«القدس».. قضيتنا أم فضيحتنا؟!

سحر الجعارة

سحر الجعارة

كاتب صحفي

فى بداية حياتى المهنية أجريت حواراً مطولاً مع الرئيس الفلسطينى الراحل «أبوعمار»، كنت شابة صغيرة مفعمة بالحماس، كان لدىّ «يقين ما» بأن «القضية ستنتصر». وأتذكر جيداً أن بدنى كان يرتجف مع كل حرف كان ينطق به «أبوعمار»، وأن كلماته المشهورة: «شهيد شهيد» لم تكن «نضال حنجورى». فى هذا الحوار القديم الذى نشرته جريدة «الرأى العام الكويتية» وتناقلته وكالات الأنباء تحدّث «أبوعمار» طويلاً عن شهداء مصر فى فلسطين وعن الدم الذى روى أرض فلسطين المحتلة.

لكن جبروت «عرفات» انهار بعدما قويت شوكة حركة حماس (التى عارضت اتفاقية أوسلو)، وبدأت شعبيتها فى الصعود خصوصاً فى قطاع غزة (بعد الانتفاضة الثانية)، فلم يتحمل طويلاً أن تنهار شعبيته، ويتنازل عن بعض صلاحياته لرئيس الوزراء وقتها «محمود عباس». كان العنف قد بدأ، ولم يعد الدم الفلسطينى حراماً على الفسطينى، وسقط «أيقونة القضية» تحت حصار القوات الإسرائيلية.

كان «عرفات» بمثابة «الهوية» للفلسطينيين، كان عنواناً للقضية وبوصلة لتوجهاتها. وبعدما غاب أصبحت القضية «مدفوعة الأجر»، وصار الوطن ممزقاً بين «حماس وفتح».. فقدت القضية بكارة شعر النضال، وسممت رائحة البارود زهر البنفسح.. حتى صوت «فيروز» أصبح جريحاً وهى تتغنى لـ«زهرة المدائن».. والعرب «صم بكم عمى» لا يسمعون نداء «جوليا بطرس»: «وين الملايين؟»! أصبحت «العروبة» أكذوبة، والدفاع عن مقدساتنا الدينية وهماً شعبياً، وأصبحنا شعوباً مهزومة نفسياً منقسمة على نفسها.. شعوباً ترفع شعار: لقد هرمنا.. وتؤكد كل يوم أنها مجرد «ظاهرة صوتية»!

كانت فلسطين آخر دولة محتلة فى العالم، وتحت راية «نشر الديمقراطية» السوداء، سقطت بغداد، ثم توالى السقوط فى سوريا واليمن وليبيا.. تفتتت الأوطان جميعها إلى «فصائل متناحرة».

وكانت «القضية» تتكسر يوماً بعد يوم فى أبيات الشاعر الراحل «محمود درويش»، وهو يلخص حيرتنا: (لولا الحياء والظلام، لزرت غزة، دون أن أعرف الطريق إلى بيت أبى سفيان الجديد، ولا اسم النبى الجديد!.. ولولا أن محمداً هو خاتم الأنبياء، لصار لكل عصابة نبى، ولكل صحابى ميليشيا)!

وبينما أمة العرب تتناحر للفوز برضا ساكن «البيت الأبيض»، تحول «الشهيد» إلى «إرهابى»، انتزعت منا «حماس» هويتنا، وحولت «غزة» إلى «جارية» فى بلاط من يحكم، تمنح شرفها -دون حياء- لمن يمنح، فـ«الخيانة» هى مفتاح فهم تاريخ العرب! لم تصوب «حماس» سلاحاً ضد إسرائيل، بل صوبته إلى قلوب الفلسطينيين والمصريين، وحولت «أطفال الحجارة» إلى «مرتزقة» فى معسكراتها.

هل يكفى أن ترتدى الغترة الفلسطينية وتتظاهر غضباً فى الميادين العربية، فى بلدان يملك حكامها قطع العلاقات مع أمريكا، أو منع البترول عنها.. حكام يمولون الاقتصاد الأمريكى بالمليارات لكنهم يرتدون «الغترة» أو «الطرحة» مثل الولايا وسيوفهم الذهبية معلقة على الحائط.. منتظرين أن ينتحر الجيش المصرى لتحرير فلسطين.. وهو آخر جيش عربى قادر على الصمود والمواجهة؟!

هل يستريح ضميرك وأنت تسمع بيان جامعة الدول العربية يدعو إلى اتخاذ «موقف حازم وصارم تجاه التجاوز الخطير بحق القدس» بعدما أعلن «ترامب» عن نقل سفارته إلى «القدس» والاعتراف بالقدس عاصمة «أبدية» لإسرائيل، رغم أنك موقن أن العرب أضعف من مواجهة اللوبى الصهيونى- الأمريكى الذى يرفع الكارت الأحمر «الفيتو» فى وجه العرب بعدما حول الأمم المتحدة إلى «منتجع سياحى» وحول «مجلس الأمن» إلى خدعة يؤمن بها الواهمون؟!

أنا لا أختصر فلسطين فى جماعة همجية حولت «المقاومة المسلحة»، وهى حق مشروع، إلى «تنظيم إرهابى».. فلسطين ليست عصابة مأجورة تسمى «حماس» أو «كتائب القسام».. إنها ذاكرتنا الوطنية وجرحنا المفتوح مهما كابرنا.. فلو كان وجه فلسطين تبدّل فنحن أيضاً تحولنا إلى مسخ.. ويعلم «ترامب» جيداً أننا جميعاً «فصائل متناحرة»!

نحن -فى ملعب السياسة- أفضل من يدخل الكرة فى شبكته.. انظر إلى سوريا تجد موقف مصر عكس موقف السعودية!.. انظر إلى اليمن ستجد حرباً «سنية- شيعية».. انظر إلى العراق وليبيا «داعش» تقود البلاد نحو الهلاك باسم الإسلام!

لا تتوقع من «مسخ» أن يقود حركة تحرر وطنى، فالنضال يحتاج إلى «أبطال» وليس أشباه رجال، ونحن أشباح فى واقع عنيد جعل القدس عاصمة إدارية لإسرائيل منذ زمن طويل.

اغضب.. اصرخ.. تظاهر.. احلم بالصلاة فى «المسجد الأقصى».. فالآن هذا أقصى ما تملكه!