مرور.. مستشفيات.. مدارس.. مصالح حكومية: زحمة يا دنيا زحمة

مرور.. مستشفيات.. مدارس.. مصالح حكومية: زحمة يا دنيا زحمة
- أمن الجيزة
- ازدحام مرورى
- التوك توك
- الصين الشعبية
- القصر العينى
- القضاء العالى
- المناطق المزدحمة
- اليوم الدراسى
- تذاكر المترو
- أحداث
- أمن الجيزة
- ازدحام مرورى
- التوك توك
- الصين الشعبية
- القصر العينى
- القضاء العالى
- المناطق المزدحمة
- اليوم الدراسى
- تذاكر المترو
- أحداث
يمر اليوم وراء الآخر وهو يعمل بنفس مهنته منذ 30 عاماً، يقضى مشاوير الناس من خلال التاكسى، سائقاً فى شوارع المحروسة شاهداً على تغيرات عدة حدثت فى طرقاتها وناسها، ينظر شريف محمد إلى المارة الذين يزدادون بشكل مبالغ فيه، يسرح فى يوم شديد الحرارة وهو فى منتصف طابور سيارات لا يتحرك بسبب شدة الزحام، يخبط كفاً على الآخر وينظر للراكب بجانبه ويردد: «عدد الناس والعربيات بيكتروا والشوارع بتصغر بسبب العربيات اللى راكنة يمين وشمال».
حينما بدأ أول توصيلة كان عدد سكان مصر لا يتخطى الـ50 مليوناً، تمر السنوات وأصبح يدور فى نفس الشوارع، ولكن بين عدد زاد الضعف، ازدحام مرورى شديد يهرب منه مرة، ويتم حصاره مرات: «فين أيام لما كانت الشوارع فاضية؟! دلوقتى لو وقفت عشان زبون الشارع كله يقف، من كتر الزحمة مفيش نفس».
{long_qoute_1}
السيارات تقف فى الشوارع صفاً صفاً، طوابير لا أول لها ولا آخر، يمر الوقت ببطء شديد على «شريف» وما زال فى منتصف الطريق، الأكثر زحاماً فى كل الأوقات يكون من نصيب كوبرى 15 مايو: «بيقف وقفة فظيعة، خاصة للى جاى من كوبرى أكتوبر على وصلة 15 مايو، ومن آخر الزمالك فوق 15 مايو، فى أى وقت زحمة».
أما أزمة كوبرى أكتوبر الكبرى فتبدأ مع المقبل من الدقى متجهاً إلى مدينة نصر، وتصل شدة الازدحام عند مطلع التحرير لأكتوبر: «تانى حاجة منزل رمسيس، ده أنا مرة وقفت على الكوبرى ساعة إلا تلت»، مروراً بالمناطق المزدحمة معظم الوقت التى لا يستطيع الهرب منها: «المطار، قدام جنينة الحيوانات، مديرية أمن الجيزة، وكمان بقى لو معايا طالب جامعى رايح القصر العينى ممكن اقف كتير، على ما ألف وأطلع الكوبرى، وعند دار القضاء العالى ماكانش فىه حد بيركن، دلوقتى بقى صفين عربيات يمين وشمال».
بعد جولة طويلة فى الشوارع المزدحمة، يعود لصعود كوبرى أكتوبر من أجل قضاء مشوار لزبون، ينظر بجانبه مردداً: «كل سنة بلاحظ فرق، الزحمة بتزيد، أنا كنت بتمنى أطلع كوبرى أكتوبر عشان أوصل بدرى، دلوقتى الناس بقيت تظبط مواعيدها على الزحمة، كل واحد عارف هو هيروح فين الساعة كام».
مواقف عدة مر بها بسبب طوابير السيارات، أبكته أحياناً، وأضحكته بسخرية فى مرات أخرى: «عمرى ما أنسى الراجل اللى مات معايا فى العربية، كنت موديه مستشفى الصدر، صلاح سالم كان واقف مش بيتحرك، حاولت أهرب من الزحمة ماعرفتش، الراجل ماستحملش مات»، وغيرها من الأحداث الغريبة كان سببها طوابير السيارات المتراصة بسبب الزحام: «واحد اتأخر على امتحانه ونزل من التاكسى يا عينى خدها جرى من كوبرى الجامعة للجامعة، وواحد تانى نزل ووقّف موتوسيكل معدى عشان يوصل أسرع»، كلها أحداث حُفرت فى ذاكرته، أما عن مستقبل القاهرة فى ظل ازدياد الزحام فيسرح كثيراً وهو فى الطرقات ويردد: «أنا عندى 4 أولاد، لو الأمر فضل على كده بعد 10 سنوات، هيبقوا عايشين فى جراج كبير اسمه القاهرة».
