«الخارجة»: معبد «هيبس» شاهد على حكم الفراعنة والفرس والبطالمة والرومان

كتب: شرف غريب

«الخارجة»: معبد «هيبس» شاهد على حكم الفراعنة والفرس والبطالمة والرومان

«الخارجة»: معبد «هيبس» شاهد على حكم الفراعنة والفرس والبطالمة والرومان

معبد هيبس، أحد أهم الكنوز الأثرية بمحافظة الوادى الجديد، و«هيبس» مصطلح يونانى للكلمة الهيروغليفية القديمة «هبت»، التى تعنى المحراث، وقد سُمى المعبد على اسم واحة (هبت) نظراً لخصوبة الأرض كنتيجة لتوافر المياه فى العصور القديمة من خلال العيون المتوافرة، ما يؤكد ازدهار الزراعة قديماً بالمنطقة، حيث كانت سلة غلال مصر، خاصة الصحراء الغربية، هى سلة الغذاء للإمبراطورية الرومانية.

يقول الأثرى محمد حسن، مفتش آثار بمنطقة آثار الخارجة، بمحافظة الوادى الجديد، إن المعبد يقع فى الجزء الشمالى من مدينة الخارجة، وترجع أهمية المعبد إلى أنه الوحيد الباقى من العصر الصاوى الفارسى فى التاريخ المصرى (من 660 إلى 330 ق.م)، كما أنه من أشهر المعابد الموجودة فى الصحراء الغربية، ويمثل العصور المصرية القديمة، بداية من العصر الفرعونى إلى الفارسى والأسرة الصاوية، ثم العصر البطلمى وانتهاء بالعصر الرومانى (اليونانى). وقد كُرس المعبد لعبادة ثالوث طيبة المقدس (آمون وموت وخنسو) الآب آمون وزوجته موت وابنهما الطفل خنسو، وكذلك كُرس لعبادة الثالوث العام (أوزيريس وزوجته إيزيس وابنهما الصقر حورس)، ويضيف محمد حسن أن طول المعبد يبلغ نحو 42 متراً بخلاف البوابات وطريق الكباش، وعرضه نحو 19 متراً ومساحته نحو 798 متراً، وجاءت أحجار معبد هيبس من منطقة جبل المقطم، وأنشأه الملك داريوس الأول عام 510ق. م فى الأسرة 27، وقد بنى المعبد الفرعون أحمس الثانى ورممه داريوس ملك الفرس، الذى حكم مصر فى فترة احتلال فارسى لمصر، وبناه إرضاء لكهنة آمون، حيث إن داريوس جاء خلفاً للملك قمبيز الذى أراد احتلال مصر ولكن كهنة معبد آمون بالواحة أرشدوه عند توجهه لواحة سيوة إلى طريق خطأ فغرق هو وجيشه فى بحر الرمال العظيم ولم يتمكن من غزو مصر، ويوحى أن سلطة الكهنة كانت كبيرة ومؤثرة فى ذلك الوقت فأراد داريوس أن يتقرب منهم فقام ببناء المعبد وترميمه أو قد يكون الملك الفارسى المحتل قد تأثر بعبادة الإله آمون.

