د.مراد وهبة لـ«الوطن»:إنقاذ مصر.. فى جمهورية «علمانية» بمرجعية «ابن رشد»

د.مراد وهبة لـ«الوطن»:إنقاذ مصر.. فى جمهورية «علمانية» بمرجعية «ابن رشد»
«هذا الطالب يبدو من ملامحه، أنه سيكون فيلسوفاً عظيماً».. كانت هذه إشارة أحمد فؤاد الأهوانى أستاذ مادة الفلسفة، أما الذى كان يشير إليه فهو - حينذاك - «الطالب مراد وهبة». وقتها رد على المدرس قائلاً: «آسف يا أستاذ.. أنا هنا مؤقت، لأننى سأذهب إلى شعبة العلمى».. وبالفعل انتقل إليها أوائل يناير 1943، وفى شعبة العلمى وقف مدرس اللغة العربية يشرح بيت «امرئ القيس»:
مكر مفر مقبل مدبر معاً
كجلمود صخر حطه السيُل من علٍ هذه التركيبة اللغوية أصابت «وهبة» بالدهشة، ثم تحولت إلى سخرية، فتحول الفصل إلى «فوضى»، فى هذه اللحظة تصادف مرور ناظر المدرسة، الذى التفت إليه قائلاً: «يعنى أنت عامل فيها بشار بن برد»، ثم أكمل الناظر: «اتفضل.. أنت مرفود إلى ما لا نهاية».
وبعد ما يقرب من 55 عاماً، تغير الفصل، فأصبح جامعة عين شمس، قسم الفلسفة، وتبدل الناظر، فأصبح رئيس الجامعة.. أما التهمة دوماً - فى ظنى - هى «إعمال العقل» والمتهم هو «مراد وهبة»!
فى أوائل عام 1998 رن جرس التليفون فى منزله.. وجاء الصوت: يا دكتور مراد أنا رئيس الجامعة.. رد: أهلاً وسهلاً.. ثم قال: يا ريت تقعد فى البيت، ولا تأتِ للجامعة.. ولماذا؟.. لأنك جعلت طلاب قسم الفلسفة لا ينامون الليل.. ومنذ ذلك اليوم ومن قبله أيام المدرسة الثانوى، ود.مراد وهبة يبحث عن «الحقيقة» فى إطار التطور العقلى.
ذهبت إليه فى شقته فى مصر الجديدة، حتى أسأله عن الرئيس المقبل ونظامه، وشكل الدولة فى المرحلة المقبلة.. يسكن بالطابق الخامس، فى الموعد المحدد استقبلنى، على مكتبه «لاب توب» وفى يده قلم، لا يفارقه - وتقريباً لا يغيره - ومكتبة ضخمة، الجزء الأول منها مخصص للكتب الأجنبية، والثانى للعربية، وبينهما «طرقة» يتمشى ويفكر فيها فيلسوف عمره 88 عاماً ذهاباً وإياباً، وما زال - رغم كبر السن - يقرأ كل يوم، بحثاً عن الحقيقة، فهل يا ترى وصل إليها؟.
وإلى نص الحوار:[Quote_1]
* النظام والرئيس المقبلان لمصر.. كيف يراهما د.مراد وهبة؟
- أنا أملى أن ندخل على جمهورية علمانية.
* مرة واحدة كده يا دكتور؟
- ألم تسأل عن رأيى؟
- نعم؟
- وأنا أرد على سؤالك.. نعم أتمنى جمهورية علمانية، بمرجعية من التراث الإسلامى لـ «ابن رشد».
* ولماذا بالتحديد «ابن رشد»؟
- لاعتقادى أن الصراع الإسلامى فى الدول الإسلامية - ومصر فى قلب ذلك - قائم على اعتبار أن الإخوان المسلمين نشأوا فى مصر، وانتشروا فى العالم.. إذن الصراع قائم ما بين ابن تيمية - وهو فكر يتبناه الإخوان المسلمون - القائم على الالتزام بحرفية النص الدينى، وعدم إعمال العقل، وبين ابن رشد.
