لنُقِم الحياة فى سيناء.. دفاعاً عن مصر

«سيناء» معركة مصر، دولة وشعباً. نقطة ومن أول السطر. بعدها أعود بالذاكرة لأوائل التسعينات، حين تولى الدكتور كمال الجنزورى رئاسة الوزراء.. أيامها كنت قد أجريت حواراً مع الأستاذ والمؤرخ يونان لبيب رزق، رحمه الله، فى إطار سلسلة حملت عنوان «طلة على الشارع المصرى» نشرتها فى مجلة «صباح الخير». عقب نشر الحوار جاءت مكالمة من مكتب الدكتور الجنزورى بتحديد موعد للقائه، فى نفس اليوم بعد ساعتين. عندما وصلت إلى مكتب السيد رئيس الوزراء كان الدكتور يونان، رحمه الله، قد سبقنى، ولم يكن من الصعب أن أستنتج أن السبب فى المقابلة هو الحوار الذى أجريته مع الدكتور يونان لبيب. التقانا الدكتور الجنزورى، متعه الله بالصحة والعافية، الدكتور يونان وأنا، كل على حدة، حين جلست إلى السيد رئيس الوزراء، الذى ما زلت أذكر له وداً وتفهماً، كان عتابه منصباً على سؤالين محددين، جاءا بالحوار؛ أحدهما كان متعلقاً بوصف حكومته بأنها حكومة رجال الأعمال، والثانى، وهو ما يرتبط بموضوعنا كان عن تعمير وتنمية سيناء وربط ذلك بأمن مصر القومى. كان المحور الذى جاء فى الحوار فى هذا السياق يرتكز على نوع من الهجرة العكسية، من أرض الواطى إلى سيناء.. يعنى ملء الفراغ بمصريين، من الصعيد وبحرى، بضعة ملايين يقيمون حياة مستمرة ويضربون بجذورهم فى سيناء، كمرتكز دفاعى.. مصر تسلمت سيناء فى أبريل ١٩٨٢، يعنى منذ ما يقرب من أربعة عقود.. الحكومات التى تعاقبت طوال الأربعين عاماً على مصر تتحمل مسئولية ما يحوط سيناء ويحوط مصر من أخطار اليوم.. لم يكن الناس طوال هذه الفترة على دراية حقيقية بالموقف، أو بنوايا التعمير لسيناء.. كان الذى يروج خططاً عن إعمار ظل معلقاً أو حبيساً للأوراق، وإن اتجهت الجهود للبعد التنموى السياحى، وهو أمر ثبت أنه ليس المراد إن أردنا التنمية بالمفهوم الاستباقى أو الدفاعى عن سيناء. اليوم من حق المصريين أن يستشعروا خطراً حقيقياً، فى تلك اللحظة التى تتكالب فيها الضباع. عندما تخرج وزيرة إسرائيلية لتعلن أن سيناء هى الحل المثالى للمشكلة الفلسطينية، لا بد أن نعى أنها ليست المرة الأولى التى يطلق فيها مثل هذا التصريح، بل منذ عام ٢٠٠٩، وأننا لسنا إزاء «حكومة هواة»، وأن رئيس مخابراتهم الأسبق قد قال الكلام نفسه، وأن هناك توطؤاً شبه دولى فى الموضوع، على المصريين أن يعوا وأن يربطوا ما بين كل الخيوط.. ثعابين الإرهاب والرغبة من «المستفيدين» بحل مشكلة الشعب الفلسطينى، على حساب مصر، ومناخ دولى، ليس عنده مانع فى أن يريح نفسه من مشكلة مزمنة بأى وسيلة لا تكلفه. الذى يحمى سيناء الجيش وزرع ملايين من المصريين فى أرضها. البشر هم من يحمون الجغرافيا، وكلنا نذكر الدور الذى لعبه شعب السويس مع جيشهم فى حماية السويس. نعم.. علينا أن نعى الآن قيمة ودلالة «الأنفاق» التى على وشك الافتتاح لتنهى عزلة سيناء، ولكن الأولوية الآن لرؤية تنموية تملأ سيناء بالبشر.. محاور حياة وليس مجرد بنايات.. أعلم أن هناك رفح الجديدة ومدينة شرق بورسعيد وأخيراً بئر العبد الجديدة، لكن هل هذا يكفى؟ لست فى موقع الاختصاص وأتصور أن علماءنا، فى مختلف التخصصات، لا بد أن تضمهم لجنة تضع رؤية استراتيجية، وأخرى متوسطة المدى، وثالثة قريبة المدى لوضع مخططات لها الأسبقية على غيرها لنرى ما يمكن عمله فى ستين ألف كيلومتر مربع من وطننا، تسن لها السكاكين. أتصور أن على الجامعات والنقابات والأندية وكافة المجموعات المصرية أن تصنع جسراً متصلاً إلى هذا الشريط الساحلى المستهدف من سيناء.. عادل إمام أخذ فرقته وراح أسيوط فى التسعينات.. لماذا لا يصبح هذا الجزء المستهدف هو قبلتنا للأنشطة الثقافية والرياضية عن قصد؟ ترميم المستشفى والمدرسة وإيجاد سبل العيش للناس هناك لن يقوم وحده بالمطلوب.. كما أن «الزمن» ليس فى صالح الإيقاع الذى يعلو ويخبو.. ولن ينتظر الضباع خططنا حتى تنتهى بالافتتاح. لنُقِم الحياة فى سيناء من اليوم.. أحد التقارير التى استوقفتنى تقرير أعدته الزميلة دينا الجندى فى برنامج الزميل عمرو أديب «كل يوم».. صور التقرير ليلاً.. الوحشة والخوف ضربت أرامل وسيدات فقدن الأب والأخ والزوج،

وكل ما طلبنه هو الشعور بالأمان.. الأمان لن تحققه فقط قوات الجيش والشرطة، الأمان يحققه ملء الفراغ بالبشر.. لتكن الرؤية:

لن نهجّر المصريين من سيناء.. بل سوف نزرع ملايين من المصريين فى سيناء، سندافع عن مصر بإقامة الحياة المستمرة فى سيناء.