{long_qoute_1}

ويشير «حسن» إلى أن المعبد أضيفت له فى العصور اللاحقة للعصر الفارسى إضافات عديدة حتى اكتملت عناصره، وكان ذلك فى الفترة ما بين عام 390 قبل الميلاد إلى عام 69 الميلادى، وأن المعبد يماثل فى تخطيطه تخطيط المعبد المصرى فى الدولة الحديثة (البوابة، طريق الكباش، الفناء المكشوف، صالة الأعمدة الأولى والثانية، ردهة قدس الأقداس، ثم قدس الأقداس)، وهو التخطيـط الذى استمرت عليه المعابد المصرية التى نشأت فى العصرين البطلمى والرومانى، ويبدأ المعبد من الشرق (بالمرسى) وهو عبارة عن ميناء (مرفأ) صغير لاستقبال المراكب التى تحمل البضائع للمعبد والقوارب المقدسة، ويقع على حافة بحيرة قديمة تسمى البحيرة المقدسة، تجمعت مياهها فى منطقة منخفضة بفعل الأمطار والمياه الجوفية وتسريب مياه الزراعات المحيطة، وقد جفت الآن وضحلت، وبعد المرسى نتجه شرقاً فنجد أمامنا عدة بوابات تبدأ (بالبوابة الرومانية) وعليها نص مكتوب باللغة اليونانية القديمة يرجع إلى عصر الإمبراطور الرومانى (جلبا) ويمثل عدداً من التشريعات القانونية والاقتصادية والاجتماعية وبعض الإصلاحات الإدارية وكذلك فرض الضرائب والرسوم وتحصيلها، وهذا النص يسمى نص الستين أو (الستة وستين) لأنه مكون من ستين سطراً تقريباً أو 66 سطراً، وهذا النص غير خاص بالواحة فقط ولكنه تشريع خاص بمصر عامة، حيث طلب الإمبراطور الرومانى فى ذلك الوقت وهو الإمبراطور «جلبا» من حاكم الواحات فى هذه الفترة وهو (تيبريوس يوليوس الكسندر) أن يضع المرسوم (القانون) الذى أصدره فى مكان مميز بارز حتى يمكن رؤيته، فقام الحاكم بإنشاء البوابة الرومانية ونقش عليها لوحة بالخط اللاتينى القديم تمثل نص المرسوم، ومن خلال هذه البوابة نصل إلى (طريق الكباش) الذى شُيد فى العصر البطلمى، وهو طريق صغير للكباش على الجانبين ربما كان عدده 8 كباش، 4 على كل جانب، ويمتد طريق الكباش إلى البوابة الكبرى (البوابة الثانية) أو ما يعرف بالبوابة البطلمية، وكان هذا الطريق يبدأ من المرسى، ولكن تمت إزالة جزء منه لإقامة البوابة الرومانية، وبعد ذلك نتجه إلى (البوابة البطلمية) أو ما يعرف بالبوابة الكبرى، التى بنيت فى العصر البطلمى فى عصر الملك بطليموس الثانى، وتعتبر أكبر هذه البوابات الثلاث وأعلاها، وهذه البوابة تعرضت إلى زلزال كبير هز مصر كلها أواخر القرن 18 منذ نحو ما يقرب من 300 سنة، دمر الجانب الشمالى لهذه البوابة وتهدم أغلبه بالكامل، ولكن تم إعادة بنائه مجدداً بواسطة الأمريكيين الذين اهتموا بتاريخ المعبد فى إصداراتهم الأثرية.

ويؤكد الأثرى محمد حسن أن الجانب الجنوبى بحالة جيدة ويوجد عليه نقش وحيد يمثل تقديم القرابين من الملك إلى المعبودات، ومن خلال هذه البوابة نصل إلى البوابة الثالثة (البوابة الفارسية) التى ترجع إلى العصر الفارسى، وقام ببنائها الملك دارا الأول فى عصر الأسرة 27 عام 500ق. م، ومن خلف البوابة الأخيرة قاعدتان لمسلتين، يليهما (رواق للملكين نختانبو الأول والثانى) من (الأسرة الثلاثين) أو ما يعرف (بالبورتيكو) أى الفناء، وتحيط بهـا أساطـين ذات تيجان نباتية مركبة مختلفة الطراز، تفصل بينها ستائر من الحوائط، وله مدخلان جانبيان من الشمال والجنوب حـتى يسهل على الزوار الدخول، وهذا الفناء مكرر فى أغلب معابد هذه الفترة مثل معبد دندرة، ومن خلال مدخل فى الجانب الشرقى للبورتيكو نصل إلى (بهو الأعمدة الأول) من عصر الملك أخوريس، ويتكون من 12 أسطوانة فى أربعة صفوف، وقد غطيت جدران هذا البهو بطبقتين من كتل الحجر الرملى لكى تتحمل ثقل الأعمدة والحوائط والأساطين من فوقها، ويلى ذلك (بهو الأعمدة الثانى)، وهو قاعة مستعرضة تحتوى على أربع أساطين، بعدها نصل إلى (بهو الأعمدة الثالث) الذى يحتوى على أربع أساطين أيضاً وحول البهو توجد ست حجرات جانبية مقامة على ثلاثة جوانب، منها اثنتان على الجانب الشمالى واثنتان على الجانب الجنوبى وواحدة فى الجانب الغربى، وإلى جنوبها يوجد قدس أقداس، وفى الركن (سلم) يؤدى إلى (هيكل أوزوريس) المقام فوق الحجرات إلى الجنوبية لبـهو الأعمدة الثالث، ومنه إلى (سطح المعبد)، وإلى الشمال من المعبد كانت توجد (كنيسة قديمة) لم يتبق منها إلا بقايا أحجار قليلة وآثار لفتحات فى الحائط الشمالى للمعبد كانت ترتكز عليها أبنية الكنيسة قديماً، وحول المعبد توجد بقايا من الحجر الرملى كان يحيط بالمعبد من ثلاثة جوانب، هى الشمالية والجنوبية والغربية، تهدم ولم يتبق منه إلا أجزاء قليلة الارتفاع كانت تمثل (سور حول المعبد) من الخارج، حيث كانت تشكل أرضيته المرتفعة نسبياً دعامة مع جدران المعبد، وفى الجانب الجنوبى الشرقى يوجد بقايا مبنى صغير قليل الارتفاع يسمى بمبنى (الماميزى) أى بيت الولادة، وخارج المعبد كانت هناك بيوت الكهنة والمخازن والمنشآت الإدارية الخاصة بالمعبد.

