بعد استقالة «الحريرى».. لبنان فى مهب الريح
- إجراء الانتخابات البرلمانية
- الاتفاق الإيرانى
- الترتيبات الأمنية
- الجيش السورى
- الجيش اللبنانى
- الحرب الأهلية
- الحرس الثورى
- أخيرة
- أدوار
- أزمة
- إجراء الانتخابات البرلمانية
- الاتفاق الإيرانى
- الترتيبات الأمنية
- الجيش السورى
- الجيش اللبنانى
- الحرب الأهلية
- الحرس الثورى
- أخيرة
- أدوار
- أزمة
يبدو أن قدر لبنان أن يغوص فى أزمة دستورية قانونية بين حين وآخر، أحياناً تأخذ شكل الفراغ الرئاسى لثلاثين شهراً متصلة، كما حدث منذ أن انتهت فترة الولاية الثانية للرئيس ميشال سليمان حتى انتخاب العماد عون، أو تعطل القدرة المؤسساتية والسياسية على إجراء الانتخابات البرلمانية وتأجيلها مرة تلو أخرى، أو تعثر تشكيل الحكومة وفقاً للمعايير الدستورية والاستشارات النيابية التى يجريها رئيس الجمهورية، أو الاستقالة المفاجئة لعدد من أعضاء الحكومة التابعين لـ«حزب الله» وتيار العماد عون 2009، ما شكل نهاية حكومة سعد الحريرى الأولى، أو استقالة صادمة ومفاجئة لرئيس الحكومة ذاته من خارج الحدود، كما حدث مطلع الأسبوع الحالى من قبَل سعد الحريرى مُعللاً إياها بتخلى قوى سياسية رئيسية فى الحكومة وفى الدولة اللبنانية عما اتفق عليه حين تم تشكيل الحكومة قبل أحد عشر شهراً كجزء من تسوية أنهت الفراغ الرئاسى بانتخاب العماد ميشيل عون رئيساً للبلاد وتعيين «الحريرى» رئيساً للحكومة.
ويُذكر أن هذه التسوية تمت وفقاً لمبدأين رئيسيين؛ أولهما أن يتم تحييد لبنان عن المشكلات الإقليمية وفى المقدمة سوريا، وأن يتم العمل ولو تدريجياً على دمج سلاح المقاومة، أى «حزب الله»، فى الجيش اللبنانى وفقاً لاستراتيجية دفاعية يتفق عليها لبنانياً، ومن ثم وحدة القرار الخاص بالحرب وإخضاعه لمؤسسات الدولة. والمبدآن قُصد بهما حل وسط يتيح التوافق بين مكونات سياسية بينها مساحات خلاف عظيمة وجذرية.
استقالة «الحريرى» لا يمكن فهمها بمعزل عن الإطار الإقليمى الذى يشهد بدوره تغيرات جذرية تنبئ بتحولات فى المواقف والترتيبات الأمنية والاستراتيجية. أهم ما فى الإطار الإقليمى الراهن هو التحضير لما بعد القضاء على دولة الخلافة المزعومة وتنظيم الدولة الإسلامية «داعش» فى كل من سوريا والعراق، اللذين يشهدان بدورهما معارك أخيرة فى هذه الحرب. وهنا تبرز مواجهة إيران ومؤيديها وأذرعها الإقليمية كوجهة محتملة بقوة للصراع فى المرحلة المقبلة، رغم صعوبة ذلك وتكلفته العالية.
ما يجرى فى سوريا تاريخياً يؤثر مباشرة على الوضع اللبنانى الداخلى، سواء كان لسوريا حضور عسكرى وأمنى مباشر كما كان الحال فى الفترة ما بعد انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية 1989 إلى 2005 حين خرج الجيش السورى كجزء من تداعيات اغتيال رئيس الحكومة آنذاك رفيق الحريرى. أو سواء كان هذا التأثير السورى من خلال قوى لبنانية يرتبط مصيرها ارتباطاً وثيقاً بما يجرى فى الداخل السورى. «حزب الله» اللبنانى يُعد المثل الصارخ فى هذا الأمر، وهو بدوره المرتبط مصيرياً بالنفوذ الإيرانى الطاغى فى سوريا، ولذا كان طبيعياً أن يقوم «حزب الله» اللبنانى بأدوار مباشرة فى الحرب الأهلية الجارية فى سوريا، كامتداد للنفوذ الإيرانى وبتأثير من الترابط المصيرى التاريخى مع النظام السورى تطبيقاً لما يعتبرونه وحدة المقاومة التى انتصرت على الإرهاب. وفى هذا السياق بدا أن لبنان، أو بالأحرى القوى السياسية اللبنانية المناوئة لـ«حزب الله» والنفوذ الإيرانى وفى مقدمتها تيار المستقبل بزعامة «الحريرى»، والتى تميل طبيعياً للمملكة السعودية المناوئة بدورها للنفوذ الإيرانى والتى تنظر إلى «حزب الله» باعتباره ذراعاً إيرانية يثير الخراب فى المنطقة، بدا أن عليها دفع الثمن للانتصارات السورية المدعومة إيرانياً، ومن ثم تقبل الانصياع للتوجهات الإيرانية لبنانياً وإقليمياً.
