نمر بن عدوان و وضحة

من الصحراء و هجيرها ، و صفار رمالها ، و غبراء خيلها ، و أصوات صهيل جيادها ، و وقع حوافرها. و بين سواد الخيام ، و بياض شياه الباديه، تظهر لنا قصة حب ،ملونه بلون احمر قان ،لون الحب و الدم.

كان العاشق (نمر) أمير البلقا بالاردن، وشيخ عشيرة العداوين , احد الكرماء المعروفين، صاحب مكانة رفيعة وشأن قدير و حلم جميع فتيات القبيلة الاصيله . كان نمر شاعر جزل البيان ، لا يفارق ربابته و الألحان

في رحلة من رحلات صيده ، مع رفاقه ، اقترب من غدير ماء ، و لم يدر ذاك النمر أبدا انه لن يصطاد غزالا جانحا او ظبيا شاردا، بل سوف يصطاد (وضحة ) وديعه ،رقيقة من بنات قبيلة ( صخر ) ، اقترب نمر القناص ، من جمع الفتيات ، على مشرب الماء و لم يرجع كعادة العرب ، حتى تنتهي الفتيات من السقايه , بل اقترب كعادة المحبين ، عندما لمح لحظ ( وضحة ) واضحة الملامح و الحسن و البهاء و ازداد اقترابا و هياما ، عندما سألها شربة ماء من قربتها ، قبلت باسمة خجله ، و تجرع ( نمر) قطرات الماء و هو ينظر خلسة الى (وضحه) ، و ها هي أيضاً ترد على نظرته بنظرة سريعه ذات دلال و إذلال و يقع العاشق على الفور، في غياهب جب العشق ، و تتحول أشعاره على ربابته، الى واقع ملموس و يلمس يدها و هو يرجع قربتها ، و لكنه لا يسترجع قلبه من عند (وضحه ) فقد احتفظت به ، أخذته عنوة منه فأصبح (النمر) بوداعة قطه.

سأل العاشق وضحه مستأنسا بصوتها من اي العربان أنتم !؟ و قبل ان تجيب ، أجابت اختها الصغرى : "و ماذا يعنيك ؟ أ لك مطلب او مشكلة معنا ؟!" فأجاب نافيا : "كلا بل و ددت شكركم على كرمكم معنا " فردت الأخت الصغرى :"هي اسمها (وضحه) و أنا اسمي (وضفه) و أبانا اسمه (فلاح ) و هنا تدخلت (وضحه ) و قالت نحن من قبيله (صخر) . فأثنى نمر على القبيله و أهل القبيله و أخلاق فتيات القبيله ، و ردت وضحه بلهجة بدوية فصحى ، أنتم على مشارف ديارنا و أنتم ضيوفنا مرحباً بكم تعالوا نضيفكم ، و نقوم بواجبكم ،فشكرها (نمر) و عيناه مازالتا معلقتين بها و انصرف مع أصحابه عائدين الى ديارهم ، عاد شارد الذهن معلق الفؤاد و لما لاحظ رفقاءه ما به ، طمئنوه انها تكون من نصيبه بإذن الله، فالأصل محمود و النسب مشرف و النمر لا يرفض.

عاد (نمر) يفرغ عند أمه جراب صيده ،و يفرغ عندها لواعج صدرة ، ذاك العاشق الهادر ، و تعده أمه خيرا و تبتهج فالنمر سيتزوج !!! و يسمع احد أبناء عمومته الخبر و هو الحاقد على (نمر) و يشيع ان نمرا ترفع عن مصاهرة أبناء قبيلته !? أ و لم تعجبه فتاة من فتياتنا ليأت بغريبة !! و لكن الحاقدين يعوون و قافلة الجاهه تسير ( و الجاهه مجموعه الخطاب عائلة و عزوة الخاطب و رمز الوجاهه ) . تحمل الجاهه بالهدايا و العطايا و يدخلون عرب بني (صخر) و يطلبون ( وضحه ) ذات الجمال و الملحه، يوافق والد وضحه على الامير الشاعر الفارس (نمر) و يرقص قلب (وضحه) الذي بالعشق بات و أضحى .

لكن عند وضحه أيضاً ، من لم يكن سعيدا بالخبر و هو ابن عمها الذي تفتك الغيرة به ، من (نمر) و مكانته و خصاله و يعاتب أباها قائلا : "كيف تعطيه (وضحه) و هي ابنه عمي و أنا أولى ، فلا يجد الأب حلا الا ان يعطيه اختها الصغرى، ( وضفة)

تذهب (وضحه ) عروسا عند العدوانيين ، لتزين بيت أميرهم و كبير عشيرتهم (نمر بن عدوان) ، و يخبئها العاشق و لا يخرجها أسبوعا كاملا و يدللها و يلاطفها، فتسري اخبار عشقهم بين خيام القبيله و تقوم ثورة نسائية، تطالب بان يعاملن جميها كوضحه الوافدة من الخارج .

كذلك تقوم ثورة رجاليه مضاده ، بان تكون النساء جميعا كوضحه اولا ، و تمر ايام السعادة و تلد ( وضحة ) بنتا ، فتعيرها نساء القبيله غيرة و حسدا ، فأخيرا وجدن ما تعير عليه (وضحه ) ، و تموت الطفله و تلد بعدها (وضحة ) بنتا اخرى و تعير مرة اخرى و ينعتنها ( وضحه جلابة البنات ) و نمر مازال متيما بوضحته، لا يثنيه عن حبها غيرة و لا حسدا و لا فتنة أخريات ، و تلد للنمر (عقابا ) ، ولدا ذكرا باسلا كأبيه ، يتجدد العشق يوميا ، فيلطف حر الصحراء و يجعل من سمومها ، ربيعا مزهرا ، هي تحب بطولته و شهامته و كرمه و سمعته الطيبه و هو يعشق وفاءها و إخلاصها و سهرها على راحته فهو من وصفها يوما في بيت شعر :

ان شافت بي غيض قامت تراضين ...... مثل الشفوق اللي تلهله ولدها و المعنى : ( ان هي يوما رأت بي غضب و هم همت بمراضاتي و تطييب خاطري كالأم ذات الشفقة التي تهدهد وليدها ). نعم فهو احبها أما و زوجة و عشيقة كانت له الدنيا.

و مرت سبع سنوات كانت كالحلم، و ذات ليلة تذكرت (وضحه ) ان نمرا مسافر غدا و فرسه لم تسرج بعد ( يركب عليها السرج ) فنهضت من غفوتها ترعى أموره و التحفت بعباءة سوداء و قامت لعملها و لكن الخيل صهل و فزع (نمر) من النوم و رأى شيئا أسودا في بهيم الليل ، قرب الخيل ، و قرب خيمته ، فتناول بندقيته و على الفور رمى ذاك الهدف الأسود و ذهب ليتفقد صيده الجديد، و هنا سقط (نمر) أرضا ، فلقد قتل حبيبته و حلمه و ونس أيامه ، قتل (وضحه) و بيده ، و ظل يبكي و ينوح و يذكرها على ربابته و في أشعاره مخلدا اياها بأجمل و أوجع الأبيات

ياسين يام عقاب ياسين ياسين ...... ياشبه عنز الريم ترعـى وحدهـابنت الرجال وخالط ٍ عقلها زين ...... وروايح الرحيان ريحة جسدهـا

فاقت نساها في مزهاها مزايين ...... كل النسا ياليت وضحـى بعدهـا

ماناجت الغطروف بالمنطق الشين ...... ولا قط بالخملات وكد وعدهـا .