* وما مردود عدم إعمال العقل على الجماهير؟
- يجعلها تلتزم بالسمع والطاعة، فيخضع لحكام هم - كحكام - خاضعين لفكر ابن تيمية، وابن تيميه من القرن الـ 13.
* ولكننا فى القرن الـ 21؟
- وهذه هى الإشكالية، فلو فاز الإخوان المسلمون بمنصب الرئاسة، فإن مصر ستعود إلى القرن الثالث عشر، ونترك القرن الـ 21 تماماً.
* وماذا لو كنا مع فكر ابن رشد؟
- ابن رشد ملتزم بإعمال العقل فى النص الدينى، وهذا ما يسميه «التأويل» وأنه لا تكفير مع التأويل، ولا تأويل مع الإجماع، من هنا يمتنع جمهور «السمع والطاعة» وهنا يشعر الإنسان بحريته، لأنه يستخدم عقله، والصراع ما بين ابن رشد الغائب وابن تيمية الحاضر، هو إشكالية مصر.
* وحالياً؟
- حالياً.. وفيما قبل ذلك، وأنت مهما قلت لى عن عبدالناصر ومحمد نجيب والسادات ومبارك.. كانوا بعيدين عن فلك الإخوان المسلمين، سأقول لك خطأ، بل كانوا فى فلكهم.
* كيف ذلك؟[Quote_2]
- لأن هذا هو التيار الوحيد المنظم، والقابض على المجتمع المصرى، وهذا - بالضرورة - أدى إلى وجود صراع ما بين الجيش والإخوان.
* هل الصراع بسبب السلطة؟
- ليست السلطة فقط، ولكن الصراع سببه الأساسى مفهوم الحرب، لأن مفهوم الحرب عند الجيش المصرى، قائم على الأمن القومى. الجيش لا يحارب إلا إذا كان الوطن مهدداً من عدو، وإذا لم يكن مهدداً فهو لا يحارب.
* وهل يختلف هذا المفهوم عند الإخوان المسلمين؟
- بالتأكيد.. مفهوم الحرب عندهم قائم على الهجوم والمبادأة، حتى يحقق «الأممية» - وهى تعنى أسلمة كوكب الأرض.. هو يريد لكل من يقيم على الأرض دخول الإسلام شاء أم لم يشأ.. وهذا نتيجة أن العنف مفهوم جوهرى فى عقيدتهم.
* لكنهم تخلوا عن ذلك العنف.. والجماعة اليوم فى مرحلة ما بعد ذلك؟
- التخلى هذا وقتى.. أنت تتخلى عندما يكون لك رؤية مناقضة، أما أن تتخلى - أو تقول ذلك - دون أن تكون لك رؤية، فهذا «وهم»، لأنك ستكون محكوماً بما لديك من فكر. هو يتخلى إذا وجد تياراً يواجهه، ولكن لا يوجد تيار يواجهه.. ما لدينا «شراذم» ومكبرات صوت.. ليس أكثر.
* وما ذنب الإخوان فى «تشرذم» غيرهم؟
- نعم.. ليس لهم ذنب.. الذنب يقع على المثقفين الذين يزعمون أنهم ضد فكر الإخوان، والتحدى الموجه لهؤلاء المثقفين، هو: هل هناك تيار مناقض أو مضاد؟.. الإجابة: لا يوجد.
* ولكن بيننا من يواجه؟
- ظاهرة صوتية، تمسك الميكروفون وتهتف «أنا ضد الإخوان»، وراجع الحكم الصادر ضد الفنان عادل إمام ستجده حكماً طبيعياً، والمثقفون فى حالة صراخ لا فائدة منه.
* طبيعى الحكم عليه بالسجن؟
- طبعاً.. أنا لا أصنفه إلا أنه حكم طبيعى، لأن سيطرة فكر الإخوان تلزم بهذا الحكم، لأن المناخ العام يسير فى هذا السياق، فعندما يصدر حكم بهذا الشكل معناه أن المناخ العام الثقافى يسمح بإصدار هذا الحكم، وبذلك نحن فى اتجاه التكفير، وليس الحوار.
