدركتها بعقلى، واتفقت واختلفت معها.. لكنى بقيت أرى فى عبدالناصر الزعيم الوحيد الذى انحاز للفقراء، ولم يكذب ولا امتدت يده لغير ما يستحق.. ظل رمزاً للعدل والكرامة، بقيت أحبه.. وأحس فيه بتراجيديا الأحلام المجهضة.. تماماً، كما الحب الأول عند البدايات الحُبلى بالآمال.
فى بيت وفدى وعائلة كل من فيها من رجالات الوفد، توقف بهم التاريخ عند سعد زغلول الذى كان أبى رحمه الله يرى فيه الزعيم الشعبى الأوحد.. باستثناء أخى، محمد، رحمه الله الذى كان يكبرنى بخمسة عشر عاماً والذى كان له فضل كبير فى إدخال القراءة إلى عالمى.. وإنفاذى لعوالم الرحابة، والذى منه أيضاً تسرب لى حب عبدالناصر قبل أن أعيه، قيمة ودوراً، كان عمرى ثلاث سنوات لما أمم ناصر القناة، وظلت حكاية أخى عن كيف وأين استقبل قرار تأميم القناة، وهو نائم على ظهره فى الفراندة الواسعة لدوار «الجندوة»، فى يوم من أيام إجازة الصيف التى تعودنا قضاءها فى قريتنا حسب ما يرى الوالد، قبل أن يحدث أو لا يحدث.. ينعم علينا بمصيف، وكيف التف حوله شباب الأسرة المناوئون لأهاليهم الوفديين وعلى الرأس منهم أبى، الذى كان لا يرى فى ضباط الثورة إلا «شوية جهلة»، كيف راح والشباب يرقصون، ويهتفون وكان أخى يدخل فى صدامات وليس نقاشات، مع أبى وأعمامى.. وكبرت أنا على هذا المنوال، أحبه، وأختلف عنه مع أبى.. ولا يغضب منى أبى، لأنه فعلاً كان يؤمن بسعد زعيماً شعبياً، وكنت أنا أحب ناصر، مصرياً قومياً، ينحاز إلى الفقراء.. ولم تكن هذه مسألة سلسة ولا مقبولة، لا فى محيط تعليمى ولا أغلب من عرفت، لكن جمال عبدالناصر تجاوز فى قرارة نفسى، كل ما مررت به ومرت به مصر، وظل بالنسبة إلى رمزاً للعدل، حتى فى أوقات الذروة الرافضة لأفكاره منذ زمن السادات وانت طالع، كان عبدالناصر أشبه بـ«حلم».. حلم ومرق.. وأنه كان أنقى من أن يستمر وأنه كان «كتير» و«كبير»، كل ما فيه كان كبيراً.. إنجازه، خطؤه، إحساسه بالكرامة، وصدقه، انحيازه للناس، عقله وقلبه، حلمه ووجعه كان زمناً كل ما فيه كبيراً: الفرح والحزن.. بعدت المسافة، ورحل هو ورحنا نحن، رحنا فى تيه.. لكن الناس ما زالت تستحضره.. كلما تاقوا للعدل، كلما تهمشوا من قوى لا تشبع، تذكرهم بتلك التى كان عبدالناصر يحاول أن يستخلصهم من أنيابها أو ينتزع منها بعضاً من حقهم.. نعيش فى حقبة يقظة «كابوسية».. بلا أجنحة ولا فضاء نحلق فيه.. سوريا التى حمل أهلوها ناصر على الأعناق، صار هؤلاء الأهل لاجئين.. وأن العراق راحت.. والسودان تم تقسيمها.. واليمن فى الطريق وليبيا، انكمشت الأحلام وزال فضاؤنا الذى كان يمكن أن نبرح فيه ونحلق، هل تشبه الحكاية، «حكايا الحب الأول»!