عماد عفت.. الفقيه الكبير والشهيد المهذب

حسين القاضى

حسين القاضى

كاتب صحفي

فى مثل هذه الأيام من ديسمبر 2012م استُشهد العلامة الفقيه الشيخ عماد عفت، وهز استشهادُه الصورة الذهنية التى سوَّقها البعض من أن الثوار فى ميدان التحرير كانوا من البلطجية، فثبت باستشهاده أن الثوار فيهم الوطنيون، وفيهم المؤدلجون، بل وفيهم الأزهرى المحرِّض كالهارب جمال عبدالستار، والأزهرى الشجاع كالشهيد «عماد». ومما أذكره أننى كنتُ فى ندوة فحكى صديق مقرب منه أنه «رأى فى المنام أنه يحضن الشيخ عماد، ورسول الله يبشره بأن عماد فى جواره، ويقول له: ابك شوقاً لرسول الله»، حكاها الصديق بعد وفاته بقليل.

الشهيد الأزهرى هو الثائر الحق الذى قصده الشيخ الشعراوى بكلمته المشهورة، حيث كان يثور فى التحرير، ثم يرجع لتدريس العلم فى الأزهر، فثار وبنى الأمجاد فى وقت واحد، ولقد دخل كثير من الدعاة ميدان التحرير يتصدرون المشهد، ويظهرون فى الفضائيات، وأكثرهم لا يصلح تلميذاً للشيخ عماد، وكان هدفهم (إما أن نحكم أو نهدم)، لذا جعلهم الله أحاديث ومزقهم كل ممزق، وخانوا الوطن والثورة، فمات ذكرهم، وبقى ذكر الشيخ عماد عالماً وطنياً شهيداً مهذباً.

الفرق بين الشيخ عماد والثائر الباطل أن الشيخ كان عف اللسان، مهذب الأخلاق، ظهر هذا حين كانت له وجهة نظر تخالف شيخه الدكتور على جمعة، مفتى الديار فى حينها، ومع ذلك لم يتهم شيخه، بل ظل على احترامه وتقديره له ولوجهة نظره، فهو فى الصباح تلميذ لشيخه الكبير، وفى المساء فى ميدان التحرير يرى وجهة نظر شيخه جديرة بالاحترام والتقدير، لكنه تبدى له أن يفعل شيئاً آخر، كما أنه مع كل مخالفيه فى التوجه لم يكن فظاً غليظاً سليط اللسان.

الشيخ عماد لم يصعد منصة، ولم يجلس فى برنامج تليفزيونى، ولم يملأ الدنيا بالتصاريح والحوارات الصحفية كغيره من دعاة الميدان، الذين تحدثوا من فوق المنصات، ثم انصرفوا لأيديولوجياتهم، وكان انتماؤه لميدان التحرير فقط، ومع أنه شغل أعلى المناصب بدار الإفتاء إلا أنه لم يقدم نفسه ممثلاً للأزهر أو الدار، وحرص على عدم تسييس منصبه، بل إذا دخل الدار فصل بين عمله وتوجهه الخاص، بخلاف غيره من أصحاب التيارات الأخرى.

العالم الشهيد لم يُضبط متلبساً بكلمة بذيئة، ولا تعليق مسف، بل الضرورة تقتضى عند ذكر الشيخ عماد أن نقول «الثائر ذو الخلق»، تمييزاً بهذا النعت عن التحوّلات التى جرت للثوار أو الغاضبين، فاتسم بعضهم بالبذاءات والسفاهات وتدنٍ فى الحوار والأخلاق فاق التصور، وفاق أدب الحطيئة وأبى نواس، وصار اليوم من يبيح لنفسه الفحش فى القول، والكذب البواح فى الكلام، والسخرية والإهانة تحت مسمى الدفاع عن الحق! كأن الدفاع عن الحق لا يكون إلا بالبذاءات على صفحات التواصل الاجتماعى، وهذا ما ميز الشهيد عماد الذى قدم دمه فداء للوطن، عن المتحمسين الطائشين الذين يجاهدون بالصراخ والسباب على صفحات التواصل الاجتماعى.

فرق آخر بينه وبين المعارض أو الثائر الطائش أنه كان كالعطر أو كغمامة تنشر الخير حولها، فيزداد من يجلس معه حباً وصفاءً وعلماً وخلقاً وإدراكاً وفهماً، وليس تشويشاً وتكديراً وظلامية وصداماً وتعصباً وتشنجاً، لقد كان الشهيد فى معارضته السياسية يملك أملاً ومحبة ورقياً، وأما معارض اليوم فيملك حقداً وكرهاً ويأساً وإحباطاً، ومع اختلاف الشيخ الكامل مع نظام مبارك إلا أنه لم يُصدر فتوى بها تحريض أو تخريب أو فتنة أو تكفير أو تبديع، لأنه كان يرى أن بُغضه لنظام مبارك لا يعنى بغضه لمصر ومؤسساتها، فهو يبغض الحاكم، لكنه يُسهم بكل قوة فى الارتقاء بالمؤسسات التى يحكمها هذا الحاكم، وليس الدعوة لتخريبها كرهاً فى الحاكم.. عليك سحائب الرحمة يا شهيد..