مؤرخون: المصريون لم يستخدموا «العربية» فى بيوتهم إلا بعد تعريب دواوين الحكم أيام «الأمويين»

كتب: محمد الدعدع

مؤرخون: المصريون لم يستخدموا «العربية» فى بيوتهم إلا بعد تعريب دواوين الحكم أيام «الأمويين»

مؤرخون: المصريون لم يستخدموا «العربية» فى بيوتهم إلا بعد تعريب دواوين الحكم أيام «الأمويين»

قال مؤرخون إن المصادر التاريخية تشير إلى تعثر المصريين فى استعمال اللغة العربية، وإنهم واجهوا مشكلات فى استخدامها كتابةً ونطقاً، بدءاً من فتح مصر على يد الصحابى عمرو بن العاص، وحتى عهد الدولة العثمانية التى استبدلت العربية بالتركية كلغة رسمية.

وأوضح المؤرخون أن المصريين ظلوا يتحدثون اللغة المصرية القديمة فى بيوتهم ومختلف معاملاتهم حتى قرون متقدمة من فتح مصر، وأن إجادة «العربية» كانت مفتاحاً لشغل وظائف الدولة بعد تعريب «دواوين الحكم» فى عهد الدولة الأموية، مشيرين إلى أن أفكار إحياء اللغة العربية تولدت لدى قادة الرأى فى مصر مطلع القرن العشرين، ممن لم يسرهم اتساع آثار «الفَرنجَة».

قال المؤرخ الدكتور عاصم الدسوقى، أستاذ التاريخ الحديث بجامعة حلوان، إن «اللغة المصرية القديمة ظلت حية فى بيوت المصريين وأسواقهم، بدءاً من فتح مصر على يد الصحابى عمرو بن العاص، وظلوا حتى القرن الرابع يتكلمون بها، حتى إن المصادر التاريخية أشارت إلى أن الخليفة العباسى الأمين بن هارون الرشيد، حينما جاء إلى القاهرة، تجول فى أسواقها مصطحباً معه مترجماً ليترجم له ما يقوله الناس وينقل عنه كلامه لهم، غير أن اللغة العربية انتشرت بقوة بين المصريين بدءاً من القرن الرابع الهجرى».

وأضاف «الدسوقى» أن «اللغة العربية انتشرت بين المصريين باعتبارها لغة الفاتح، إلا أن ذلك لا يعنى أن الإسلام فُرض بالقوة، عملاً بقوله تعالى: (لا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ)»، وأن ما عزَّز انتشارها هو تعريب الدواوين فى عهد الدولة الأموية، خاصةً فى ولاية عبدالملك بن مروان، فكان الإلمام باللغة العربية مفتاح الحصول على الوظائف فى دواوين الدولة».

{long_qoute_1}

أما المؤرخة الدكتورة نيللى حنا، أستاذ الدراسات العثمانية فى الجامعة الأمريكية بالقاهرة، فقالت إن مسألة ضعف المصريين فى استخدام اللغة العربية منذ القدم مسألة مفهومة، لأن «العربية» كانت لغة أجنبية على المصريين الذين كانوا يتحدثون القبطية واليونانية قبل قدوم عمرو بن العاص إلى مصر.

وأضافت «حنا» أنه «بداية من القرنين السادس والسابع عشر، لاحظت تفضيلاً من جانب المصريين لاستخدام العامية، حيث تم استخدامها فى كثير من الأدبيات التاريخية»، مشيرةً إلى أنه «ليس بالإمكان الحكم على قوة أو ضعف وتدهور اللغة المنطوقة تاريخياً، وأن ما يمكن الحكم عليه هو ما شُوهد مكتوباً فى المخطوطات، والتى تؤكد أن ثمة انتشاراً كبيراً للعامية فى المخاطبات الرسمية آنذاك».

وأشارت «حنا» إلى أنه كانت هناك محاولات علمية لتفسير هذا الانتشار للعامية بين المصريين على حساب اللغة العربية الفصحى، وهذه المحاولات تبلورت فى ثلاثة آراء؛ أولها أن غياب الاهتمام بالتعليم الصحيح كان السبب فى تدهور الفُصحى، وثانيها أن اللغة المكتوبة وصلت إلى المتعلمين فقط ممن يتقنون الحديث والكتابة بها، وأن ما عداهم من غير المتعلمين كانوا يستخدمون العامية، أما الرأى الثالث فكان يرى أن شيوع استخدام العامية كان لسهولتها وبغرض إفهام أكبر عددٍ ممكن من الناس.

وأوضحت «حنا» أن الدواوين فى عهد الدولة العثمانية تأثرت باللغة العامية واستخدمتها، وأن الاتجاه العام قَبِلها، ولم يكن يمانع فى الكتابة بها، منوهة بأن الدولة العثمانية لم يكن لها دور بارز فى التعليم، وكانت المدارس وقفاً على الأمراء وحاشيتهم فقط، حتى تولى محمد على باشا الحكم فى مصر، الذى اهتم بالتعليم وأوفد البعثات إلى أوروبا بعد ذلك.

من جانبه، قال المؤرخ الدكتور عبدالمنعم الجميعى، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة الفيوم، إن «المصريين ظلوا على تعثرهم فى استعمال اللغة العربية حتى عصر الدولة الفاطمية، التى حرص حكامها على نشر العربية والاهتمام بتعليمها».

وأضاف «الجميعى»، الذى أعد دراسة تاريخية ثقافية حملت اسم «حركة الترجمة وتحديث اللغة والثقافة العربية فى مصر خلال القرن التاسع عشر»، أنه فى عهد سلاطين المماليك، الذين امتد حكمهم بين عامى 1250 إلى 1517م، كانت اللغة العربية هى اللغة الرسمية للبلاد، وأن العثمانيين حينما استولوا على حكم مصر والشام جعلوا اللغة التركية هى اللغة الرسمية وشهدت اللغة العربية إهمالاً شديداً فى استخدامها، سواء كان رسمياً أو شعبياً، ما أدى إلى انقطاع واضح بين الناس ولغتهم.

ولفت «الجميعى» إلى أنه بعد إنشاء الجامعة المصرية عام 1908، اتفق على أن تكون لغة التعليم فيها هى اللغة العربية دون سواها، ويرجع ذلك إلى أن قادة الرأى فى مصر رأوا فى ذلك الوقت أن آثار «الفرنجَة» التى أصابت البلاد وصلت إلى اللغة العربية، فلم يعد المصريون يهتمون بها، وكان المثقفون منهم يتفاخرون باستعمال اللغات الأخرى.


مواضيع متعلقة