عشق: نزار قباني وبلقيس الراوي
- بلاد العرب
- خمس سنوات
- دار نشر
- رئيس العراق
- علم العراق
- قوس قزح
- كتب الشعر
- مهرجان الشعر
- نهر دجلة
- آهات
- بلاد العرب
- خمس سنوات
- دار نشر
- رئيس العراق
- علم العراق
- قوس قزح
- كتب الشعر
- مهرجان الشعر
- نهر دجلة
- آهات
(نزار) الذي دخل قلوب العذارى، دوما دون أي إنذار، (نزار) ربيب الشام وبيوته القديمة حيث الخضرة، ونوافير المياه وقوس قزح الأمطار. ذاك الشاب الأشقر، ذو العينين الملونتين والروح الهائمة، والذي كانت النسوة في الحي، يتتبعن جماله من خلف النوافذ والستائر ويقعن في هوى سحرة الجائر، قد درس الحقوق والحق بالسلك الدبلوماسي، وتزوج من قريبته، وأنجب منها طفلان ثم حدث الطلاق.
ظل دائما وأبدا روحا غجرية هائمة، شاعرة تتغزل بالأنثى وتعضد مواقفها، كانوا يرونه إباحيا وكان هو صادقا متجردا، لا يخبأ رأسه ولا أفكاره، ولا كلماته، كان يملك الشجاعة كلها، كيف لا وقد شهد طفلا انتحار أخته الكبرى، بسبب العشق، كيف لا وقد فطمته أمه في سن السابعة، فتشبع ثقة وحنانا وعطفا وتأثر بحنانها ورعايتها الفائقة، فغدا مشفقا من خلال قَصة أخته وقصص أخرى على حال المرأة والعربية تحديدا، فهجا الرجل وأنّبه وعنّفه من أجلها، من أجل عيون المرأة، ركب خيول وخيال الشعر، فكان شاعر المرأة الأول والأخير وحبيب المرأة وأخوها وأبوها.
العاشقة هي (بلقيس الراوي)، فتاة عراقية تسكن ضفاف نهر دجلة، مع أسرتها المحبة في فيلا صغيرة حميمة.. لكن الفتاة ذات الضفيرتين الشقراوتين كانت تخبئ خلف ذلك الوجة الجميل الهادئ، تمردا وكبرياء وقوة، إذ التحقت وصديقاتها بصفوف المقاومة الفلسطينية، وأبقت الأمر سرا على الجميع.
وفي يوم من الأيام وذاك الدبلوماسي الشاعر الثائر يحيي اُمسية شعرية بالعراق، فإذا بتلك الجميلة البهية الطلّة والنخلة العراقية الباسقة، وللخيال معانقة، تقتحم وجدانه وتحتل قلبه بغرفاته وجدرانه، ويعرف أن اسمها (بلقيس)، اسم ملكي ذو شموخ خاص! وعلى الفور أفرغ كيوبيد سلة سهامه عند أقدامهما!! وتلاقت العينان والقلوب والأرواح، ذاك الطائر الطليق (نزار) وقع أسير شباك أهدابها، تلك البلقيس وتحابا وتحابا وكتب بها أشعارا وقصائدا طوالا وبها تغنى، وقربها تمنى ثم قررا الزواج ولكن..
