«صفقة القرن».. واستهداف شمال سيناء

جمال طه

جمال طه

كاتب صحفي

موافقة الإخوان على توطين الفلسطينيين بسيناء كانت مبرراً للدعم الأمريكى الذى مكنهم من حكم مصر، منحوا الجنسية لعشرات الآلاف من الموالين لجناحهم العسكرى «حماس»، وفتحوا الباب على مصراعيه لتجمع إرهابيى العالم بسيناء.. ما لم يمهلهم الشعب والجيش لتنفيذه، هو استفزاز إسرائيل، الذى كان مقدراً له أن يوفر المبرر لاجتياح سيناء، بحجة القضاء على التنظيمات الإرهابية.. مسلحو «حماس» مطعمين بعناصر من حزب الله قاموا باختراق الحدود، ونسفوا المقرات الأمنية ومراكز السلطة فى رفح يناير 2011، قبل التوجه لوادى النطرون لإطلاق سراح عصابة الساعاتى.. الجماعات التكفيرية بسيناء تستكمل المؤامرة، نشطت بمنطقة الأنفاق التى تخترق الحدود، وتمركزت فى رفح الملاصقة لها، فتم إعلانها منطقة عازلة، وتهجير قاطنيها، انتقل الإرهاب غرباً للشيخ زويد والعريش، وتمدد مؤخراً لبئر العبد، ليخلق حالة من التوتر والقلق نتيجة للاختلال الأمنى، وغياب بعض مؤسسات الدولة، خاصة المحاكم والنيابات، وانشغال الشرطة بالمواجهة، تأثرت الخدمات اللازمة للمعيشة، من خطوط مياه، كابلات وأعمدة ضغط عال، أكشاك كهرباء، شبكات محمول، ونقص المواد الغذائية، القذائف العشوائية تسببت فى قتل مئات المدنيين، ناهيك عن استهداف فئات بعينها كـ«المسيحيين، والصوفية..»، فى محاولة لدفع المدنيين للهجرة، وتفريغ المنطقة، استعداداً للقفز عليها، وتوطين الفلسطينيين.

طبول المؤامرة على سيناء قرعتها سلسلة متتالية من المشاريع التى تم طرحها منذ 1954، بدأت بمشروع البروفيسور يتسحاق عيتسيون ودافيد تترسكى لتأسيس لجنة «تأهيل اللاجئين الفلسطينيين»، وتوطينهم بسيناء، على مساحة تصل إلى 12٫000 كم2 بمستطيل رفح/العريش، بحيرة البردويل، بير الحمة، جبل لبنى، وأبوعجيلة، تتنازل عنها مصر، وتقام فيها منشأة لتحلية المياه، وقرى زراعية للتصدير بتكلفة تقدر بنحو مليار دولار، فى المقابل تتنازل إسرائيل عن قرابة 400 كم2 بالنقب، وتخلى المستوطنات بغوش قطيف وغزة.. مقترح دالاس وزير الخارجية الأمريكى 1955، يقوم على عودة بعض اللاجئين إلى وطنهم، وتسكين الباقى فى الدول العربية التى يقيمون فيها، إضافة لتشغيل وتوطين 12.000 أسرة على أراضٍ يتم استصلاحها للزراعة شمال سيناء.. مشروع إيجال آلون وزير الخارجية الإسرائيلى يوليو 1967، تضمن ضم قطاع غزة بسكانه الأصليين إلى إسرائيل، وترحيل لاجئى 1948 من القطاع لتوطينهم فى قرى نموذجية تشيدها إسرائيل بدعم دولى فى الضفة الغربية والعريش التى كانت تحت الاحتلال.. مشروع جولدا مائير رئيسة الحكومة الإسرائيلية نوفمبر 1971، يعرض انسحاباً من بعض أجزاء سيناء المحتلة، على أن يتم نزع سلاحها، مع بقاء البعض الآخر تحت الاحتلال، بعضه لاستغلال إسرائيل، والآخر لتوطين الفلسطينيين.. مشروع يهوشع بن آريه الرئيس السابق للجامعة العبرية «2003» تضمن تنازل مصر عن مساحة تصل لـ1000 كم2 بامتداد الحدود مع غزة، تبدأ من رفح حتى العريش، لإقامة غزة الكبرى، مقابل تنازل إسرائيل لمصر عن منطقة مماثلة بوادى فيران جنوب غرب النقب.. خطة الميجور جنرال جيورا إيلاند رئيس مجلس الأمن القومى الإسرائيلى (2004/2006)، نشرها مركز بيجن للدراسات الاستراتيجية يناير 2010، تعتمد على تنازل مصر عن مساحة محاذية للقطاع تضاعف مساحته ثلاث مرات، لإقامة وطن بديل للفلسطينيين، مقابل تنازل إسرائيل عن مساحة مقابلة من صحراء النقب المحاذية لحدود مصر الجنوبية، وإنشاء ممر تحت السيادة المصرية يربط مصر بالأردن.. كل مشاريع ومقترحات التسوية مبنية على اقتطاع سيناء من السيادة المصرية!!.

