في ذكرى وفاة أحمد شوقي.. شاهد كيف انتقد طه حسين قصيدته عن الفراعنة

في ذكرى وفاة أحمد شوقي.. شاهد كيف انتقد طه حسين قصيدته عن الفراعنة
- أحمد شوقي
- أدب العرب
- أدباء مصر
- أمير الشعراء
- الإسلام دين
- جريدة الأهرام
- جمال شعر
- صباح اليوم
- طه حسين
- عصر الفراعنة
- أحمد شوقي
- أدب العرب
- أدباء مصر
- أمير الشعراء
- الإسلام دين
- جريدة الأهرام
- جمال شعر
- صباح اليوم
- طه حسين
- عصر الفراعنة
في سماء الأدب يسطع الكثير من كبار كتاب وأدباء مصر، لا يزال نورهم يضيء الطريق لمن يخطو أولى خطواته في مشوار الإبداع، تحدثوا فأنصت الجميع، وكتبوا فانبهر بهم كل من قرأ، لكنهم عندما تحدثوا عن بعضهم كان الحديث من نوع آخر، وهذا ما حدث مع عميد الأدب العربي طه حسين، عندما كتب نقده لإحدى قصائد أمير الشعراء أحمد شوقي.
كان أحمد شوقي قد كتب قصيدة "مفاخر الفراعنة"، في جريدة الأهرام بمناسبة اكتشاف مدفن أحد ملوك الفراعنة "توتنخ آمون" عام 1923، وهي القصيدة التي تناولها طه حسين في مقال مفصل عبر فيه عن عدم رضاه عن مستوى القصيدة، لكن بشكل أدبي بارع نقدي نعرض منه بعض الأجزاء.
بدأ عميد الأدب العربي مقاله النقدي موضحا الغرض من الكتابة ومؤكدا على أن أحمد شوقي سيرحب بما فيه، فكتب "لغيري أن يمدح شوقي بلا حساب، أما أنا فلا أريد أن أمدح، ولا أريد أن أذم، وإنما أريد أن أنقد، وأن أوثر القصد في هذا النقد، وأظن أنّ شوقي يؤثر النقد المنصف على الحمد المسرف، وأظن أني أجل شوقي وأكبره بالنقد أكثر من إجلالي إياه بالتقريظ والثناء، فقد شبع شوقي ثناءً وتقريظًا، وأحسبه لم يشبع نقدًا بعد، وليس شوقي -فيما أعلم منه- شرهًا إلى حسن الحديث وطيب القالة، وهو لم ينشئ شعره لذلك، وإنما هو شاعر يحب الشعر للشعر، وينشئ الشعر؛ لأنه يجد في نفسه عواطف يحب أنْ يضعها، وإحساسًا يحب أنْ يذيعه. هو شاعر؛ لأنه يشعر وليس هو بالشاعر لأنه يريد أنْ يتكلم لا أكثر ولا أقل، أنا إذن واثق بأني لن أغُضب شوقي إذا نقدته، وربما أغضبته إذا غلوت في الثناء عليه، على أني لست في حاجة إلى هذه المقدمة الطويلة، فقد لا يسهل علي ولا ييسر لي نقد هذه القصيدة الجميلة التي نشرتها علينا «الأهرام» صباح اليوم".
ثم بدأ طه حسين يتحدث عن القصيدة فقال "إنها قصيدة من قصائد شوقي فيها الكثير الجيد، وليست تخلو من الرديء، ولشوقي -بحمد لله- قصائد أمتن لفظًا، وأرصن أسلوبًا، وأحسن في النفس موقعًا، وأرفع معنى من هذه القصيدة".
