أعظم إنجازات «السيسى» على الإطلاق!

أحمد رفعت

أحمد رفعت

كاتب صحفي

بينما يقول الأديب السعودى الكبير عبدالرحمن منيف: «يمكن دائماً بناء الجسور.. الصعب هو بناء الإنسان»، نجد الفقيه السعودى محمد الشنقيطى يكمل المعنى الذى نريده فيقول: «يعتبر الوعى التاريخى جزءاً أساسياً من ثقافة أى أمة حريصة على بناء مستقبلها ضمن قيمتها الخاصة».. ولذلك فبغير بناء الإنسان لن نبنى الوطن.. وبغير وعى الإنسان فى بلادنا بتاريخ وطنه فلن نبنى لا الإنسان ولا الوطن.. وعلى هذه الأسس تبدو خطة «السيسى» فى تعويض المصريين ما فاتهم من حقوقهم الأساسية التى سُرقت منهم سنوات طويلة جداً.. وضاع حقهم فى تعليم حقيقى وحقوق طبيعية فى رعاية صحية جيدة.. وبعدهما ضاع حقهم فى وعى حقيقى ومعرفة حقيقية ليس بتاريخ بلدهم وحسب وإنما بمستوى معرفى يليق بهم بين شعوب العالم.. وبالتالى فقد تسبب الإهمال وتسببت العشوائية فى أربعين عاماً إلى تشويه الشخصية المصرية التى تُركت للعبث طوال تلك السنوات فتحولت فى فئات كثيرة منها إلى الشخصية السلبية المحبطة الكسولة الاتكالية الانهزامية الأنانية الهاربة إلى غيبوبة التطرف أو إلى غيبوبة الإدمان، الباحثة عن الثروة فى ضربات الحظ فى مسابقات الأرقام المختصرة، أو الباحثة عن الأمل بعيداً عن الوطن لتضرب فى إحدى الفترات رقماً قياسياً فى طلب الهجرة!

ذلك كله لم يحدث صدفة.. وإنما لأن القدوة غابت ومبدأ تكافؤ الفرص تم ضربه فى مقتل ولم يعد التفوق معيار الصعود الاجتماعى وإنما الثروة.. وليس السمعة الحسنة سبيلاً للحصول على الحقوق إنما النفوذ.. وحتى وظائف الصف الثانى غير القضاء والخارجية والشرطة مثل العمل بالبنوك والكهرباء والبترول والضرائب صارت حكراً للقادر عليها.. لذا كان منطقياً والحال كذلك أن يكبر الحاجز بين الكثيرين وبين بلدهم ولم ينتبه أحد لهذا الجدار الذى ظل يكبر ويكبر حتى شعرت فئات عريضة بالتهميش وأن البلد ليس بلدهم.. فمنهم من سعى للهروب وفيهم من سعى للحرق والتدمير!

ولذلك ومرة أخرى نقول كما قلنا قبل عام على ذات المساحة إن اهتمام الرئيس «السيسى» بمربع القضاء على العشوائيات وتوفير علاج فيروس سى بالطريقة التى نراها مع عقد مؤتمرات الشباب بالشكل الذى تابعناه ورأيناه الأشهر الماضية وبالتوازى مع ذلك كان الاهتمام بذوى الاحتياجات الخاصة.. نقول إن هذا الاهتمام لا يتم صدفة.. وإنما لرؤية شاملة لاستنهاض همم وطاقات الشعب المصرى من جديد بعد ذلك التهميش الطويل لفترة تاه فيها المصريون بين البحث عن فرصة هنا وفرصة أخرى هناك..

بناء الإنسان لا يكتمل والإنسان نفسه مهزوم من داخله.. أربعون عاماً والإعلام يقول للمصريين إن تاريخكم كله هزائم.. شراكة مؤسفة وبائسة مع إعلام الإخوان ورغبة محمومة من الجميع بحسابات السياسة أو بنفوذ بعض العائدين بالأموال ممن يحملون نفوذاً سابقاً ضائعاً وجراحاً تاريخية فى تشويه عصر سابق فحولوا الملاحم إلى هزائم وزيفوا وعى الناس وبخسوا حقوق أبطال ضحوا من أجل الوطن كله وأهالوا التراب على نقاط مضيئة فى عمر مصر من أجل السياسة وليس من أجل الحقيقة.. وكانت النتيجة لكل ما سبق: انتماء يصل إلى أدنى حد، وظواهر اجتماعية غير مسبوقة من تحرش جماعى، إلى غش جماعى، إلى عنف غير مبرر فى الشارع المصرى، إلى غيرها من الظواهر!

والآن يقدم «السيسى» للمصريين حلماً تأخر كثيراً وهو مشروع التأمين الصحى الشامل الذى أعفى الشيوخ وغير القادرين وأصحاب الأمراض المزمنة والعاجزين وأصحاب الاحتياجات الخاصة من الرسوم! وهى واحدة من صور العدل الاجتماعى تضاف إلى منظومة التموين التى بعثت فيها الروح من جديد، إلى جانب برنامج تكافل وكرامة مع معاش التضامن لنتأكد إذاً أن الرجل يمتلك مشروعاً لإعادة بناء الإنسان المصرى.. وهنا يبرز السؤال: وأين وعى هؤلاء؟ ما نراه يخص صحتهم وبنيانهم الجسدى.. أين الوعى والضمير الوطنى والذاكرة الوطنية والتاريخ المجيد؟ الإجابة أكدها الرئيس «السيسى» هذا الأسبوع بعد أن احتفلت مصر للعام الثانى على التوالى بعيد النصر! العيد الذى تم تجاهله عمداً لنضرب وعى الأبناء فى مقتل ولنقدم للأعداء هدية لا يستحقونها ولنترك إعلام الإخوان المجرم يعبث فى وعى الناس ويقول لهم زوراً إن مصر هُزمت فى 56!!! رغم أنها قدمت بشعبها أروع صور الصمود أمام قوى عظمى انتهت بعد العدوان بالفعل كما اعترفوا هم.. وصاروا من مخلفات الأقطاب فى العالم وتراجعوا إلى دول الصف الثانى وانسحبوا ولم يحققوا هدفاً واحداً، بينما حققت مصر كل أهدافها.. استردت القناة وبنت السد العالى.. إلا أن هذه الذاكرة للوطنية كانت هدفاً فى ذاتها بدليل تجاهل أعياد وأيام الجلاء والجهاد الذى كان يوماً للوطن أيام الاحتلال البريطانى وقبل ثورة يوليو نفسها..

لذا.. فالمصرى الضعيف جسدياً الذى تحيطه وتحتضنه بيئة غير آدمية، الفارغ ذهنياً، المحبط والمهزوم داخلياً، المزيف تاريخه لا يبنى وطناً.. واعتقادنا أن اختيار الرئيس لأول مشاريعه بقناة السويس كان مقصوداً لاستنفار الطاقات، واستفزاز الهمم، واستنهاض القدرة على الفعل وعلى صنع المستحيل.. لقد مشينا خطوات طويلة انتظرناها كثيراً.. وأمامنا منها الكثير.. لنقول مع شاعرنا الكبير فاروق جويدة: «تمنيت أن يدرك حكامنا أن السلطة لا تدوم، وأن الشعوب هى الباقية، وأن بناء الحلم أجمل كثيراً من دفنه»، ونقول أيضاً:

أعظم ما يفعله «السيسى» الآن هو بناء الإنسان!

وأعظم ما نريد أن يفعله «السيسى» هو بناء الإنسان!

وأعظم ما يجب أن يستكمله «السيسى» هو استكمال منظومة بناء الإنسان!