إسرائيل تحاول تهيئة العالم لتقبل الخطة؛ النشر الواسع لتقرير الأمم المتحدة للتجارة والتنمية «أونكتاد» 2015، استهدف تعزيز الطروحات المتعلقة بتوسيع قطاع غزة، بالتأكيد على أنه سيكون جاهزاً للانفجار بحلول 2020، إذ يقيم قرابة 2 مليون نسمة على مساحة 360 كم2، وهى أعلى كثافة سكانية فى العالم، وأضعف موارد.. التبجح وصل إلى حد أن القناة الثانية «الرسمية» بالتليفزيون الإسرائيلى عرضت تصريحاً لـ«جيلا جمئيل» الوزيرة الإسرائيلية للمساواة الاجتماعية تؤكد فيه أن «الحل الجذرى للقضية الفلسطينية هو توفير وطن بديل فى سيناء»، وذلك أثناء وجودها بالقاهرة لحضور مؤتمر دولى للمرأة نظمته الأمم المتحدة، بعدها بثت هيئة الإذاعة البريطانية «بى بى سى» وثائق زعمت أن مبارك وافق على توطين فلسطينيى لبنان بمصر، ضمن تسوية شاملة للأزمة، مبارك نفى، وأوضح أن نتنياهو طلب توفير قطعة أرض للفلسطينيين فى سيناء 2010، ضمن مقترح بتبادل الأراضى، لكنه حذره من إعادة طرح الموضوع، حتى لا يشعل حرباً بين الدولتين، والحقيقة أن موقف مبارك هذا كان السبب الرئيسى لقرار أوباما الإطاحة به، ودفع الإخوان للسلطة، بعد التفاهمات التى تمت معهم، وقبولهم لـ«الصفقة»، مقابل 8 مليارات دولار.

مشاريع التسوية المطروحة تعتمد كلها على تبادل الأراضى، وكانت، خاصة مشروعى يهوشع وإيلاند، هى الأساس لما أطلق عليه «صفقة القرن»، وتتلخص فى ضم مستطيل من الأراضى المصرية بشمال سيناء إلى قطاع غزة، يمتد ضلعه الشمالى من حدود القطاع بامتداد الساحل حتى العريش بطول 24 كم، والشرقى من كرم أبوسالم جنوباً لـ30 كم، بمساحة 720 كم2، مقابل مساحة مماثلة بوادى فيران جنوب غرب النقب، ويتنازل الفلسطينيون عن 12% من مساحة الضفة الغربية لإسرائيل «قرابة 720 كم2».. «فوكس نيوز» نقلت عن مصادر بالمخابرات الأمريكية بأن «المستهدف ضم 2000 كم2 للقطاع»، ما يفسر توسيع العمليات الإرهابية لتشمل العريش وبئر العبد، وادعت أن ولى العهد السعودى تعهد بدعم تنفيذ «الصفقة»!! فهل لذلك علاقة بما تضمنه برنامج الملك سلمان لتنمية سيناء من شق طريق يصل بين القناة وصحراء النقب، وإنشاء منطقة حرة شمال سيناء، وبناء محطة عملاقة لتحلية المياه؟!.

عندما تولى ترامب السلطة وعد أبومازن باتفاق تسوية للأزمة، وكلف مستشاره جاريد كوشنير، ومبعوثه الخاص جيسون جرينبلات، وسفيره بتل أبيب ديفيد فريدمان، بتهيئة الظروف الملائمة لتنفيذ «الصفقة» خلال 2018.. إسرائيل اشترطت أن تكون القدس الموحدة عاصمة لها، ما يفسر مسارعة ترامب بإصدار إعلانه المتهور، رغم تحذيرات الخارجية والمخابرات.. كوشنير أكد «أمضينا 7 شهور للتقريب بين الطرفين وركزنا على صفقة القرن، لكننا لن نكشف عنها»!!.. ولافروف صرح بأن تيلرسون ألمح له عن «الصفقة»، دون تفاصيل.. لأنها ببساطة تتضمن استقطاع جزء من وطننا.. الموقف بالمنطقة مرشح للمزيد من التدهور، نتيجة لرعونة ترامب، وانعدام خبرة كوشنير، ونقص تجربة ولى العهد السعودى، وتصوره بأن واشنطن طريقه للعرش.. هذه الحقائق تفسر السقف الزمنى الذى حدده الرئيس السيسى لقطع دابر إرهاب سيناء، خلال ثلاثة شهور، فالخطر بات أقرب إلينا من حبل الوريد.