* هل نحن باتجاه نظام حكم دينى؟
- دون شك.
* وهل يقبل الشعب المصرى ذلك النظام؟
- يقبله، فأنت من أيام الفراعنة فى حكم دينى، ونحن أزمتنا أزمة نقد للحضارة الفرعونية، وهى لم تنقد حتى اليوم، ولدينا حساسية فى نقد حضارتنا.
* ولماذا؟
- لأننا نرى - أو بعضنا - أنه لا يجوز نقد الحضارة الفرعونية، لكن أنا إذا انتقدتها، ستجد أنها تستند إلى أسطورة عودة الروح، ولكى تعود يجب أن يكون الجسد سليماً، ومن هنا جاء التحنيط.. والتحنيط لا يترك فى الهواء، بل يتطلب مبنى ضخماً يحافظ عليه، لذا كانت الأهرامات.
* هل هذا معناه أن الأهرامات مقابر؟
- طبعاً.. واللفظ الفرعونى للمقبرة.. يعنى الهرم.. والفراعنة أنشأوا علم الهندسة العملى من أجل بناء المقبرة، وأنشأوا الطب حتى يساعد على تحنيط الجثة، ولقد ظلت الحضارة الفرعونية، عند عودة أسطورة «عودة الروح» والنتيجة أننا أصبحنا أمام «آلهة» والجمهور خاضع، منذ ما يقرب من 7 آلاف سنة، والفرعون ليس هو رئيس الدولة فقط، بل كل طوائف الشعب فيها «فراعين».. لذلك علينا نقد الحضارة الفرعونية.
* دعنا يا دكتور نترك الماضى وحضارته.. ونذهب للمستقبل.. كيف تراه؟
- عندما تطلب منى رؤية مستقبلية.. فإننى سأتوقف، لأننى سأقول لك أريد جمهورية علمانية.
* لكن العلمانية محرمة؟
- أعلم ذلك.. وليس هذا فقط، بل هناك من يكفرها، لكن العلمانية هى نقيض الأصولية الدينية، وليس الدين، فالعلمانية تفكيرها نسبى، أما الأصولى فتفكيره مطلق.. إذن نحن أمام صراع، لكن المشكلة أن العلمانية كل المثقفين يهاجمونها، ويخافون منها، ويقولون: تعالَ نقول «مدنى» حتى نضحك عليهم ونمررها، وهو بالأساس يضحك على نفسه لأن «المدنى» ليس نقيضاً للأصولى.
* لكن الشعب المصرى متدين بطبعه، ومتميز عن جميع شعوب العالم؟
- من قال لك ذلك؟
- كل الأدبيات تقول لنا هذا الكلام؟
- وهْم يا عزيزى.. هو فيه حاجة اسمها شعب يتميز بالتدين؟.. كل الشعوب متدينة، لأن الدين هو البعد الروحى للإنسان - أى إنسان - فنحن أمام نخبة مثقفة لا تبحث فى أعماق الأشياء، هم فقط يتحدثون بصورة سطحية عن كل شىء.. انظر مثلاً فى موضوع الفنان عادل إمام والحكم عليه، تجد المثقفين يقولون: «نحن دخلنا فى صكوك الغفران»، يقولون ذلك دون أن يعرفوا أن صكوك الغفران هى نتيجة لنظام أصولى عليك أن تكتشفه، ثم بعد أن تكتشفه عليك نقد هذه الأصولية، هل تستطيع أن تفعل ذلك؟.. بالطبع لا.
* يا دكتور.. أنا لم أصل بعد إلى رؤيتك نحو النظام المقبل والرئيس المقبل؟
- سبق وقلت.. رؤيتى للمستقبل أن يكون لدينا جمهورية علمانية.. فهل أحد سيقبلها؟
* بالطبع لا؟
- طيب.. وإذا قلت لك جمهورية أصولية، فالمؤكد الكل سيرحب بها، والمشكلة الحقيقية أننا نحاول عمل ألاعيب «الحواة» فنقول: «خليها» مدنية.. وأنت بذلك تلف وتدور ولا تصل لما يجب مواجهته، والكارثة أنك تجد من يستخدم لفظ «مدنى»، ليواجه به الجيش، فيقول: «يسقط.. يسقط حكم العسكر»، وهذه كارثة.