ويوضح محمد حسن، مفتش الآثار بالخارجة، أن المعبد يحتوى على مجموعة فريدة من المناظر واللوحات المنقوشة، التى لم تتكرر فى أغلب المعابد المصرية، حيث توجد بالمعبد بعض المناظر النادرة التى لا توجد إلا فى هذا المعبد، منها أن الملك يقدم القرابين والعطايا للآلهة والمعبودات، حيث يضم هذا المعبد مجموعة كبيرة جداً ومتنوعة من المعبودات، على رأسها ثالوث طيبة المقدس، وكذلك ثالوث منف والتاسوع المقدس، وأيضا ثامون الأشمونين، بالإضافة إلى العديد من المعبودات المحلية والخارجية مثل المعبودة السورية (عشتارت) التى عُبدت فى مصر فى فترة من الفترات واتحدت مع المعبودات المصرية، حيث يحتوى قدس أقداس المعبد على ما يقرب من 550 أو 600 معبود، حيث أراد الملك الذى أنشأ المعبد التقرب من أهالى الواحة ومن كهنة المعبد فقام بجمع العديد من المعبودات وتم تصويرها على جدران قدس الأقداس، وأشار «حسن» إلى أن البوابة البطلمية تحتوى على نقش على الحائط الجنوبى للداخل يمثل الملك يقدم القرابين لثالوث طيبة (آمون وموت وخنسو) وكذلك (أتوم وشو وتفنوت)، وعلى جدران البوابة الفارسية توجد العديد من الزخارف والنقوش ذات الألوان الزاهية، وأهمها المنظر المنقوش على الحائط الجنوبى، الذى يمثل الملك داريوس يقدم الماعت رمز العدالة إلى الآلهة (آمون وموت) وأمامهم مائدة القرابين موضوع عليها الورود والبخور وأجود الأطعمة كذلك الخبز المصرى، وعلى اليسار للداخل فى أقصى الطرف الشرقى نجد رسماً للمعبود حورس ناشراً جناحيه الملونين باللون الأزرق المزركش وبجواره كتابة بالهيروغليفى تعنى (حورس المنتمى إلى إدفو المعبود العظيم الذى يخرج فى الأفق)، وعلى الحائط الشمالى يوجد منظر للملك داريوس يقدم نبات الخس رمز الخصوبة فى مصر القديمة إلى المعبود (آمون كا موت اف) أى (آمون ثور أمه) للدلالة على الخصوبة والاستمرار، وعلى سقف البوابة نجد طائر الرخمة (أنثى العقاب) واقفة تنشر جناحيها على اليمين واليسار ويحيط بها نجوم السماء الزرقاء، وتعتبر ألوان هذه البوابة من أجمل ألوان النقوش الواضحة وبحالة جيدة نوعاً ما ولا تزال فى هذا المعبد، وبالفناء الأمامى يوجد نقش بالهيروغليفية على عتب وجدران المداخل الثلاثة للبورتيكو تصف الملك يأمر جميع الداخلين إلى المعبد بضرورة التطهر مرتين، حيث يوجد نقش يمثل فيه الملك ممسكاً بإناء الماء وهو يتدلى منه الماء ويصبه للطهارة، وفى واجهة الفناء أعلى المدخل أمام الداخل للمعبد يوجد منظر لقرص الشمس المجنح يمتد منه جناحان يرمزان للصقر حورس، أحدهما لليمين والآخر لليسار، ويحيط بقرص الشمس من الجانبين حية الكوبرا التى تتجه إلى الشمال ترتدى فوق رأسها التاج الأحمر تاج الشمال (الوجه البحرى)، والتى تتجه إلى الجنوب ترتدى التاج الأبيض تاج الجنوب (الوجه القبلى) أى إن الملك صاحب المعبد قابض على الوجهين، وملك مصر كلها السفلى والعليا، وهذا من خصائص الملك، وأعلى هذا المنظر نجد الكورنيش المصرى الذى يزخرف الحواف العليا للجدران ونجده منتشراً فى أغلب المعابد المصرية.