{long_qoute_2}
من التاكسى للتوك توك، لا تختلف طوابير الانتظار كثيراً، أناس يقفون فى صفوف طويلة، وكأنهم متشابكون، يود كل سائق أن ينطلق بعيداً عن ملل الطابور، ليشيعوا الفوضى فى الأرض كالنمل الباحث عن رزقه وسط الزحام، منهم أحمد محمد، الذى يسوق التوك توك فى منطقة فيصل، ملّ الطريق وتعب من الزحام: «مش هلف وهستحمل الزحمة غصب عنى.. يعنى هعمل إيه؟»، يمر العام وراء الآخر ويزداد كرهه لمهنته بسبب ازدياد أعداد البشر: «كل سنة بنزيد، ده أنا بفكر أبيع التوك توك».
مع ميعاد خروج أولاده من المدرسة يذهب بالتوك توك لينقلهم للمنزل، يحاول أن يجدهم من وسط عدد هائل من الطلبة يخرجون بطريقة عشوائية: «عندى 3 عيال، منهم 2 فى مدارس، الفصل فيه 60 طالب وأكتر، ده أنا ببص للعيال وهى خارجة بستغرب من عددهم المهول، بيدرسوا ازاى دول؟».
لا يفكر محمد أحمد فى طفل رابع: «أصرف عليه منين؟، المفروض أكتر من 3 يتمنعوا، أصل لو كل واحد خلف 6 و5 مش هنمشى فى الشوارع، هتبقى خراب».. وهو نفس حال الطوابير أمام شباك تذاكر المترو، وفى مواقف الأوتوبيسات.
طوابير الطلبة لم تكن داخل المدارس وقت الصباح فقط، ولكن بحكم الزحام، ساروا فى طوابير عشوائية بعد انتهاء اليوم الدراسى، منهم مجموعات قرروا الوقوف فى انتظار مواصلات تنتشلهم من زحام الشارع للبيوت، وغيرهم يسيرون فى مسيرات عشوائية قرروا السير على الأقدام من المدرسة للمنزل هرباً من زحام الطريق وعشوائية التكاتك، وبطء المواصلات، وآخرون قرروا «الشعبطة» على المواصلات بسبب عدم وجود مكان بالداخل.
يجرى الطالب وراء «المواصلة»، وبمجرد وقوفها وسط الزحام يقفز بمهارة شديدة وبحركة بهلوانية يجيدها جيداً، تتعلق يداه بالعربة ليفعل مثله مجموعة أخرى ليكوّنوا طابوراً عشوائياً خلف وسيلة المواصلات: «العيال بتعمل كده من الزحمة، مفيش مكان يركبوا وعايزين يروّحوا»، هذا ما قاله «محمد» الطالب بالصف الأول الإعدادى، فيما أكد زميله سيد تامر الذى قرر أن يذهب لبيته سيراً على الأقدام: «مستعجلين والزحمة هتعطلنا لو ركبنا، فقلنا نمشى، ده إحنا بنطلع من المدرسة عددنا كبير أوى هنركب إيه ولا إيه؟».
الزحام الشديد كان سبباً فى إطلاق أهالى بعض المناطق اسم «الصين الشعبية»، على شوارعهم، منها منطقتا دار السلام والطالبية وغيرهما، ففى بعض الأوقات لا تتحمل الشوارع الكم الكبير من المارة بسبب عددهم الكبير. فى أحد شوارع الطالبية هرم، جلس محمود مرتضى أمام محل المنظفات الذى يملكه، حاملاً ابنته الصغرى على يده، وأطفاله الثلاثة يلعبون بجانبه، كان ينظر للزحام والشارع متوقف: «أنا بقالى 30 سنة ساكن فى الصين الشعبية، وكل سنة الحال بيبقى أسوأ، المشكلة عندنا إن محدش بيحسبها قبل ما يخطى أى خطوة»، أعلن «محمود» مقاطعته لأى مشوار حكومى بسبب الطوابير: «كفاية عليا طوابير الشارع، أيوه فيه مشاوير مهمة بس بتخنق من زحمة الطابور». أما «أم مصطفى» فلا تستطيع الهرب من زحام الطوابير، نصيبها الوقوف فى طابور العيش يومياً كل صباح، لتبيعه على فرشتها لتصرف على أولادها الأربعة، فى البداية يكون الطابور منظماً، لكن سرعان ما ترتفع الأيادى ويزيد معها ارتفاع الأصوات، ليصبح طابوراً عشوائياً لا أول له ولا آخر: «الناس عايزة تاكل عيش، عددنا كبير وكله عايز يلحق عشان عياله».