مدير «العربى للمياه»: «سد النهضة» أصبح واقعاً يجب التعايش معه.. و90% من مياه «الرى بالغمر» تذهب هباء

كتب: حاورته فى الأردن: نادية الدكرورى

مدير «العربى للمياه»: «سد النهضة» أصبح واقعاً يجب التعايش معه.. و90% من مياه «الرى بالغمر» تذهب هباء

مدير «العربى للمياه»: «سد النهضة» أصبح واقعاً يجب التعايش معه.. و90% من مياه «الرى بالغمر» تذهب هباء

كشف الدكتور علاء الصادق، أستاذ تخطيط وإدارة الموارد المائية بجامعة الخليج العربى، مدير «المركز العربى للمياه» بمملكة البحرين، فى حوار لـ«الوطن»، عن تفاصيل إنشاء أول شركة على مستوى الوطن العربى تعمل فى مجال المياه والطاقة والغذاء فى مصر لخدمة المشاريع القومية وعلى رأسها مشروع الـ1.5 مليون فدان، من خلال تجميع وتصنيع الخلايا الشمسية وأغشية التحلية وشبكات الرى المستخدمة فى الزراعة لتحقيق الأمن المائى والأمن الغذائى فى البلاد، عبر سد الفجوة الغذائية.. وإلى نص الحوار:

{long_qoute_1}

بداية.. ما تفاصيل تأسيس الشركة المصرية للمياه والطاقة؟

- تأسست الشركة فى أغسطس الماضى، وهى أول شركة متخصصة تعمل فى هذه المجالات فى مصر والعالم العربى لخدمة المشاريع القومية وعلى رأسها مشروع المليون و500 ألف فدان، من خلال تجميع وتصنيع الخلايا الشمسية وأغشية التحلية وشبكات الرى المستخدمة فى الزراعة لتحقيق الأمن المائى والأمن الغذائى فى مصر، وتحقيق التنمية المستدامة من خلال مشروع متكامل للمياه والطاقة والغذاء. وتهدف الشركة لاستخدام الطاقة المتجددة، وتحديداً الشمسية، فى تحلية المياه المالحة لاستخدامها فى الرى، مع تقليل استنزاف المياه الجوفية، ما يساعد على استدامتها والمحافظة على حق الأجيال المقبلة فى هذا المورد الطبيعى، وخلق مجتمعات عمرانية جديدة ورفع مستوى دخل الفرد فيها.{left_qoute_1}

هل هناك جهات مصرية تتعاون معكم؟

- نعم، أبدت شركة «الريف المصرى الجديد» استعدادها للتعاون وتوفير مناطق تجريبية بمساحات كبيرة لتطبيق تقنية الرى المبتكرة التى تعتمد على الطاقة الشمسية وتحلية المياه واستخدامها فى الزراعة، وتوفر 40% من مياه الرى. كما أن وزارة الإنتاج الحربى أكدت استعدادها للتعاون فى إنتاج الخلايا الشمسية والأغشية المستخدمة فى تحلية المياه المالحة، ووفرت وزارة التعليم العالى والبحث العلمى التمويل اللازم لإنشاء الشركة، التى جاءت نتيجة لإنشاء مركز المياه والطاقة والغذاء فى مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا، أى تطبيقاً واقعياً لأبحاث علمية فى هذا المجال. وفى الحقيقة، مصر لديها الكثير من المهنيين الذين يتمتعون بالكفاءات فى مجالات المياه والطاقة والزراعة، بالإضافة إلى الكثير من أدوات دعم القرار لتأمين التوجه فى السياسات القائمة على العلم، ولكل من هذه الأدوات متطلبات وتطبيقات مختلفة تعتمد على الظروف المحلية.

