دراسة: الطاقة النووية تستطيع تأمين احتياجات البشر من الكهرباء

كتب: سلامة عامر

دراسة: الطاقة النووية تستطيع تأمين احتياجات البشر من الكهرباء

دراسة: الطاقة النووية تستطيع تأمين احتياجات البشر من الكهرباء

بعد انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي "COP23" وتوقيع قادة العالم على اتفاقية باريس للتغير المُناخي عام 2015، انصب تركيز الدول على مناقشة التفاصيل والإجراءات العملية لتنفيذ بنود هذه الاتفاقية في كل دولة على حِدة، مع قيام دول العالم مُجتمِعة بمناقشة الموضوعات المرتبطة بالتحول إلى الاقتصاد منخفض الكربون والسعي لتلبية الطلب العالمي المتزايد على الطاقة في الوقت نفسه.

وهناك حقيقة واضحة تؤكدها هذه الاتفاقية العالمية، تتمثل في ضرورة التوصل لمزيج من الطاقة يلائم التعديلات الجديدة في شكل الإنتاج والاقتصاد، بحيث يُشكّل هذا المزيج أساسا متينا لاقتصاد المستقبل، شريطة ألا يعتمد على البترول والغاز الطبيعي في عمليات التشغيل المعتادة.

ويبرز هنا سؤال منطقي عن ماهية مزيج الطاقة الجديد، الذي يجب أن يتسم بالاستدامة في توفير احتياجات البشر المتزايدة من الطاقة، مع الحفاظ على البيئة في نفس الوقت.

وبينما تبدو مصادر الطاقة المتجددة بديلا طبيعيا للوقود الهيدروكربوني، إلا أنّ معظم تعريفات مصادر الطاقة التي يمكن أن نطلق عليها متجددة تركز على كل من طاقة الرياح والطاقة الشمسية والوقود الحيوي والطاقة المائية، باعتبارها مصادر الطاقة المتجددة الوحيدة، بينما تُهمل هذه التعريفات أو تقلل من شأن الطاقة النووية كمصدر خامس، ورئيسي ضمن مزيج الطاقة المستقبلي.

ويرى معظم خبراء الطاقة أنّ هذه النظرة للطاقة النووية هي نظرة غير عادلة ومضرة بالجهود الرامية، للتحول إلى الاقتصاد منخفض الكربون ومكافحة التغير المناخي، إنّ تحقيق هذين الهدفين الحيويين يجعل من الضروري أن تتكامل الطاقة النووية مع باقي مصادر الطاقة المتجددة، بدلاً من أن يتنافسوا معًا.

يقول الدكتور ياسين إبراهيم، الرئيس الأسبق لهيئة المحطات النووية في مصر، إن هناك العديد من التساؤلات والأقاويل والأفكار المغلوطة التي تثار في الشارع المصري بقصد أو بدون قصد، حول الأضرار والمخاطر الهائلة لاستخدام الطاقة النووية، وتزداد حدة هذه الإدعاءات مع علم المصريين بأنّ مصر تمتلك مقومات الطاقة المتجددة، خاصة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.

ولكن المُروّجين لتلك المقولات سكتوا عن باقي الحقيقة المرتبطة بخصائص الاستهلاك الكهربي والحاجة إلى توافر مصدر كهربي مستدام على مدار الساعة، بحيث تزيد قيمته عن 50% من قيمة الأحمال القصوى، وهو ما لا يتوافر في مصادر الطاقات المتجددة.

إنّ استمرارية الرياح على مدار اليوم وحتى على مدار السنة أو عشرات السنوات ليست منتظمة، وهناك فترات سكون، فما هو البديل لتلك المصادر؟، ليس هناك تعارض أو تنافس بين مصادر الطاقة المختلفة ولكن هناك تكامل.

ونستطيع تحقيق الاستفادة القصوى من مزيج الطاقة بالتكلفة الاقتصادية المناسبة، ولكن هناك حاجة ماسة لتوضيح ونشر تلك الحقائق بشفافية تامة، ودون صراع وهو ما يؤكد الحاجة إلي خطاب إعلامي عاقل وواعي.

وتؤكد البيانات والدراسات الفعلية حقيقة هامة، وهي أنّ الطاقة النووية يجب أن تكون جزءا رئيسيا من مزيج الطاقة في المستقبل، حيث أنها تستطيع تأمين احتياجات البشر المتزايدة من الطاقة الكهربائية دون الاعتماد على الوقود الهيدروكربوني "البترول والغاز الطبيعي".

ففي الورقة العلمية "Burden of Proof" التي أعدتها مجموعة من الباحثين الأستراليين، تحت قيادة الخبير العالمي بن هيرد المدير التنفيذي لمركز أبحاث "Bright New World"، المتخصص في دراسات التغير المناخي، تم رصد 28 سيناريو عالمي مختلف لاستهلاك الطاقة في المستقبل، مع تحديد مستويات أداء بدائل الطاقة المتجددة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية في توفير الطاقة طبقاً لكل سيناريو من هذه السيناريوهات.

وأسفرت هذه الدراسة العالمية عن نتائج مثيرة، حيث أشارت أنّه في ظل السيناريوهات الـ28 التي تم تحليلها، تم رصد نموذجين فقط تمكنت خلالهما الطاقة المتجددة من توفير الحمل الأساسي لفترة لم تتجاوز ساعة، والمقصود هنا بالحمل الأساسي هو الطاقة الحرجة المطلوبة لتشغيل أي نظام اقتصادي، وتجدر الإشارة إلى أنّ النموذجين المشار إليهما لم يأخذا في الاعتبار الطلب المتزايد على الطاقة الكهربائية على مستوى العالم.

إنّ خلاصة هذا التقرير العالمي الهام تشير إلى أنّ مصادر الطاقة المتجددة، على الأقل في المستقبل المنظور، غير قادرة حتى على المستوى النظري من أن تصبح أساساً لمزيج الطاقة في أي اقتصاد.

وهنا لم يتبقى لنا سوى الطاقة النووية، والتي تظل قادرة على إنتاج كهرباء نظيفة ومستقرة ويمكن الاعتماد عليها، بغض النظر عن ظروف الطقس أو أي ظروف خارجية متطرفة، وهو ما يجعل منها البديل الوحيد الهام والمُجدي اقتصاديا للوقود الهيدروكربوني في توفير الحمل الأساسي من الطاقة لتلبية احتياجات البشرية مستقبلا.

ففي المملكة المتحدة، أشارت تقديرات "National Grid" الشبكة الرئيسية للكهرباء في البلاد، أنّه لكي تحقق البلاد هدف الدرجتين المئويتين الذي حددته اتفاقية باريس للتغير المناخي، يجب على المملكة المتحدة إضافة 14.5 جيجاوات من الكهرباء عن طريق إقامة محطات جديدة للطاقة النووية في البلاد بحلول عام 2035، ليصبح هذا السيناريو هو السيناريو الوحيد المتاح لتحقيق هدف خفض الانبعاثات الكربونية.

ويشدد الأستاذ الدكتور محمد السبكي، أستاذ هندسة تخطيط الطاقة بكلية الهندسة جامعة القاهرة، على أهمية إيجاد مزيج الطاقة المثالي من مصادر متعددة، إذ كنا نبحث عن الاستدامة والاتاحة.

إنّ الهدف ليس التنويع في حد ذاته ولكن استدامة مصادر الطاقة هو أهم ما يعنينا في تلك المعادلة.


مواضيع متعلقة