البشير.. وأوراق الضغط الإقليمية!!

فى حوار متلفز للرئيس السودانى عمر البشير تمت إذاعته منذ بضعة أسابيع... أعلن صراحة أنه يتحدى دعاة العصيان المدنى فى بلاده من المعارضين أن ينزلوا إلى الشارع.. ملوحاً بأنه سيتعامل معهم كما تعامل مع المتظاهرين قبل أربع سنوات حين أطلق عليهم الرصاص الحى فأردى أكثر من مائتى قتيل ومئات المصابين!!

الأمر ليس جديداً على ذلك الرجل.. فقد حفل تاريخه بالدماء منذ أن اعتلى سدة الحكم فى تلك الدولة الشقيقة المنكوبة.. فلم تنس تقارير الأمم المتحدة أن تسجل له قتل أكثر من مائتى ألف سودانى أثناء حرب دارفور.. بل إنه يعتبر الرئيس الوحيد فى العالم الذى صدرت ضده أحكام بالملاحقة القضائية فى جرائم حرب من المحكمة الدولية.. بينما يتجول هو بحرية بين الدول الأفريقية والعربية فى تحد صارخ للمجتمع الدولى كله!!

والحقيقة أن تصرفات البشير وسلوكياته نحو الدولة المصرية لا يمكن عزلها عن تاريخه وتوجهاته التى يلتحف فيها بالحكم الإسلامى بأى حال من الأحوال.. فالرجل يسعى بقوة نحو كل ما يمكنه فعله ليمكن لنفسه اكتساب حلفاء ليتمكن من مواجهة كل أعدائه الذين صنعهم بنفسه.. أو الذين اكتسبهم بتصرفاته غير الصديقة أبداً!!

والحقيقة أنه طوال الفترة السابقة لا يمكن أبداً استيعاب موقف البشير من النظام المصرى.. فتارة تجده يصدر التصريحات التى تؤيد موقفه بشأن أزمة سد النهضة.. وفى نفس الوقت تجده فى إثيوبيا فى اليوم التالى ليؤكد من على أرضها حق الإثيوبيين فى بناء السد.. ويشجعهم على الاستمرار فى مخططهم وأن يتجاهلوا مطالب «دولة المصب» التى لا تبحث إلا عن مصالحها فى النهاية!!.. ثم لا يلبث أن تخرج التصريحات المستفزة بشأن اعتراضه على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين القاهرة والرياض.. أو يستخدم أزمة إقليم حلايب وشلاتين الذى يتذكره كل فترة دون مبرر مقنع!!

حتى على مستوى الشأن الداخلى فى السودان.. فمنذ أن تولى الحكم وهو يردد الكثير من شعارات العروبة والممانعة.. ويتفنن فى استخدام مفهوم الوطنية على الرغم من فقد السودان فى عهده لأكثر من نصف مساحتها، فى كارثة لم تتعرض لها فى تاريخها.. ويستكملها الرجل مؤخراً بتمكين تركيا من إدارة جزيرة سواكن فى البحر الأحمر.. الأمر الذى يعد انتقاصاً صريحاً لسيادة الدولة السودانية على أرضها.. وتحدياً لدول السيادة فى البحر الأحمر فى ظل الاضطراب الذى أحدثته عاصفة الحزم فى ذلك البحر المشتعل بالأحداث!!

لقد قبل البشير أن تصبح السودان -الشقيقة التاريخية لمصر- ورقة ضغط فى أيدى خصومها تتلاعب بها كما تشاء.. وتستخدمها لإثارة القلق والبلبلة دون مبرر.. وهو فى هذا الأمر يستند إلى خلفيات الأنظمة التركية والقطرية التى تدعى أنها أتت من خلفية إسلامية كالتى أتى هو منها.. والتى يمكن القول إن الإسلام نفسه لم يتعرض للأذى من قبل كما تعرض له على أيديهم!!!

إن سحب السفير السودانى من القاهرة للتشاور يكشف بشكل واضح أن العلاقات بين القاهرة والخرطوم قد تجاوزت مرحلة «الدبلوماسية المهذبة» إلى مرحلة الصدام المباشر.. وربما تلوح فى الأفق أزمة سياسية عنيفة تفوق فى تداعياتها كل الأزمات السابقة.. وهو ما سيدفع ثمنه شعب السودان الشقيق الطيب حتماً.. الذى يعانى فى حكم البشير ما لم يعانيه خلال تاريخه من قبل!!