ويدعم هذه التوجه وقوع مصر على البحرين المتوسط والأحمر كمصدر لمياه البحر اللازمة لإنتاج المياه المحلاة، إضافة إلى تمتع مصر بكل من الشمس الساطعة والرمال الكثيرة والمتنوعة فى صحاريها كمكون أساسى فى إنتاج الخلايا الشمسية كمصدر لإنتاج الكهرباء باستخدام الطاقة الشمسية، وهى الطاقة النظيفة والآمنة عند مقارنتها بالطاقة الكهربية الناتجة من كل من الوقود الأحفورى والنووى، والتى تُعتبر مكوناً رئيسياً من مكونات التكاليف اللازمة لإنتاج المياه المحلاة، خاصة مع توافر الأيدى العاملة الرخيصة كأحد عناصر الإنتاج الهامة فى محطات التحلية، إضافة إلى احتمال تناقص نصيب مصر من مياه نهر النيل لأى سبب كان، ما يؤكد ضرورة اهتمام الدولة بتحلية مياه البحر واعتبارها فى قائمة المشاريع القومية. وتتشابه تكاليف تحلية المياه بغرض الشرب مع مثيلتها بغرض الزراعة باستثناء بعض العناصر التى لا يوجد حاجة لها كعنصر من عناصر التكاليف فى حالة التحلية لغرض الزراعة. وقد تبين أن الطاقة تمثل العنصر الأكثر تأثيراً، سواء فى مصر أو فى العالم، حيث مثلت نحو 26.96٪، 24.29% من إجمالى التكاليف الإنتاجية على الترتيب. وبالنسبة لتكلفة تحلية المياه لغرض الزراعة فقد تم خصم مصروفات البيع والتوزيع وفوائد القروض من إجمالى تكاليف التحلية فى كل من مصر والعالم لتبلغ تكلفة التحلية لغرض الزراعة فى كل منهما نحو 74.14٪، 96.5% من إجمالى تكاليف التحلية على الترتيب. ونحن مقبلون على مراحل قد تكون أصعب من الوقت الحالى بسبب تزايد الاحتياجات المائية ‏وثبات مواردنا من المياه، فالاحتياجات المائية لسكان مصر حالياً تصل إلى 110 مليارات ‏متر مكعب، يتم توفير 30 مليار متر منها تحت بند ما يسمى «المياه الافتراضية» التى تأتى فى صورة ‏حاصلات زراعية. والموارد المائية 60 مليار متر مكعب، عبارة عن 55.5 مليار متر مكعب حصة مصر ‏المائية من مياه النيل و2.5 مليار متر مكعب مياه جوفية عميقة، و1.3 حصاد أمطار، و0.7 تحلية مياه ‏البحر، إذاً هناك عجز 20 مليار متر معكب يتم تغطيته من خلال إعادة استخدام مياه الصرف الزراعى ‏بـ13 مليار متر مكعب و6.5 مليار متر مكعب مياه جوفية فى الوادى والدلتا. وفى الحقيقة، فإن ‏الاحتياجات المائية تتزايد كل عام، لدرجة أنه مطلوب من وزارة الرى 2.5 مليار متر مكعب زيادة فى ‏مياه الشرب حتى 2020. وهنا يجب أن تلعب تحلية المياه دوراً أساسياً لأنها جزء من ‏الميزان المائى لمصر للتغلب على العجز فى الموارد المائية.‏ وفى حالة تحلية المياه الجوفية، حيث إن نسبة الملوحة فيها أقل، فإن التكلفة ستكون أقل، وهناك مناطق ‏واعدة كثيرة توجد فيها هذه النوعية من المياه الجوفية، على طول السواحل الشمالية وفى الصحراء ‏الغربية، ويمكن الاعتماد عليها فى احتياجات الصناعة بعد تحليتها، فى المستقبل. وهناك تقنيات لو تم ‏تصنيعها فى مصر ستكون الكلفة أقل بخامات محلية، وتوجد أبحاث متقدمة فى تصنيع الفلاتر ‏المستخدمة فى التحلية بخامات محلية، وفى هذه الحالة يمكن خفض التكلفة كثيراً. ‏

{long_qoute_2}

كيف ترى خطوات الدولة فيما يتعلق بتنفيذ مشروعات التحلية؟

- يجرى حالياً إنشاء أكبر محطة تحلية مياه فى مدينة الغردقة بسعة إنتاجية تصل إلى ٨٠ ألف متر مكعب فى اليوم لمساندة الوارد من المياه إلى المدينة، وهو ٥٠ ألف متر مكعب بتكلفة مالية ٧٥٠ مليون جنيه، وهذا المشروع سيؤدى إلى عدم الاحتياج لمياه النيل التى تهدر بكميات كبيرة أثناء نقلها من منطقة الزعفرانة التى تبعد ٤٠٠ كيلومتر عن الغردقة، وكخطوة تنتهجها الدولة فى الاستعانة بمحطات تحلية المياه تنفذ طبقاً للمواصفات العالمية فى المدن الساحلية، فالمشروع ليس فى مدينة الغردقة، بل يجرى تنفيذه فى العديد من مدن محافظة البحر الأحمر، وتنتج المرحلة الأولى للمشروع 40 ألف متر مكعب فى اليوم، وسيتم الانتهاء منه فى نهاية هذا العام، يضاف إليها 50 ألف متر مياه من خط الكريمات لتصبح كمية المياه المتوافرة 90 ألف متر، وبنهاية المرحلة الثانية فى منتصف العام المقبل سيصبح إجمالى السعة الإنتاجية ١٣٠ ألف متر مكعب.