فى هذا السياق الإقليمى / الدولى، ووفقاً للأسباب التى وردت فى بيان استقالة «الحريرى»، فإن حكومته صبرت على التدخلات الإيرانية من خلال «حزب الله»، وحاولت قدر الاستطاعة أن تستمر فى تحييد لبنان، ولكنها وصلت إلى طريق مسدود. هنا كان على لبنان أن يتخلى عن عروبته لصالح أن يكون امتداداً مباشراً للنفوذ الإيرانى، والذى عنوانه الأبرز «حزب الله». وهو الخيار الذى لا يستطيع «الحريرى» كرئيس للحكومة أن يمرره أو يقبل به، ليس لأن فيه تهميشاً مباشراً للقوى السنية فى لبنان، ولكن أيضاً لأنه يجعل لبنان فى مرمى العقوبات الأمريكية والضغوط العربية، ويؤدى فى النهاية إلى إضاعة تراث عائلة «الحريرى» السياسى.
ثمة بُعد آخر يتعلق بما يُعرف باستراتيجية الرئيس ترامب المناوئة لإيران، والتى أخذت خطوتين عمليتين؛ أولاهما عدم التصديق على الاتفاق الإيرانى الغربى بشأن برنامج طهران النووى، وإتاحة المجال للكونجرس للنظر فى الاتفاق من أجل تغييره بما يتفق مع رؤية الرئيس ترامب أو رفضه تماماً. أما الخطوة الثانية فهى وضع الحرس الثورى الإيرانى، الذى يخضع مباشرة للمرشد الأعلى، فى قائمة رعاة الإرهاب، فضلاً عن توقيع عقوبات إضافية على إيران وبعض شخصيات سياسية واقتصادية. وجوهر استراتيجية «ترامب» هو التحضير لفوضى فى الداخل الإيرانى ذاته بعد ممارسة ضغوط جبارة على ما يعتبر أذرعها القتالية الفاعلة إقليمياً.
ومعروف أن «حزب الله» موصوم بالإرهاب من قبَل إدارات أمريكية سابقة وما زال، وحين تم تشكيل حكومة «الحريرى»، نوفمبر الماضى، رصدت انتقادات أمريكية باعتبار أن مشاركة «حزب الله» فى الحكومة، وهو الموصوم بالإرهاب، يجعل الحكومة نفسها محل اتهام مباشر، وربما عقوبات أيضاً، وهو ما لم يحدث فى الفترة الماضية حرصاً على استعادة المؤسسية مرة أخرى فى لبنان. ولكن الأمور الآن تبدو مختلفة كثيراً، فالمطلوب هو الحد من النفوذ الإيرانى وتقييد حركة امتداداته الإقليمية، وبالتالى فلن يكون مقبولاً أمريكياً أن يشارك «حزب الله» فى أى حكومة لبنانية جديدة، فى حين من المستحيل عملياً نظراً لتوازن القوى فى الواقع اللبنانى أن يتم تشكيل حكومة جديدة دون مشاركة «حزب الله» وموافقته الكاملة عليها. ولذا فالسؤال الأكثر أهمية للبنان الآن، وفى حالة قُبلت نهائياً استقالة «الحريرى»، وبدأت استشارات لاختيار رئيس حكومة جديد، فمن ذا الذى يجرؤ على تشكيل حكومة ترضى الأمريكيين وحلفاءهم وتكون خالية من أعضاء تابعين لـ«حزب الله»؟ ولو تصورنا حدوث هذا فهل سيقبل البرلمان تلك الحكومة أو سيمررها الرئيس عون، المتحالف هو وتياره الوطنى الحر مع «حزب الله»؟ الإجابة مباشرة من الصعب حدوث هذا، ومن ثم يدخل لبنان مرة أخرى فى حسبة برما سياسية معقدة قد تزداد خطورة إذا حدث تهور أو سوء تقدير إيرانى أو إسرائيلى / أمريكى لخوض معركة عسكرية بهدف هزيمة «حزب الله»، الذى بدوره يتمتع الآن بخبرة قتالية عالية المستوى وترسانة أسلحة وصواريخ بمديات متعددة قادرة على إصابة إسرائيل من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب.