«مناطق» شمال خليج السويس: تسقيع أراضٍ وإتاوات من المصانع فى غياب الأمن

كتب: محمد أبوضيف وهبة صبيح

«مناطق» شمال خليج السويس: تسقيع أراضٍ وإتاوات من المصانع فى غياب الأمن

«مناطق» شمال خليج السويس: تسقيع أراضٍ وإتاوات من المصانع فى غياب الأمن

غبار محاجر الحجر الجيرى يغطى سماء المكان، كما يطلى أرضه بالبياض، لكنه لا يحجب الرؤية عن المداخن والقباب الحديدية، وبنايات المصانع الضخمة، التى تتراص داخل المنطقة الصناعية بـ«الأدبية»، وتظهر من خلفها الجبال الشاهقة، على طريق «الغردقة- السويس» على مبعدة من مدينة العين السخنة ومينائها.

تقع منطقة الأدبية الصناعية وسط مجمع منطقة شمال خليج السويس الصناعية، وتبلغ المساحة الكلية للمدينة 1057142.4 متر، كما تضم أيضاً منطقة عتاقة الصناعية، ومنطقة البتروكيماويات جنوب خط سوميد، كما تستقر المنطقة الصناعية بشمال عتاقة على مسافة 16 كيلو من ميناء السويس، و17 كيلو من ميناء بورتوفيق، و22 كيلو من ميناء الأدبية.

{long_qoute_1}

منطقة صعبة التضاريس، ينتشر بها محاجر الحجر الجيرى، ورغم ذلك تضج بالكثير من المصانع المتراصة بجانب بعضها البعض، والعمل فيها مستمر دون هوادة، ولكنها تعانى من تردى عام للخدمات والمرافق، وغياب للسيطرة الأمنية، وأزمات متعددة تعيق عملية الاستثمار، وتخلق مناخاً غير صحى للمستثمرين، مما دفع عدداً من المصانع للإغلاق وتسريح العمالة، وتقليص العدد الآخر لخطوط الإنتاج.

المشكلة الأمنية أولى الأزمات التى يعانى منها المستثمرون فى منطقة الأدبية الصناعية، حسبما يقول «محمد عواد»، مدير إدارة بأحد المصانع الكبرى المملوكة لإحدى الشركات الهندية، حيث يسيطر على المدينة العرب والبدو، يصنعون أكشاكاً خشبية على رأس كل شارع بالمدينة، ويجمعون «إتاوات» من أصحاب المصانع مقابل ما يسمونه «الغفرة»، ومن يرفض الدفع يكون الجزاء سرقة مصنعه ومواده الخام، ولا أحد يستطيع الوقوف فى وجوههم.

المصنع الذى يعمل فيه «عواد» يمتلك قطاع أمن يستطيع توفير الحماية الكاملة، ولكن على الرغم من ذلك مجبر على الدفع للبدو: «دول محدش يقدر يقف فى وشهم»، وتبدأ الإتاوات من 2 و3 آلاف جنيه للمصانع الصغيرة و30 ألفاً للمصانع الكبرى والبعض يدفع أكثر من ذلك، ويتهم جهاز مدينة شمال خليج السويس بأنه على علم بما يجرى من البدو ولا يحرك ساكناً، رغم الكثير من الشكاوى من أصحاب المصانع الرافضين لدفع تلك المبالغ شهرياً: «ماشيين بمسدسات ورشاشات فى قلب المدينة ومحدش يقدر يفتح بقه معاهم.. مهازل بتحصل.. ولما نقول للجهاز مشوهم يقول لك نمشيهم إزاى وفين دوركم دور الأمن».

يفاجأ «عواد» كل شهر بدخول أصحاب عربات النقل فى المدينة فى إضراب عن العمل من أجل تعديل عقودهم مع المصانع، والسبب هو عدم استقرار أسعار «الكارتة»، ويستطرد: «كل يوم والتانى سعر جديد للكارتة وملهاش شىء محدد تقدر تمسكه بيه»، هذا إلى جانب الزيادة المتواصلة فى سعر الوقود وعمليات رفع الدعم: «تكلفة النقل بقت عالية جداً». يقول إن هذا ليس كل ما فى الأمر ولكن المنطقة تعانى أيضاً مما تعانيه كل المناطق، الزيادة المتلاحقة فى سعر الصرف، وعدم استقرار سعر العملة، يحمل المستثمرين عبئاً كبيراً، ويرهق العمل الصناعى، وهى أكبر أزمة تعانى منها المصانع.

عمليات إغلاق المصانع، خاصة من جانب المستثمرين من الخارج تتكرر دون هوادة، حسب «عواد»، فإن هناك شركة عملاقة فى المنطقة تسمى «أبيت» متخصصة فى صناعة مواد النسيج، ورأسمالها بالمليارات، وكانت تستهدف الاستثمار فى مصر بميزانية تصل إلى نصف مليار دولار، وأغلقت مصنعها فى مصر بسبب إجراءات التخليص الجمركى، التى توقفت دون سبب، مما أحدث لديهم خسائر ضخمة جداً، فما كان منها إلا أن أغلقت مصنعها القريب من ميناء السخنة ورحلت عن مصر.

«حاتم على»، شاب ثلاثينى، يعمل مدير إدارة فى أحد المصانع الضخمة، يقول إن المدينة كانت تستهدف فى البداية مشروعات الشباب ولكن وضع تخصيص الأراضى الحالى لا يناسب أى مشروع صغير أو شاب يبدأ مشروعه، فكانت فى البداية 70 جنيهاً للمتر، ولكن وصل لـ460 جنيهاً للمتر، وغير متاحة: «إزاى أفتح مشروع وأخش السوق وأوفر عمالة بعد دفع مبلغ كبير بس للأرض»، مشيراً إلى أن هذا السعر لا يناسب إلا عمليات توسع لرجال الأعمال المستثمرين بالفعل، ولكن ليس مناسباً للشباب».

ويطالب «على» بضرورة توفير أراضٍ للشباب بالمنطقة بأسعار مخفضة لكى يستطيع بداية مشروعه، وتختلف كلياً عن الأسعار المخصصة لرجال الأعمال والاستثمارات الضخمة: «شجع الشباب عشان نعمل مشاريع ونشجع عمالة ونوفر فرص عمل وأنا أستفيد والدولة تستفيد.. لكن تشجيع الاستثمار كلام وإعلانات وخلاص». وأشار «على» إلى الكثير من الأراضى التى تنتشر حول المصنع الذى يعمل فيه، ويتم تسقيعها وبيعها للمستثمرين بأضعاف أضعاف السعر المطروح من جانب هيئة التنمية الصناعية: «محدش بيراقب ومحدش بيتابع من الدولة ولا من جهاز التنمية الصناعية والمضطر غصب عنه بيشترى من التاجر اللى بيسقع».

ورغم الأوضاع المتردية للطرق المملوءة بالحفر وغير مؤهلة للنقل، بجانب القمامة المنتشرة حول المصانع، فإن كل مصنع يدفع 6 آلاف جنيه بحد أدنى كل عام، رسوم خدمات، ولا يجد منها «على» والمصنع العامل به أى مردود، مشيراً إلى أن نصف الطريق مرصوف والنصف الآخر متروك، ورصف هذا النصف حينما انتشر خبر عن زيارة الرئيس السيسى للمنطقة، ولكن عندما ألغيت الزيارة تركوا النصف الآخر دون رصف: «فين رئيس الجهاز.. فين المسئولين من هذا الكم من الإهمال؟».


مواضيع متعلقة