والتوسع فى محطات التحلية لا يقتصر على الغردقة فقط، بل هناك توسعات فى محطة مياه القصير وسفاجا لتصل الطاقة الإنتاجية للمياه بهما 10 آلاف متر مكعب لليوم بجانب محطة تحلية بسفاجا تصل طاقتها إلى 3 آلاف متر مكعب فى اليوم. أيضاً محطة 3 آلاف متر مكعب لليوم فى «الشلاتين وحلايب ومرسى علم». وفى حالة المناطق البعيدة عن نهر النيل، لا شىء يمنع تحلية مياه البحر، بل على العكس هى من الضرورات لأن نقل مياه النيل إليها يكاد يكون مستحيلاً. لذا فإن تحلية المياه فى مثل هذه المناطق تكون أفضل لأن تكلفة إنشاء الخطوط من النيل أصبحت عالية جداً، بالإضافة إلى أن محطات الرفع التى تقوم بضخ المياه فى الشبكات تتكلف ملايين الجنيهات، فى حين أن تكلفة إنشاء محطات لتحلية مياه البحر ستكون منخفضة عن إنشاء خطوط نقل المياه بنسبة تتراوح ما بين 40 و50%. عامل انخفاض التكلفة يشجع على إنشاء محطات تحلية المياه وتظل تكلفة تحلية المتر المكعب من المياه لا تُقارن بتكلفة تنقية ونقل مياه النيل، وبذلك يمكن أن تساهم التحلية فى التنمية المستدامة إذا تم التعامل الجيد مع المياه الراجعة من عملية التحلية والأخذ فى الاعتبار الجوانب البيئية والاجتماعية والاقتصادية للتحلية.

كيف ترى قرار وزارة الإسكان بالاعتماد على تحلية المياه فى العاصمة الإدارية الجديدة؟

- فى الحقيقة، وبعد دراسة فنية متأنية، قررت وزارة الإسكان الاعتماد على تحلية مياه البحر فى العاصمة ‏الإدارية الجديدة، وخلص عدد من الدراسات العلمية إلى أن المسافة بين مشروع العاصمة ‏الإدارية ونهر النيل هى نفس المسافة بين المشروع والبحر الأحمر، والتى تقدّر بنحو 60 كيلومتراً، إذاً ‏فتكلفة توصيل المواسير وخطوط المياه متقاربة، لذا فقد تم الاستقرار على تحلية مياه البحر. ولا داعى للقلق من جودة المياه الناتجة عن تحلية مياه البحر، فجودتها ستكون أفضل من المياه العذبة، ‏وحالياً يتم إنشاء محطة تحلية على خليج السويس بطاقة إنتاجية تقدَّر بـ500 ألف متر مكعب كمرحلة ‏أولى لخدمة العاصمة الإدارية الجديدة.

هل احتياجنا لتحلية المياه يزداد فى ظل التخوفات من مشروع «سد النهضة» الإثيوبى؟

- بغض النظر عن إنشاء «سد النهضة» فإن مصر دخلت مرحلة الفقر المائى، ومع ‏التزايد المطرد فى عدد السكان، وثبات موارد البلاد التقليدية من مياه الشرب، فمن المتوقع أن يكون هناك ‏نقص فى نصيب الفرد من المياه، وبالتالى لم يعد هناك مجال غير المضىّ قُدماً، وبسرعة كبيرة، فى ‏مجال تحلية مياه البحر، وأن يكون ذلك خياراً استراتيجياً، وأمناً قومياً فى هذه المرحلة. ويجب التعامل مع «سد النهضة» على أنه واقع لا بد من التعايش معه.

{long_qoute_3}

ما تقييمك لاستخدام المياه فى الزراعة المصرية؟

- تستهلك الزراعة فى مصر ما يقرب من 85% من إجمالى استهلاك البلاد من المياه، لذلك فهناك حاجة ماسة إلى ترشيد المياه المستخدمة فى عملية الزراعة. ويمكن تحقيق ترشيد استخدام المياه فى الزراعة من خلال اتباع نظام رى حديث مثل الرى السطحى المطور، أو تقنية الرى بالتنقيط، أو بالرش. ولنا أن نتصور كمية الماء المفقودة نتيجة اتباع طرق الرى التقليدية، فعند رىّ النبات بالغمر لا يستفيد النبات إلا بـ10% فقط من كمية المياه المستخدمة، أما الكمية المتبقية 90% فهى تُفقد من خلال التصرف فى طبقات الأرض، أو البخر من سطح التربة.

تردد الحديث عن تراجع حصة الفرد فى مصر من المياه مقارنة بنظيراتها من الدول.. ما تعليقك؟

- فى الواقع، بعد التعداد السكانى الأخير الذى وصلنا إليه فى مصر وهو 104 ملايين نسمة، فإن حصة الفرد من المياه فى مصر تقترب بشدة من حد الفقر المائى المدقع لتصل إلى 528.8 متر مكعب فى السنة. ويمثل المعدل 1700 متر مكعب للفرد سنوياً من المياه المتجددة الحد الفاصل بين الندرة والوفرة المائية للدول، حيث يبدأ تصنيف الدول على أنها «مجهَدة مائياً» إذا قلت حصة الفرد السنوية فيها عن هذا المعدل و المياه المتاحة لمصر تكفى لزراعة 3.7% فقط من الأراضى وتحلية المياه خيار استراتيجى.. و«الريف المصرى» تتعاون معنا لتجريب تقنية الرى المبتكرة.

 

محررة «الوطن» تحاور الدكتور علاء الصادق


مواضيع متعلقة