«محمد».. علاج «المخ والأعصاب» فوق طاقة أسرته

كتب: سمر عبدالرحمن

«محمد».. علاج «المخ والأعصاب» فوق طاقة أسرته

«محمد».. علاج «المخ والأعصاب» فوق طاقة أسرته

انتظرت والدته قدومه بعد 6 سنوات من ولادتها لشقيقه الأكبر منه، وتمنى الأب والأم أن يعيش طفلهما طفولة طبيعية مثل باقى الأطفال، ولكنهما لم يتوقعا أنه سيكون طفلاً أبكم «فاقداً للنطق».

وكانت إعاقة نجلهما بمثابة إعاقة فى مواجهة الحياة نفسها، فقررا ألا يستسلما وأن يقوما بعلاجه رغم ضيق ذات اليد، غير أنهما فشلا فى ذلك على مدار عامين كاملين، بعدما استنزفت جلسات العلاج الطبيعى كل ما تملكه الأسرة.

«كنت أحلم بطفل يكبر ويملأ حياتى بهجة وفرحة لكن سرعان ما تحولت فرحتى إلى سراب عندما بلغ عامه الثانى ولم ينطق حرفاً، ولاحظت أنه كلما ناديت عليه لا ينتبه لى رغم مشاهدته الجيدة للتليفزيون، فذهبت به للأطباء الذين أكدوا لى أنه يعانى من نقص الفيتامينات ويحتاج إلى جلسات تخاطب وتأهيل، بالإضافة إلى عملية جراحية فى المخ خلال سنواته الـ5 الأولى لإزالة الالتهابات منه، ومن هنا بدأت رحلة العذاب ما بين المستشفيات الحكومية والأطباء بعياداتهم الخاصة أملاً فى إيجاد علاج له رغم ظروفنا الصعبة لكن لا إجابة».. هكذا تحدثت والدة الطفل محمد عبدالهادى، البالغ من العمر 4 أعوام، والمقيم بقرية «السحايت»، التابعة لمركز الحامول فى محافظة كفر الشيخ، عن معاناتها مع طفلها.

{long_qoute_1}

وأضافت الأم لـ«الوطن»: «لدى 4 أولاد أكبرهم فى مرحلة التعليم الثانوى وأصغرهم محمد الذى يُعانى من عدم النطق، وزوجى يعمل فلاحاً وينفق علينا وعلى والدته التى تعيش معنا فى منزل غير آدمى، ورغم ظروفنا المادية الصعبة، لم أستسلم أو أقصر فى علاج ابنى، نفسى أسمع منه كلمة ماما، بتعب لما بيجرى ويلعب قدامى بدون كلام، والناس بتقعد تقولى لازم تعالجيه، لكن ما باليد حيلة، صرفنا كل ما نملك على جلسات العلاج من غير فايدة».

وبصوت ممزوج بالحزن، تابعت والدة الطفل: «عشنا سنتين بنتنقل بين المستشفيات والدكاترة وكنا بنستلف من الجيران علشان المواصلات والعلاج والفحوصات والتحاليل، وعرضنا التقارير على أطباء كتير أملاً فى إيجاد حل، وآخر طبيب قالنا لو عمل عملية جراحية فى المخ قبل الـ3 سنين ممكن يتكلم، بس العملية دى هتتكلف فلوس كتير، سمعنا الكلام ده وبطلنا جلسات علاج، بعدما يأسنا». وتجلس الأم على كرسى بلاستيكى، وتحمل ابنها بين يديها، تداعبه وتلاعبه وتتكلم معه لكنه لا يفهم ما تقوله، فيما تحاول الجدة أمارة عبدالقادر التى يتخطى عمرها الـ80 عاماً، والتى رسمت الحياة أخاديد قسوتها على وجهها، ألا تشعر الطفل بأنه ينقصه شىء، وأنه مثل بقية الأطفال فى القرية الصغيرة.

وبصوت مبحوح قالت الجدة: «نفسى ابنى يخف ويتكلم علشان أبوه الغلبان ده مايحترش بيه أكتر من كدة، فيه أمل فى شفائه لكن بعملية جراحية، وإحنا مش طالبين غير علاجه على نفقة الدولة وتشخيص صحيح لحالته، الطفل بيصعب عليا، إخواته كلهم كويسين وهو بس اللى كده، ومش عارفة هنوديه المدرسة إزاى، مفيش مدرسة عادية هتقبله، والمدارس الخاصة بالإعاقات مش موجودة فى مركزنا، وصعب نوديه كفر الشيخ».

ولم يختلف حال أسرة الصبى السيد رضا السنوسى، البالغ من العمر 15 عاماً، والمقيم بقرية «العزبة السمراء»، التابعة لنفس المركز، كثيراً عن أسرة الطفل محمد، فكلاهما يعانى من نفس الإعاقة ونفس الظروف الاقتصادية الصعبة، لكن الاختلاف أن أسرة «السيد» لم تستطع عرض طفلها على الأطباء بسبب فقرها، فقررت العائلة تركه دون علاج.

وفى ركن بمنزله البسيط المكون من حجرتين وصالة وعلى «دكة» خشبية تُشبه «التختة» المدرسية يجلس الصبى مُرتدياً ملابس مهلهلة تنم عن حالة مادية بائسة، لكن الابتسامة لا تفارقه، يحدق بعينيه فى كل من حوله مستغرباً وجود أشخاص لم يعتد على وجودهم بجواره، ويشير إلى والدته وينطق بكلمات غير مرتبة محاولاً فهم ما يدور من حوله، بعدما أخرجته أسرته من المدرسة، ثم ينهض من مكانه محاولاً إيجاد ورقة وقلم وكتابة أى شىء تعويضاً عما فقده فى المدرسة منذ سنوات.

وقالت روحية محمد، والدة الصبى: «السيد عنده 15 سنة، وكان بيتكلم كويس، لكن فجأة وهو عنده 8 سنين بدأ يتهته فى الكلام ومعدناش بنفهم كلامه، وكان وقتها فى سنة تانية ابتدائى والمدرسة اشتكت من عدم فهمه واستجابته، لا المدرسة فهمته ولا هو فهمها عشان كدة خرجناه، ومعرفناش نعالجه لسببين، الأول ظروفنا المادية الصعبة، والتانى خوفنا من تأثير علاج المخ والأعصاب عليه».

وأضافت الأم: «فيه أطفال كتير فى بلدنا كده والفقر هو اللى بيمنعنا نعالج ولادنا، الإيد قصيرة والعين بصيرة، وفيه دكتور مرة شافه وقال لنا لازم يتعالج مخ وأعصاب بس العلاج غالى، فأنا نفسى يتعالج بعد سنين كتير من إهمالنا غصب عننا، ولو فيه فرصة لعلاجه يا ريت بس تراعوا ظروفنا، أمنيتى يتعالج عشان يقدر يعيش حياة طبيعية، إخواته الاتنين بيشتغلوا باليومية عشان يوفروا مصاريفنا، وأتمنى يبقى فيه قوافل علاجية تبع وزارة الصحة لأطفال القرية ومنهم ابنى».


مواضيع متعلقة