طموح مصر إلى الصناعات الثقيلة بدأ بـ«النصر للسيارات»

كتب: محمود الجمل

طموح مصر إلى الصناعات الثقيلة بدأ بـ«النصر للسيارات»

طموح مصر إلى الصناعات الثقيلة بدأ بـ«النصر للسيارات»

التنمية الصناعية الشاملة المتكاملة لشبكة من الصناعات الثقيلة والخفيفة فى آن واحد لقطاعات مثل الحديد والصلب والغزل والنسيج والألومنيوم والسيارات والأدوية، كانت أهم الأعمدة الرئيسية التى بُنيت عليها الاستراتيجية الصناعية فى الحقبة الناصرية لتنقل الدولة المصرية من دولة زراعية بحتة، كما أرادتها قوى الاستعمار، إلى دولة صناعية متقدمة تكنولوجياً، كما أرادها «عبدالناصر».

تأسيس شركة مصرية لإنتاج السيارات لم يكن فكرة منفصلة عن حلم التنمية الصناعية الشاملة الذى كان يراود الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، وهذا ما قاله «ناصر» نصاً فى زيارته لشركة النصر للسيارات بعد الافتتاح فى 21 يوليو 1961، بحضور تنكو عبدالرحمن، رئيس حكومة المالايو: (زيارة شركة النصر لصناعة السيارات نشعر فيها بالتطور والتقدم فى حياتنا كلها، كانوا بيقولوا علينا زمان بنستورد إبرة الخياطة، كانوا بيقولوا علينا إن إحنا بلد زراعى، وشفنا فى السنين اللى فاتت فى وقت الاحتلال، وفى أيام الاستعمار البريطانى، إزاى استمرينا كدولة متأخرة والنهارده السلطة فى يد الشعب العامل، السلطة فى يد تحالف قوى الشعب العامل، إذاً كل شىء لازم يكون من أجل الشعب العامل).

{long_qoute_1}

بدأت مراحل تأسيس شركة النصر لصناعة السيارات بصدور قرار وزارى عام 1957 بتشكيل لجنة تضم وزارتى الحربية والصناعة، لإنشاء صناعة سيارات اللورى والأوتوبيسات فى مصر، وتم دعوة شركات عالمية لإتمام هذا الأمر، وأسند هذا المشروع إلى شركة «كلوكنر-همبولدت-دوتيز» الألمانية الغربية «قبل الاتحاد» والمعروفة حالياً باسم «دويتز إيه جى» «Deutz AG»، وتم التوقيع على ذلك عام 1959، ثم صدر القرار الجمهورى رقم 913 فى 23 مايو 1960 بتأميم شركة النصر لصناعة السيارات، لتصبح ملكاً للحكومة المصرية.

بعد التأسيس انطلقت «النصر للسيارات» لتصبح فى هذه الفترة من الشركات القليلة بالشرق الأوسط فى إنتاج اللورى والأوتوبيسات والجرارات الزراعية وسيارات الركوب، وتطور إنتاج الشركة تطوراً كبيراً بفضل العمالة الماهرة والمدربة عن طريق أكبر مراكز التدريب الألمانية، وتحول الحلم إلى حقيقة لتتحول إلى مشروع قومى بنهضة صناعية كبرى تقوم على التبادل التجارى والصناعى والاستغلال الأمثل للموارد البشرية والأيدى العاملة، استغلالاً لكل الطاقات وتدريبها لخدمة الوطن، وبدأت الشركة بـ290 عاملاً حتى وصلت لأكثر من 12 ألف عامل من العمالة الفنية المدربة، بالإضافة إلى العمالة فى مصانع الصناعات المغذية للشركة.

{long_qoute_2}

ونجحت «النصر» فى إنتاج سيارة مصرية الصنع «رمسيس» بأسعار منخفضة مقارنة مع نظيرتها المستوردة من الخارج، واستمرت فى إنتاجها من عام 1960، حتى توقف إنتاجها تماماً بحلول عام 1972 والتى تعتبر بمثابة نموذج معدل من السيارة الألمانية «برينز 4»، والتى كانت تنتجها شركة «NSU» الألمانية الغربية فى ذلك الوقت، وتم الاعتماد على محرك من إنتاج الشركة الألمانية ضمن مكونات السيارة «رمسيس».

