ماذا وراء حادث «بئر العبد»؟!

مصطفى بكرى

مصطفى بكرى

كاتب صحفي

يعقد مجلس النواب صباح اليوم جلسة طارئة لمناقشة الحادث الإرهابى الذى أدى إلى استشهاد وإصابة المئات الذين كانوا يؤدون الصلاة فى أحد مساجد قرية الروضة فى سيناء. ويعلق الكثيرون الآمال على قرارات حاسمة يجب أن يتخذها المجلس، يكون من شأنها منح الصلاحيات الكاملة لرجال القوات المسلحة والشرطة المصرية لاقتلاع الإرهاب من جذوره، وتوجيه الضربات الاستباقية إلى أوكاره وتقديم المتورطين إلى محاكمات عاجلة يكون من شأنها ردع المتآمرين والقصاص منهم. إن الحادث الذى شهده مسجد قرية «الروضة» ليس هو الأول، ولن يكون الأخير، فقد تم الاعتداء بهمجية على العديد من الكنائس والمساجد، والحادث الأخير ليس سوى حلقة جديدة فى إطار هذا المخطط. ويدرك الجميع أن هذه الجرائم، الهدف منها ليس فقط هو ترويع الآمنين داخل بيوت العبادة، وإنما الهدف الحقيقى هو سيادة الفوضى وإحداث حالة من عدم الاستقرار، وصولاً إلى إسقاط الدولة. لقد كشفت المخابرات العامة المصرية مؤخراً عن قضية بالغة الخطورة، كشفت النقاب عن مخطط يجرى الإعداد له منذ عام 2013 -أى بعد نجاح ثورة 30 يونيو مباشرة- بهدف إسقاط الدولة على ثلاث مراحل، هى الإرباك والإنهاك والحسم. وفى إطار هذه الحلقات الثلاثية، هناك مخططات تفصيلية هدفها إنهاك الاقتصاد القومى، وإرباك قوات إنفاذ القانون وتشتيت جهودها وجرها إلى معارك هى أقرب إلى حروب الاستنزاف فى سيناء، ومناطق الواحات ومطروح والصحراء الغربية، وصولاً إلى إحداث الأزمات التى تؤدى إلى نشر الفوضى المجتمعية، يتلوها إسقاط مؤسسات الدولة، الواحدة تلو الأخرى. نعم يدرك الجميع أن مصر عصية على السقوط، وأن لديها جيشها القوى وشرطتها القادرة على الردع ووعى شعبها الحريص على دولته الوطنية؛ لكن كل ذلك لا يمنع المتآمرين من المضى فى مخططاتهم مسلحين فى ذلك بدعم خارجى وأموال تتدفق، ونفوس ضعيفة تنخرط فى هذا المخطط. إن حادث مسجد «الروضة» لا يمكن تفسيره على أنه استهداف من التكفيريين للصوفيين، إن القضية أكبر من ذلك، وهنا يمكن التوقف أمام العديد من الأسباب الحقيقية التى تقف وراء هذا الحادث:

أولاً- إن هذا الحادث الإرهابى يأتى رداً على سقوط تنظيم «داعش» فى كل من العراق وسوريا، وبداية انحساره فى ليبيا، والهدف هو إرسال رسالة إلى الجميع بأن «داعش» ما زال موجوداً، وأنه قادر على إسماع صوته للآخرين على أرض مصر، وهذا كما نرى تعبير عن حالة يأس أكثر من كونه فعلاً حقيقياً لديه القدرة على وضع أقدامه على الأرض.

ثانياً- منذ بدء حركة التنظيم -المدعوم من جماعة الإخوان- على أرض سيناء، كان الهدف هو تكرار النموذج العراقى أو السورى بالاستيلاء على أراضٍ والانطلاق منها، إلا أن التنظيمات الإرهابية فشلت جميعها فى تحقيق موطئ قدم لها على الأرض، وأصبحت مطاردة، بل عجزت خلال الآونة الأخيرة عن القيام بعمليات مشابهة لعملياتها السابقة، خاصة فى مواجهة الارتكازات الأمنية.

ثالثاً- إن العملية الأخيرة تأتى رداً على النجاحات الأمنية التى تحققت، خاصة خلال الآونة الأخيرة، سواء كانت نجاحات سياسية أو أمنية، مما أفسد على جماعة الإخوان والتنظيمات التابعة لها تنفيذ مخطط واسع النطاق، خاصة قبيل الانتخابات الرئاسية المقبلة.

رابعاً: محاولة إثارة الذعر والخوف بين أبناء سيناء بعد أن تم تضييق الخناق على هذه الجماعات، بانضمام عدد من القبائل السيناوية إلى جهود قوات إنفاذ القانون فى مواجهة العناصر الإرهابية. لقد أكد الحادث الأخير، أن العناصر الإرهابية، التى سعت منذ البداية إلى إعلان ما سمى بـ«ولاية سيناء»، باتت الآن فى حالة يأس شاملة، بدليل أنها لم تعد تهتم بالظهير الشعبى الذى كانت ترى فيه ضرورة لاستمرارها، وهو ما عبر عن نفسه بقتل أكثر من 305 شهداء من مواطنى سيناء الذين ينتمون إلى قبيلة السواركة وغيرها من القبائل. لقد ترك الحادث الأخير آثاراً فى النفوس لن يمحوها الزمن، ودفع المترددين إلى حسم مواقفهم، وحشد طاقاتهم لتطهير الأرض من هذه العناصر التى أفسدت فيها تحت دعاوى غريبة، وادعاءات زائفة، ومشروع سياسى، أصبح من المستحيل إعادة إنتاجه مرة أخرى. ولذلك وبعد البيان الذى أصدره «اتحاد القبائل العربية» فى سيناء، بالوقوف جنباً إلى جنب بالمقاتلين إلى جانب الجيش والشرطة، وبعد الخطاب الذى توعد فيه الرئيس السيسى بالثأر، باتت الإجراءات التى تتخذ على أرض سيناء أشد قوة وأكثر حسماً عن أى وقت سابق، وهو ما سماه الرئيس «استخدام القوة الغاشمة» فى مواجهة المعتدين. إن الأيام المقبلة سوف تشهد تطورات مهمة على صعيد الإجراءات الأمنية والتشريعات التى يتوجب إصدارها وكل ذلك يوجب اصطفافاً وطنياً قومياً، ينهى هذا الشتات الذى يظهر بين الحين والآخر، عندما يركز البعض على قضايا هامشية، ويتغاضون عن التحديات الكبرى الخارجية والداخلية التى تواجه الدولة المصرية. أما العالم فهو مطالب بمراجعة مواقفه، خاصة الدول التى لا تزال مواقفها مترددة إزاء الدول التى تدعم الإرهاب وفى مقدمتها قطر وتركيا، وسوف تكشف التحقيقات بالتأكيد عن الأطراف التى لا تزال تدعم هذه الجماعات، بل التى كانت وراء الجريمة الإرهابية الأخيرة. إن مصر -كما أكد الرئيس- لن تهتز ولن تتراجع، وستدافع عن نفسها، بل عن المنطقة والعالم، فى دحر هذا الإرهاب والإجهاز عليه، وهو ما بات قاب قوسين أو أدنى.