كيف نجح كجك باشا في حسم قضية نصب وقعت بسوق الصاغة في الدولة العثمانية؟

كتب: صفية النجار

كيف نجح كجك باشا في حسم قضية نصب وقعت بسوق الصاغة في الدولة العثمانية؟

كيف نجح كجك باشا في حسم قضية نصب وقعت بسوق الصاغة في الدولة العثمانية؟

فى عهد الدولة العثمانية حدثت واقعة نصب شهيرة بين تجار المجوهرات فى سوق الصاغة بـ"مرجوش" الذى كان يوجد فى شارع بين القصرين، وتمكن الأمير كجك محمد أوده باشا الذى توفى سنة 1106 هجرية، من حسم هذه القضية وإعادة صندوق الذهب لمالكه دون أن ينقص منه شيء بحيلة ذكية، ذكرها المؤرخ عبد الرحمن بن حسن الجبرتي في كتابه "عجائب الآثار".

أراد بعض التجار في سوق الصاغة، أن يحج فجمع ما عنده من الذهبيات والفضيات، واللؤلؤ والجواهر ومصاغ حريمه، فوضعهم في صندوق وأودعهم، عند صديقه الخواجة علي الفيومى بسوق مرجوش، وكتب قائمة بما تضمنه الصندوق واحتفظ بها مع مفتاح الصندوق وسافر إلى الحجاز مده سنة.

عندما أتم حجته ورجع من الحجاز حضر إليه أصحابه وأحبابه للسلام عليه، ولكنه كان في انتظار صديق مهم لم يأت، ألا وهو الحاج علي الفيومي فسأل عنه، فقيل له أنه طيب وبخير، فلم يكن منه إلا أن قام بزيارته فأخذ معه شيئاً من التمر واللبان والليف ووضعه في منديل وذهب إليه.

وضع المنديل بين يديه فقال له علي الفيومي، "من أنت فإني لا أعرفك قبل اليوم حتى تهاديني" اندهش الرجل وقال له "أنا فلان صاحب الصندوق والأمانة"، فأنكر معرفته والصندوق، ومما زاد دهشة الرجل وصدمته، أنه لم تكن بينهما، ما يثبت أنه ترك له الصندوق، فضاق صدره وتحير في أمره، إلى أن أخبره بعض أصحابه أن يذهب إلى كشك محمد أوده باشا، فلما أخبره بالقصة أمره أن يجلس في حجرة داخل منزله، ولا يخرج منها حتى ينادى عليه.

أرسل أوده باشا إلى علي الفيومي، فلما حضر إليه ابتسم في وجهه ورحب به، وآنسه بالكلام الحلو، ورأى في يده سبحة مرجان، فأخذها من يده ليشغله بها، ثم قام وهي في يده، وكأنه يريد أن يقوم بعمل ضروري، وأعطى السبحة لخادمه وقال له "خذ خادم الخواجا علي الفيومي، واذهب إلى بيته وقف عند باب الحريم وأعطهم، السبحة أمارة وقل لهم أنه اعترف بالصندوق والأمانة".

فلما رأوا الأمارة والخادم لم يشكوا في صحة ذلك، وعندما رجع كجك إلى مجلسه قال للخواجا، بلغني أن رجلا أودع عندك صندوق أمانه، ثم طلبه فأنكرته فقال له "لا وحياة رأسك ليس له أصل، وكأني اشتبهت عليه أو أنه خرفان أو ذهلان، ولا أعرفه قبل ذلك ولا يعرفني"، فسكتوا قليلا فإذا بالخادم يدخل عليه بالصندوق، ويضعه بين أيديهم فاصفر وجه الفيومي وطلب أوده باشا صاحب الصندوق، فحضر فقال إن كان هذا صندوق فادلي بأمارة.

أخرج الرجل من جيبة قائمة بما تضمنه الصندوق ومفتاحه، فوجدوا ما في الصندوق مطابق، لما هو مكتوب في القائمة تماما، فقال له "خذ متاعك واذهب"، فالتف إلى الخواجا علي الفيومي، وهو ميت في جلده ينتظر ما يفعل به وذهب إلى داره يدعو لأوده باشا، الذي لم تقتصر محاسنه على ذلك فحسب بل كان أحد الأمراء الأفذاذ الذين اذهرت فى عهدهم الدولة بالسياسية الحسنة التى اتبعوها، حيث ضبط أسعار القمح ومنع المغالاة وحذر التجار من التلاعب بالأسعار.


مواضيع متعلقة