عدد خاص| انتهاء عصر الوظيفة الدائمة

كتب: محمد البرغوثى

عدد خاص| انتهاء عصر الوظيفة الدائمة

عدد خاص| انتهاء عصر الوظيفة الدائمة

قبل عام واحد تقريباً، كان الخوف من فقدان الوظيفة قاصراً فى مصر على العاملين فى القطاع الخاص، وبعد إقرار قانون الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 2016، فقد أكثر من 5٫5 مليون موظف وعامل فى القطاع الحكومى الإحساس التاريخى بالأمان الوظيفى والاستقرار الاجتماعى والاقتصادى، اللذين ظلّا هما السمة الراسخة والسائدة لدى ملايين الأسر طوال 6 عقود كاملة.

ومع فقدان الإحساس بالأمان الوظيفى، وتراكُم مخاوف فقدان العمل فجأة، وانهيار دخل الأسرة فى لحظة واحدة، انضمت الأمراض النفسية والجسمانية الخطيرة الناشئة عن الغدر فى بيئة العمل، إلى جدول أمراض العمل.. وكان المعهد الألمانى لأبحاث الاقتصاد هو أول مؤسسة بحثية عالمية توثق هذه الحالة فى دول الاتحاد الأوروبى عام 2010، بعد أن لاحظ الباحثون زيادة إقبال الموظفين فى الشركات الخاصة العملاقة على العيادات والمستشفيات النفسية.. وآنذاك انتهت دراسة رائدة لهذا المعهد إلى أن الخوف من فقدان الوظيفة يحرم الإنسان من الشعور بالراحة النفسية والجسدية، ويؤدى إلى مزيد من الاضطرابات الأسرية والمجتمعية.. كما انتهت الدراسة التى شملت 20 ألف موظف إلى مفارقة مدهشة، هى أن أمراض الخوف من فقدان الوظيفة تنتهى تماماً فور فقدان الإنسان لعمله.

{long_qoute_1}

بعد عام 2010 راحت الاضطرابات النفسية والجسدية الناشئة عن هذا «الخوف» تنتقل إلى دول العالم الثالث، ومن بينها مصر التى سبق وجدانها الشعبى علماء ألمانيا فى ابتداع المثل الشعبى «وقوع البلاء ولا انتظاره».. ومع خضوع «العمل والتوظيف» فى مصر لآليات السوق انطلق ماراثون التدريب الدائم لاكتساب مهارات جديدة وتطوير القدرات الذاتية بصفة دورية حتى لا يفقد الموظف عمله، وأصبحت أمراض الخوف من فقدان الاستقرار الاقتصادى هى القاسم المشترك الأعظم بين كل العاملين فى القطاع الخاص والقطاع الحكومى.. سواء كانوا موظفين دائمين أو مؤقتين. قبل أكثر من 40 عاماً أطلق عالم الاجتماع الأمريكى الشهير «ألفين توفلر» على الموظفين فى القطاع الخاص مصطلح «البدو الجدد» الذين يرتحلون العمر كله خلف وظائف مؤقتة وغير مستقرة، تقتضى منهم تغيير محل السكن ومدارس أبنائهم كل عامين أو ثلاثة، وهو ما يؤدى دائماً إلى تمزيق أواصر الجيرة والارتباط بمكان محدد، واختفاء الأصدقاء الدائمين، وكانت النتيجة أننا صحونا على مجتمعات تعيش غربة عميقة، ويفتقر الإنسان فيها إلى إحساس المواطنة، بسبب عدم الاستقرار الوظيفى.

وفى هذا الملف الشامل الذى أعدته «الوطن» عن حالة التوظيف فى مصر، وبيئة العمل وأمراضها، سيكتشف القارئ أن الوظيفة فى مصر سواء كانت فى القطاع الحكومى أو القطاع الخاص لم تعد هِبة دائمة للموظف أو العامل، وأن الاستقرار فيها مرهون باختبارات دورية تقيس كفاءة العامل ومعدلات انتاجه وتطويره لقدراته ومدى استفادة مكان العمل منه، وهو الأمر الذى أنتج علاقات عمل جديدة وأمراض نفسية خطيرة نشأت عن ضغوط ينبغى أن نستعد لها فوراً لنخفف من وقعها على الموظفين وأسرهم.


مواضيع متعلقة