من عادة العرب، في بلاد العرب وفي كوكب العرب، أنه إذا تغنى الحبيب بمحبوبته حرموه منها وللأبد وبالفعل هذا ما كان، فقد رفض أهل بلقيس الزواج من الشاعر الجرئ ومن الدبلوماسي الرسام العازف والسياسي الثائر، وذهب نزار بعيدا يبكي وحيدا وينثر أحباره وأشعاره على أوراق الدنيا حزنا وغما ثم، جاء السوق العكاظي (مهرجان مربد العراقي) وحضر نزار المهرجان الشعري، وألقى على الملأ غضبه وكلماته:
مرحبا ياعراق، جئت أغنيك
وبعض من الغناء بكاء
أكل الحزن من حشاشة قلبي
والبقايا تقاسمتها النساء
وهنا رق قلب العراق بأسره شعبا وحكومة ودجلة والفرات بكوا مع العاشق الأكبر نزار قباني، حتى أن الرئيس العراقي الراحل أحمد حسن البكر، أرسل وزير الشباب شفيق الكمالي ووكيل وزارة الخارجية لخطبة بلقيس، وتزوجا في عام 1969 ليعيشا بعد ذلك أجمل أيام حياتهما وأنجبا زينب وعمر، ونهلا من كأس الهناء، سعادة لا تنفد، هي وحدها عرفت كيف تسيطر على مارد الشعر والكلمات وتحتمل مزاجه بصخب ضحكاته وآهاته فشهد لها أن ما امرأة اتقنت اللعبة إلا هي واحتملت حماقة 10 أعوام كما احتملت بلقيس ولكن..
كان نزار بعد حرب 67، قد تغير مزاجه وأصبح أشرس وأعنف سياسيا، فكان يهاجم البعث السوري بشراسه، ثم نقل الغضب على كل حكومات العرب وجاء العام 81 وقد استقال تماما من العمل الدبلوماسي، وأسس دار نشر في بيروت، واستقر بها وعملت بلقيس في السفارة العراقية ببيروت.
وفي صباح كان نزار بمكتبه بشارع الحمرا، يعمل ويشرب قهوته واندلع صوت تفجير اعتادته بيروت منذ أزمان، فاهتز قلبه وعلا صوته "استر يا رب"!.
وجاء الخبر أن (بلقيس) فجرت مع مبنى سفارتها، فجرت الحبيبة واستحالت أشلاء وأصبحت السعادة أشلاء والحياة أشلاء وقال العاشق راثيا:
شُكْرَاً لَكُمْ
شُكْرَاً لَكُمْ
فحبيبتي قُتِلَتْ وصارَ بوسْعِكُم
أن تشربوا كأساً على قبرِ الشهيدة
وقصيدتي اغتيلت..
وهَلْ من أُمَّةٍ في الأرضِ..
- إلاَّ نحنُ - تغتالُ القصيدة؟
بلقيسُ..
كانتْ أجملَ المَلِكَاتِ في تاريخ بابِِلْ
بلقيسُ..
كانتْ إذا تمشي..
ترافقُها طواويسٌ..
وتتبعُها أيائِلْ..
بلقيسُ.. يا وَجَعِي..
قتلوكِ يا بلقيسُ ..
أيَّةُ أُمَّةٍ عربيةٍ..
تلكَ التي
تغتالُ أصواتَ البلابِلْ؟
سأقول في التحقيق:
إنَّ اللصَّ أصبحَ يرتدي ثوبَ المُقاتِلْ
وأقول في التحقيق:
إنَّ القائدَ الموهوبَ أصبحَ كالمُقَاوِلْ..
يا زوجتي..
وحبيبتي.. وقصيدتي.. وضياءَ عيني..
قد كنتِ عصفوري الجميلَ..
فكيف هربتِ يا بلقيسُ منّي؟..
بلقيسُ..
وتكفن بلقيس بعلم العراق وفلسطين صانعة بجسدها الممزق، وحدة عربية ويبكيها نزار حياته كلها ويعيش من بعدها خمسة عشرة عاما دون بلقيس، ممضيا آخر خمس سنوات، منهم في (لندن) يكتب الشعر الغاضب ويموت محبا لبلقيس.
يموت نزار جسدا، ويبقى معنى وقيمة، يعلم الحب ويساند المرأة ويدعم حقها وحق البشرية في الوجود بطريقة مثلى، إن براعة (نزار) كشاعر عاشق، لم تأت بسبب علاقات متعددة نسائية وإن صحت المعلومة، بل بسبب رهافة حس وشفافية وحساسية مفرطة، نزار لم يكن عربيد شعر، ولا زنديق، أو زير نساء، نزار كتاب الحب وخمرة العتيق، نزار هو الإنذار والإبحار والإعصار والإمطار المصاحب للحب، عاش العاشق الأبدي نزار قباني.