ويشير محمد حسن إلى أهم منظر فى المعبد وهو الذى يوجد فى أقصى اليمين من الحائط الغربى لصالة الأعمدة الكبرى ذات الاثنى عشر عموداً، وهو عبارة عن نقش بارز منحوت فى الحائط يمثل المعبود (ست) يصرع الثعبان أبوفيس كرمز للشر، حيث كانت المثولوجيا القديمة تصف ست كآلهة للشر فى قصة أوزيريس، حيث إن ست قتل أخاه أوزيريس حقداً عليه من أنه تزوج أخته الجميلة إيزيس وتزوج هو من أخته الأقل جمالاً نفتيس، الأمر الذى دعاه لقتله وتقطيع جثته وتوزيعه فى جميع أنحاء مصر، ما اضطر حورس ابن أوزيريس إلى الأخذ بثأر والده وقتل عمه ست، ومن هنا أصبح حورس يمثل كإله طيب، ويمثل ست كإله شرير، فنفى إلى الصحراء وأصبح يعبد كإله حامٍ للصحراء، ويضيف: «نحن نعلم إذا اجتمع إلهان للشر فى مكان واحد فأحدهما إله خير، ففى هذا المنظر يصور ست كإله طيب مصور بشكل وجه الصقر حورس وجسم الأسد ويمسك بالحربة، حيث يقضى على المعبود أبوفيس الذى يرمز له بالثعبان رمز الشر ويطعنه فى رأسه، وهذا المنظر من المناظر الفريدة التى تصور ست كإله طيب، ونادراً إن وجد هذا المنظر فى أى من المعابد المصرية»، ويوضح «حسن» أن أهم نقوش الصالة المستعرضة ذات الأربعة أعمدة المنظر الموجود على الحائط الشرقى للصالة، الذى يصور الملك يقدم القرابين لتاسوع هليوبليس (أتوم وشو وتفنوت وجب ونوت وإيزيس ونفتيس وست وأوزيريس)، وكل معبود منهم مصور بالشكل الخاص به من حيث الأشياء التى يرتديها وما يمسك به، أما عن صالة الأعمدة الثالثة فتحتوى على العديد من المناظر والنقوش والرسومات الجميلة والهامة، التى تصف تقديم القرابين للآلهة والمعبودات المختلفة، أما عن أهم جزء فى المعبد وهو قدس الأقداس فإننا نلاحظ أن جدرانة الثلاثة مكتظة كلها بأشكال المعبودات المصرية وكذلك غير المصرية، حيث يحتوى قدس الأقداس على أكثر من 600 معبود فى مساحة نحو 8 أمتار مربعة منتظمة فى صفوف طولية من الأرضية إلى السقف المنخفض نسبياً عن باقى أجزاء المعبد، كل صف يحوى مجموعة من الآلهة مصورة بأشكالها الخاصة المعتادة.

إحدى بوابات معبد «هيبس»إحدى بوابات معبد «هيبس»

نقوش فرعونية على جدران معبد «هيبس»


مواضيع متعلقة