ويشير طه حسين لعد رضاه عن القصيدة فيقول "لا أستطيع أنْ أتخذ هذه القصيدة مقياسًا لشاعرية شوقي، وحسن غوصه، وفوزه بالمعنى الجيد، وحسن أدائه في اللفظ الرشيق، لا أستطيع ذلك، وقد قرأت في الشباب شعر شوقي في الشباب، فوجدت في هذه القراءة لذَّة لم أجدها في قراءة شاعر عصري آخر. ليست هذه القصيدة آية من آيات شوقي، وإنما هي قصيدة من قصائده الجيدة، ولعلك إذا أردت أنْ تتلمس مصدر ما في هذه القصيدة من جودة لم تتجاوز شيئًا واحدًا، وهو أنَّ شوقي لم يتكلف في هذه القصيدة لفظًا ولا معنًى، وإنما شعر، وأحس، وجرى قلمه بما أحس وما شعر، وليس هذا بالشيء القليل ولعل هذا هو كل شيء".
وبعد تلك المقدمة بدأ عميد الأدب العربي نقده الذي جاء كالتالي:
"فانظر إليه كيف ابتدأ قصيدته بمناجاة الشمس، فأخذ يسألها ويستوحيها،ويحسن سؤالها واستيحاءها، وأخذت هذه الشمس تجيبه فتحسن الجواب، وتلهمه فتجيد الإلهام:
قِفي يا أُختَ يوشَعَ خَبِّرينا
أَحاديثَ القُرونِ العابِرينا
وقد وقفت أخت يوشع تخبره أحاديث القرون الأولين في أعذب لفظ وأسلسه، وأجمل أسلوب وأرقه دون أنْ تتعسف به أو تثقل عليه، دون أنْ تضل به في هذه القرون القديمة الكثيرة العميقة، التي لا يحصى لها عدٌّ ولا يسبر لها غور.
وقفت أخت يوشع فحدثته، أو قل إنها ألهمته فرد عليها حديثها، أو قل إنها أنابته عنها فتحدث إلى الناس بلسانها، فأحسن الحديث وأجاد الترجمة.
زعموا أنَّ المأمون كان ينشد قول أبي نواس:
ذا امتحن الدنيا لبيب تكشَّفتْ
له عن عدوًّ في ثياب صديقِ
وكان يقول لو أنَّ الدنيا تكلمت فوصفت نفسها لما بلغت ما بلغ هذا الشاعر.
أفتظن أنَّ الشمس لو تكلمت فوصفت ما بينها وبين الحياة من صلة، وألقت على الناس موعظتها الحسنة في غير إسراف ولا غلو، في غير تكلف ولا تعسف كانت تقول أحسن من هذا؟
مَشَيتِ عَلى الشَبابِ شَواظَ نارٍ
وَدُرتِ عَلى المَشيبِ رَحىً طَحونا
تُعينينَ المَوالِدَ وَالمَنايا
وَتَبنينَ الحَياةَ وَتَهدُمينا
فَيا لَكِ هِرَّةً أَكَلَت بَنيها
وَما وَلَدوا وَتَنتَظِرُ الجَنينا
أليس هذا حقٍّ؟! أليس هذا بريئًا من كل سقم لفظي أو معنوي؟! أليس هذا واضحًا يفهمه كل عقل؟! أليس هذا عذبًا يسيغه كل ذوق؟! أليس هذا يسيرًا يسيرًا؟!
أليس هذا عسيرًا؟! ولكن الشاعر أراد أنْ ينتقل من هذه الحكمة البالغة، والعبرة العامة إلى موضوعه الذي عمد إليه، ويخيل إليَّ أنه لم يوفق إلى حسن الانتقال.