* وما الكارثة فى ذلك؟
- الكارثة أنك تريد بلفظ «مدنى» إسقاط الجيش الذى هو عمادك للدفاع عن الوطن، كيف يكون الحال للجندى المصرى، عندما يسمع هتافات كل جمعة، «يسقط الجيش المصرى»؟..ثم عندما تطالب بإسقاط الجيش أثناء الثورة، فهذا له دلالة وله معانٍ.
* وما الدلالة فى ذلك؟
- الدلالة هنا تأخذنا إلى أننا أمام من يطالب بإسقاط الجيش، تعنى أن لديه جيشاً آخر متخفياً وجاهزاً، وفى انتظار سقوط الجيش، ليصعد هو، من هنا أقول إن المسائل فى الساحة السياسية المصرية معقدة، وأنا أقول إذا جاء الرئيس من الإخوان المسلمين، فتأكد أن مصر «خلاص» انتهت.
* لماذا؟
- لأن حكم الإخوان سيكون من أسفل إلى أعلى، من القاعدة إلى القمة، ولذلك علينا أن نبدأ من الداخل، إذا وجدنا تياراً خطراً، علينا مقاومته.
* والحل؟
- الحل فى إيجاد تيار علمانى ليواجه التيارات الدينية، وأنا أتابع حزب د.محمد البرادعى.. وأسأل: هل هو سيكون مقاوماً لفكر الإخوان المسلمين؟.. أم سيكون تدليلاً للإخوان؟
* ولماذا يدلل د.البرادعى الإخوان؟
- التدليل سيكون فى حالة إذا لم يكن عندك فكر مضاد، وكلمة الديمقراطية فى المطلق ليس لها معنى، وعليك أنت أن تحدد ماذا تريد منها.
* وما هى الديمقراطية المطلوبة لنا فى الوقت الرهن؟
- أن يكون لديك أربعة مكونات، أن تكون علمانياً وتمر بالعقد الاجتماعى، ثم مرحلة التنوير، ثم الليبرالية.. هذه هى مكونات الديمقراطية، وللأسف هذا غير موجود لدينا، ولن يحدث.
* لماذا؟
- لأنه يراد لك أن تسير فى طريق طبقاً لسياسة «القطيع» التى شعارها «السمع والطاعة».
* عبدالناصر كرئيس.. كيف رأيته؟
- عبدالناصر - ببساطة - كان يود فعل شىء.. وكان قارئاً نهماً.
* والسادات؟
- لم يكن يقرأ.
* ومبارك؟
- كنت أقول إنه يرغب، لكنه لا يستطيع.
* هل عبدالناصر والسادات ومبارك، كانوا فى معية نظام يوليو؟.. أم كل رئيس فيهم كان له نظامه؟
- كلهم كانوا فى نظام الحضارة الفرعونية، ولكن بتنويعات.. ألم تسمع السادات وهو يقول: أنا آخر فرعون.. وقال: الديمقراطية لها أنياب.
* أى حضارة فرعونية تقصد؟
- أقصد حضارة الحاكم الفرد.
* والشعب؟
- طيب.. والفراعنة كان عندهم شعب؟.. كان عندهم آلهة.. والشعب ينتظر تعليمات الحاكم، وإحنا على نفس الطريق نسير من أيام عبدالناصر حتى مبارك.
* ولكن عندنا أمل أن يتغير ذلك.. والشعب يشارك الحاكم؟
- طبعاً.. وأنا مثلك عندى أمل.
* وهل هذا ممكن حدوثه فى المستقبل؟
- الحقيقة.. أنا معنديش إجابة.
* والإجابة عند من؟
- عند المثقفين.. إذا أرادوا هذا، فسيحدث.
* وإذا لم يريدوا؟
- يبقى قول على مصر السلام.. وقعت فى قبضة الإخوان.. وسيحكمون البلد.