لاقت السيارة «رمسيس» محلية الصنع منذ طرحها فى الأسواق، ترحيباً وإقبالاً من المواطنين، تشجيعاً منهم للمنتج الوطنى، بجانب سعرها المنخفض الذى كان يعتبر سعراً أقل من السيارات الأخرى، واستطاعت الشركة إنتاج 8 سيارات من موديل «رمسيس» يومياً، ونجحت فى تجميع سيارات «فيات» الإيطالية فى مصانعها وشهدت إقبالاً من المصريين لانخفاض ثمنها، بالإضافة إلى قطع غيارها المتوافرة لدى الشركة

ومن أهم منتجات السيارات التى أنتجتها «النصر» السيارة 128 (فيات)، والسيارة نصر شاهين، وهى موديل معدل فى شركة توفاش، والسيارة فيات 131، و«فلوريدا» بالتعاون مع شركة يوجو الصربية، وهى نموذج معدل من سيارة فيات 128، وما زال إنتاج شركة «النصر» للسيارات يمد السوق المحلية فى نوعية الأوتوبيسات والجرارات، بل وتعتمد القوات المسلحة والشرطة المصرية على منتجات لوريات الـ«8 طن» التى تنتجها شركة النصر للسيارات حتى الآن.

بدأت الشركة العريقة فى التراجع مع مطلع التسعينات مع تشجيع الحكومة المصرية القطاع الخاص على ضخ الاستثمارات فى كافة القطاعات والتوسع فى إنشاء مصانع خاصة لإنتاج وتجميع السيارات، ومع دخول عدة شركات عالمية لإنشاء مصانع لها فى مصر وتقديم عدة موديلات حديثة تلبى احتياجات المستهلك مقارنة بما كانت تقدمه «النصر» من موديلات أوقف إنتاجها فى مصانع فيات منذ سنوات، خاصة مع ظهور ماركات أخرى مثل سوزوكى وهيونداى وبيجو، وفى نفس الوقت لا تزال الشركة تحافظ على تصنيع وتجميع اللوريات والأوتوبيسات التى تعتمد عليها القوات المسلحة فى نقل الجنود.

بعد ثورة 25 يناير 2011 بدأ التفكير مجدداً فى عودة الشركة لمجدها، وأقر مجلس الشورى عودة الشركة للعمل فى مارس 2013 تحت إشراف وزارة الإنتاج الحربى والتى وافقت على إعادة المصنع للعمل تحت إشرافها فى شهر أبريل 2013.

{long_qoute_3}

وفى مفاجأة غير متوقعة قررت الجمعية العامة غير العادية لشركة «النصر لصناعة السيارات» برئاسة المهندس سيد عبدالوهاب، رئيس الشركة القابضة للصناعات المعدنية، فى سبتمبر الماضى، وقف تصفية شركة النصر التى بدأت إجراءات تصفيتها منذ عام 2009.

من جانبه، كشف خالد الفقى، عضو مجلس إدارة الشركة القابضة للصناعات المعدنية، إحدى شركات قطاع الأعمال العام، أن عام 2018 سيشهد حلم استعادة شركة «النصر للسيارات» التابعة للشركة لسابق عهدها فى الحقبة الناصرية.

وأوضح «الفقى» لـ«الوطن» أن الشركة القابضة للصناعات المعدنية وقعت عقد شراكة مع إحدى الشركات الصينية المتخصصة فى صناعة السيارات نهاية العام الماضى، مضيفاً أن العقد الموقع مع الشركة الصينية سيتم تنفيذه على عدة مراحل؛ تبدأ أولى مراحله بإنشاء خط إنتاج جديد، حيث إن الشكل النهائى للاتفاق يقضى بتحويل أراضى شركة النصر للسيارات إلى مجمع ضخم لصناعة السيارات والصناعات المغذية لها ومراكز خدمة باستغلال الإمكانيات والكوادر الفنية والخبرات المكتسبة منذ تأسيس الشركة فى الخمسينات على مساحة الأراضى المملوكة للشركة التى تصل إلى 114 فداناً مقامة عليها محطة لتوليد الكهرباء ومحطة لتنقية مياه الشرب ومحطة للصرف الصحى، إلى جانب المصانع، ووجود خط تجميع سيارات كامل بطاقة إنتاجية 15000 سيارة سنوياً فى الوردية الواحدة، طبقاً لسابقة الإنتاج بالشركة، وخامات ومستلزمات إنتاج (محاور وجيربوكس وعمود كردان للنقل المتوسط) بمخازن الإنتاج وهى بمثابة ثروة تؤهل الشركة للعمل لفترة طويلة بشكل اقتصادى.

وحول إنتاج سيارة مصرية رفض «الفقى» الإفصاح عن تفاصيل، قائلاً: «لا يمكننى الإفصاح عن تفاصيل ذلك، ولكن ما يمكن تأكيده أن الحلم قد اقترب من التحقيق».


مواضيع متعلقة