أَأُمَّ المالِكينَ بَني أَمونٍ
لِيَهنِكِ أَنَّهُم نَزَعوا أَمونا
لست أدري لِمَ أجدُ شيئًا من الصعوبة في إساغة هذا البيت؟ ويخيَّل إليَّ أنه لو أسيغ لكان عسير الهضم، ولعل مصدر هذا اسم أمون الأعجمي، الذي وقع موقعًا فيه شيء من الحرج في هذه الصفحة العربية النقيَّة، ولعل مصدر هذا بنوع خاص هذا الفعل الغريب الذي تكلفه الشاعر تكلفًا، أو اضطر إليه اضطرارًا وهو «نزعوا»، يستعمله الشاعر بمعنى «أشبهوا» ويمر به القارئ فلا يفهمه، ويضطر إلى أنْ يعطف على هذا الشرح الذي اضطر الشاعر نفسه إلى أنْ يضعه، ولعله كان يستطيع أنْ يجد في سعة اللغة وثروتها مخلصًا من هذا الحرج، وفرجًا من هذا الضيق، فلا يقف ليشرح، ولا يضطر القارئ إلى أنْ يقف فيقرأ الشرح، وهبه أنشد قصيدته إنشادًا، ولم ينشرها في «الأهرام».
أتراه كان ينشد هذا البيت، ثم يقطع الإنشاد ويعمد إلى هذا اللفظ الغريب فيفسره لسامعيه؟! وما لنا نحزن ونحن نستطيع أنْ نسهِّل، وما لنا نعسِّر ونحن قادرون على التيسير.
ولعل الشاعر يعذرني أيضًا إذا لم يعجبني هذا البيت:
وَلِدتِ لَهُ المَآمينَ الدَواهي
وَلَم تَلِدي لَهُ قَطُّ الأَمينا
فلفظ «المآمين» فيه نبو، ولفظ «الدواهي» يبعث الاشمئزاز في النفس، ولفظ «قط» يخلو من كل جمال شعري، والبيت كله غامض برغم هذه الحاشية التي أضافها الشاعر، والبيت كله مخالف للحق؛ فليس من الحق في شيء أنَّ ملوك مصر جميعًا كانوا كالمأمون، وليس من الحق أنه لم يكن بينهم من أشبه الأمين، على أني أبحث عن هذا الشبه فلا أجده، وأكاد أخشى أنْ يكون الشاعر قد ظلم الأمين، كما ظلمه القصاص والرواة".
وبعد جانب كبير من النقد للقصيدة، يذكر عميد الأدب العربي أبياتها الأخيرة بالإيجاب فيقول "فهل ترى أبلغ من هذا البيت في وصف الألم واللوعة لقضاء سينالنا دون أنْ يكون لنا في أمره شيء؟ ولقد أعجزُ العجز كله إنْ أردت أنْ أصف لك جمال هذه القطعة الصافية المتلألئة من قصيدة شوقي. هذه القطعة التي يتحدث فيها الشاعر إلى فرعون فيسأله، ويستنطقه بالحكمة العالية والموعظة الحسنة، ويضع أمامه هذه الألغاز التي عجز العقل والوجدان عن حلها: ألغاز الحياة والموت، ألغاز البعث والنشور، ألغاز الصلات الاجتماعية بين الناس".
ويستمر طه حسين في الإشادة فيكتب عن الأبيات الأخيرة لقصيدة شوقي "ثم ينتقل الشاعر أحسن انتقال، يثب ويخيل إليك أنه يخطو، يثب من عصر الفراعنة إلى العصر الذي نعيش فيه، فتراه شاعرًا مصريٍّا يعيش في هذه السنة، يحس ما نحس، ويشفق مما نشفق منه، يحب الدستور ويكلف به، ويتمنى على صاحب الجلالة في ألذ لفظ وأعذبه، وفي أمتن أسلوب وأصفاه، وفي أشد العبارات تمثيلًا لأصدق العواطف، يتمنى على صاحب الجلالة إصدار الدستور:
زَمانُ الفَردِ يا فِرعَونُ وَلّى
وَدالَت دَولَةُ المُتَجَبِّرينا
وَأَصبَحَتِ الرُعاةُ بِكُلِّ أَرضٍ
عَلى حُكمِ الرَعِيَّةِ نازِلينا
«فؤاد» أجل بالدستور ملكا
وأشرف منك بالإسلام دينا
بنى «الدار» التي لا عز إلا
على جنباتها للمالكين