جامعة الإسكندرية.. القوة الناعمة المصرية

خمسة وسبعون عاماً مرّت على جامعة الإسكندرية المرموقة.. تدخل الجامعة الآن الربع الأخير من قرنِها الأوّل ومن عُمرها المديد.

حكى لى الدكتور أحمد زويل كثيراً عن مكانة جامعة الإسكندرية.. وكيف أرسلت الجامعة فى بنسلفانيا مندوباً منها لاستقباله فى المطار حين ذهب لدراسة الماجستير فيها قبل عقود.

ثم كان من حظّى أننى تشرفتُ بعضوية مجلس الدراسات العليا بجامعة الإسكندرية (عضواً من الخارج).. عملت خلالها مع الدكتور رشدى زهران، رئيس الجامعة، والدكتور صديق عبدالسلام، نائب رئيس الجامعة للدراسات العليا.. ثم تشرفت بالعمل مع الدكتور عصام الكردى، رئيس الجامعة، والدكتور هشام جابر، نائب رئيس الجامعة والقائم بأعمال الدراسات العليا.

فى كل الاجتماعات تشرفت بالاستماع إلى نخبة من وكلاء الدراسات العليا فى (23) كلية.. وعدد من القضايا التى جرى طرحها بجدية كاملة.. وكم تمنيّت أن تكون محاضر تلك الاجتماعات حاضرةً لدى صناع القرار السياسى والتعليمى فى مصر.

(1)

تأسست جامعة الإسكندرية المرموقة عام 1938، باسم جامعة الملك فاروق.. وأسَّست الجامعة لاحقاً فرعيْن فى دمنهور ومرسى مطروح.

تقع جامعة الإسكندرية ضمن أفضل (300) جامعة على مستوى العالم طبقاً لمؤشر التايمز.. وضمن أفضل (100) جامعة فى جامعات دول الأسواق الناشئة.. والتى تضم جامعات روسيا والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا وعشرات الدول.

تخرّج فى جامعة الإسكندرية عالم الكيمياء الأول فى العالم فى القرن الحادى والعشرين الدكتور أحمد زويل، وتخرج فيها أيضاً الخبير النووى العالمى الدكتور يحيى المشد.

ثمّة كوكبة عظيمة من علماء جامعة الإسكندرية.. تخرجوا فى كليات الطب والهندسة والعلوم والكليات الأخرى.. وثمّة مفكرون واقتصاديون وفلاسفة تخرجوا فى كليات الحقوق والآداب والتجارة والزراعة والفنون الجميلة.

(2)

تخرجتُ فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة.. ودعوتُ مؤخراً إلى تأسيس منتدى خريجى جامعة القاهرة.. ليكون ظهيراً نخبوياً للجامعة.. ثم التقيتُ السيد عمرو موسى، الأمين العام الأسبق للجامعة العربية ورئيس رابطة خريجى جامعة القاهرة، من أجل التنسيق بين الرابطة والمنتدى.. وكذلك التنسيق بينهما وبين جمعية خريجى الجامعات العالمية الكبرى.. والتى سبق أن أطلقتُ حركتها حين تشرفتُ بالعمل مستشاراً لرئيس الجمهورية.

تحتاج جامعة الإسكندرية إلى رابطةٍ ومنتدى.. تساعد فى إعطاء الجامعة المجيدة مكانتها الاجتماعية والإعلامية اللائقة.. وتساعد كذلك فى توفير الدعم السياسى والاقتصادى لحركة العلم داخل الجامعة.

إن جامعة الإسكندرية التى حصل جهازها الإدارى على شهادة الأيزو عدة سنوات متتالية.. تمتلك مواصفات الجامعة العالمية.. إن لديها فرعيْن -حتى الآن- خارج مصر.. الأول فى جمهورية تشاد والثانى فى دولة جنوب السودان.. وبينما تخرَّجت أول دفعة من جامعة الإسكندرية فى إنجامينا.. فإن فرع الجامعة فى جوبا يحتاج إلى الدعم والمساندة الحكومية.

(3)

جامعة الإسكندرية ليست الجامعة الأمريكية أو إحدى الجامعات الأجنبية فى مصر.. إنها جامعة وطنيّة.. نجاحها نجاح لنموذج التعليم المصرى، وتراجعها تراجع لنموذج التعليم المصرى. الجامعة الأمريكية فى القاهرة تحمل اسم الولايات المتحدة الأمريكية ولا تحمل اسم الدولة المصرية.. نجاح الجامعة الأمريكية ليس نجاحاً لنموذج التعليم المصرى وإنما هو نجاح لنموذج التعليم الأمريكى.

إن جامعات القاهرة والإسكندرية وعين شمس وحلوان وطنطا والمنصورة والزقازيق.. وجامعات المنوفية وبنها وقناة السويس.. وجامعات الفيوم والمنيا وبنى سويف وأسيوط وجنوب الوادى.. كلها جامعات وطنية.. نجاحها يمثل ترويجاً لنموذج القيم والتعليم فى بلادنا.. وتراجعها لصالح الجامعات الأجنبية سيراه العالم نموذجاً لفشل الدولة فى تقديم نموذج تعليم وطنى.. وانسحاقها أمام استيراد التعليم الأجنبى.. الذى يحفل بالشكل والمكانة الاجتماعية أكثر مما يحفل بالعلم والمكانة المعرفية.

(4)

لن تستطيع مصر أن تقود العالم العربى عبْر الجامعات الأجنبية فيها.. لن تقود الأمّة من المحيط إلى الخليج عبْر أساتذة أجانب من طوكيو إلى نيويورك.

لقد قادت مصر محيطها فيما قبل عبْر جامعة القاهرة وليس عبْر جامعات الطبقة البرجوازية.. التى باتت ترى فى التعليم الأجنبى مجالاً للاستعراض الطبقى المظهرى وليس الاستعراض العلمى الرصين.

إذا كانت مصر جادّة فى أن تتجاوز الخطاب الإعلامى الركيك الذى هبط بمكانتنا ورسالتنا.. وإذا كانت جادة فى أن تستثمر فى البشر مع الاستثمار فى الحجر.. فليس إلاّ التعليم.. وليس إلاّ الجامعة.

قولاً واحداً.. فى مصر القرن الحادى والعشرين.. الجامعة الوطنية هى الحل.

تحيةً لجامعة الإسكندرية فى عيدها الماسى.. كل عام.. وجامعة الإسكندرية.. أساتذة وطلاباً.. حاضراً ومستقبلاً.. بألف خير.

حفظ الله الجيش.. حفظ الله مصر