قانون لضبط المرور أم لتحصيل المخالفات؟!

المرور هو عنوان الحضارة، ولا يختلف أحد على أن لدينا فوضى مرورية طاحنة تميزنا عن كل دول العالم، وبسببها أصبحت مصر من أكثر الدول فى الخسائر البشرية والمادية، فالفوضى المرورية وحوادث الطرق ليست أزمة داخلية مزمنة فقط، بل أساءت إلى سمعتنا العالمية فى الاستثمار والسياحة، الأمر الذى جعل البنك الدولى يحذر الأجانب من قيادة السيارات بأنفسهم فى مصر، لأن ذلك يمثل خطورة على حياتهم.

حينما تخرج من مطار أى دولة تستطيع معرفة مدى تقدمها وتحضّرها بمجرد مشاهدة الشارع والمرور، وللأسف الشديد فإن الانطباع الأول عن مصر للزائرين لا يسر عدواً ولا حبيباً بسبب الفوضى التى يشهدها الشارع المصرى، وهى فوضى غير مبررة، لأن هناك دولاً عديدة أكثر منا ازدحاماً وتخلفاً وفقراً، ولكنها منضبطة بفضل تطبيق القانون على الجميع دون استثناء، وزارة الداخلية أعدت قانوناً جديداً لضبط المرور أتمنى أن يكون هدف القانون هو القضاء على الفوضى المرورية وحوادث الطرق، وليس تحصيل أموال من خلال تغليظ العقوبة وزيادة قيمة غرامة المخالفات، لأن تغليظ العقوبة مع صعوبة تطبيقها يؤدى إلى فشل للقانون وزيادة الرشوة والفساد.فمثلاً، القانون القديم كان يتضمن مواد للحبس فى حالة السير عكس الاتجاه أعتقد أنها لم تطبق إطلاقاً، ولم يُحبس أحد لصعوبة التنفيذ، بل قيمة الرشوة ارتفعت للإفلات من العقاب، القانون الجديد أيضاً يتضمن غرامة تصل إلى 50 ألف جنيه فى بعض المخالفات التى قد تتسبب فى ضرر للمواطنين (نقل مواد محظور نقلها) أظن أنه يستحيل تنفيذها، والبديل أيضاً هو زيادة قيمة الرشوة، حتى ينجو المخالف من العقاب، قانون المرور لا تضعه وزارة الداخلية منفردة، بل يجب أن يشترك معها كل الوزارات (النقل، التعليم، الصحة، البيئة، المحليات، الثقافة، السياحة، التخطيط، الإعلام، البترول، الاستثمار، منظمات المجتمع المدنى، النقابات، أساتذة علم الاجتماع)، لأنه يخص كل المواطنين وقد يرتب التزامات على وزارة الداخلية نفسها.قانون المرور الجديد رفع قيمة غرامة الانتظار فى الممنوع ولم يهتم بضرورة إزالة التعديات على الشوارع والأرصفة وفتح الجراجات المغلقة، أو التى تحولت إلى كافيهات ومطاعم حتى يتم توفير أماكن انتظار.

أيضاً لا يمكن إنهاء أزمة المرور بمعزل عن التعليم الذى يغرس فى نفوس الأطفال احترام قواعد وآداب المرور وأخلاقيات القيادة السليمة، وأن يكون هناك تدريب عملى بجانب المنهج النظرى كذلك التوعية ودور الإعلام أيضاً الطاقة والاقتصاد، فالفوضى المرورية فى القاهرة الكبرى تكلف الدولة 50 مليار جنيه زيادة فى استهلاك الوقود وإضاعة الوقت والجهد، كذلك تطبيق الحكومة الإلكترونية يقلل من نزول المواطنين والموظفين إلى الشوارع أيضاً يستحيل ضبط الفوضى المرورية دون وجود تكامل بين وسائل المواصلات وإنشاء منظومة نقل جماعى محترمة تكون بديلاً للمواطنين عن استخدام سياراتهم الخاصة.

ولا يمكن ضبط المرور والقضاء على حوادث الطرق ما دام رجال المرور فى الشارع وعدم تطبيق منظومة النقل الذكى ITS Intelligent Transportation Systems والاعتماد على كاميرات المراقبة والاستغناء عن العنصر البشرى، حتى نمنع الاستثناءات ونضمن التطبيق الصارم والحازم للقانون، فالجميع سيكون أمام الكاميرات سواء، والعقاب فورى، نظام النقل الذكى هو الحل لكل مشاكل المرور وللطرق وحوادثها، وهو ليس اختراعاً فكل دول العالم أخذت به من عشرات السنين، ولن يكلف الدولة مليماً، لأنه مجال واعد للاستثمار بين شركات القطاع الخاص، القانون وحده لن يجدى لأنها منظومة متكاملة بين كل الوزارات والحلول موجودة وسهلة، ولكنها تحتاج للإرادة الحقيقية، حتى ننقذ المواطنين من الموت، وسمعة مصر من الانهيار وبالعمل والإخلاص سوف تحيا مصر.