زواج القاصرات.. ماذا بعد؟

شهدت الآونة الأخيرة فى مصر تزايداً ملحوظاً فى ظاهرة زواج القاصرات «الفتيات تحت سن الثامنة عشرة» لاسيما فى المناطق الفقيرة التى لا تحظى فيها الفتيات بتعليم لائق أو فرص حياة كريمة، الأمر الذى دعا الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء لعمل بحث معمق حول حجم المشكلة، وأعلن نتائج صادمة دعت الرئيس للتعبير عن ذلك بأشد عبارات الاستنكار.

وكنا نتوقع تحركاً عاجلاً من البرلمان ومن وزارة العدل وجهات عدة لسن قوانين واتخاذ إجراءات وتدابير للمواجهة الحازمة مع هذه الجريمة استجابة للرئيس، لكن أقصى ما أخشاه أن تتوه القضية فى أجندة مزدحمة بالأولويات ولا ننتبه إلى هذه الجريمة بالقدر الكافى، وهى تعد جريمة متعددة الأركان فى حق هؤلاء الصغيرات اللاتى لم يكتمل نموهن الجسمانى والنفسى ولا الوعى والإرادة لمفهوم الزواج أو العلاقة بين الرجل والمرأة، فما بال العلاقة بين رجل وطفلة، وبدلاً من أن تلعب بدمية أو لعبة إلكترونية مثل أقرانها، فإذا بها تنزع آدميتها وتتحول إلى لعبة فى يد آخرين يفعلون بجسدها الصغير وعقلها غير المدرك ما يشاءون، الأمر الذى يترتب عليه نتائج خطيرة على المستوى الجسمانى والنفسى، فقد أثبتت الدراسات أن الفتيات فى السن الصغيرة لا يكون قد اكتمل نموهن الجسمانى، وبذلك يؤدى الحمل والرضاعة إلى استنزاف غذائى للأمهات وضعف وهزال للأطفال.

فإن صغر الأم وعدم اكتمال رحمها يجعلها تتعرض لتمزق المهبل والقىء المستعصى والنزيف المهبلى وارتفاع ضغط الدم، فعندما تلد الفتيات قبل اكتمال نمو أجسامهن تتضاعف احتمالات موت الأم والطفل، بل يعد السبب الأول فى وفيات الفتيات اللاتى تتراوح أعمارهن بين الخمسة عشر والتسعة عشر عاماً فى أنحاء العالم، بناء على تقرير وضع الأطفال فى العالم الصادر عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة، مما يؤكد أن الزواج لصغار السن نوع من العنف الذى يمارس على الأطفال. وقد ذكر التقرير أن فرصة موت طفل لأم أقل من تسعة عشر عاماً خلال العام الأول من عمره بنسبة 60% من طفل ولد لأم تجاوز عمرها التاسعة عشرة. وهذه النسبة تأتى بسبب اختناق الجنين فى بطن أمه نتيجة القصور الحاد فى الدورة الدموية. أما الأضرار التى تصيب الطفل فهى نتيجة للولادة المبكرة، قد يعتبر الأطفال من الفئات الحساسة فيما يتعلق بكثير من الظروف المرضية، ومما لا يخفى أن صدمة الصغيرة فيما يحدث ليلة الزفاف تعرضها لأمراض نفسية مثل الهستيريا والفصام والاكتئاب النفسى والقلق والاضطرابات الشخصية.

ومما يزيد الأمر سوءاً استغلال القاصرات فيما يسمى «الزواج السياحى»، واتخذ هذا الزواج أشكالاً عدة منها زواج المسيار وزواج المتعة والزواج الصيفى، وتمثل فى لجوء بعض الأسر فى المناطق الفقيرة إلى تزويج بناتها من رجال من دول غنية وهى فى الغالب زيجات مؤقتة، وتتحكم فيها المادة إلى حد كبير مما يشكل نوعاً جديداً من صور الاتجار بالفتيات تحت ستار الزواج الشرعى.

وهو تلاعب بالشريعة أيضاً لأنه يتناقض مع أسس ومقاصد الزواج من بناء أسرة قائمة على المودة والرحمة، فقد عدَّد الإمام الغزالى موانع زواج المرأة منها أن تكون صغيرة السن، أيضاً أن تكون يتيمة فلا يصح نكاحها إلا بعد البلوغ.