أول أيام الدراسة
- السنة الأولى
- بيض مسلوق
- جرس الفسحة
- على بابا
- مصروفات دراسة
- أجواء
- أفكار
- أمل
- حكاوينا
- السنة الأولى
- بيض مسلوق
- جرس الفسحة
- على بابا
- مصروفات دراسة
- أجواء
- أفكار
- أمل
- حكاوينا
لم تعد تحفل كثيرا بما بقي لديها من أمارات الأنوثة، شاحبة الوجه ناحلة الجسد، ثدياها ذابلان كأنهما قد ندما على دورتي رضاعة. يكفيها أن اسمها أنثى؛ بل اسمها كذلك "رضا". قنعت بخانة النوع في البطاقة واستعانت على بخل الحياة بما لديها من اسم.
زوجها ينام طريح الفراش منذ شهرين ولا حراك ولا أمل بعد أن وقعت مدخنة مصنع الطوب على العاملين فكان هو أحد الناجين الهالكين. ينام تتجاذبه الأفكار، أنى له بمصروفات دراسة صغيرته التي ستبدأ أول رحلاتها الدراسية اليوم بالصف الأول الابتدائي. وكيف لزوجه البائسة أن تدير تلك الفترة لاسيما كاهلها مثقل بعرفة ابن السنة الأولى.
=اصحي يا بسمة! يالله يا حبيبتي عشان تروحي المدرسة.
-عشان أبقى شاطرة واطلع دكتورة وأكشف على بابا وأجيبلك اللي انتي عايزاه؟
=أيوا يا حبيبتي ربنا يخليكي لنا.
رغم طول أمل الصغيرة فإن البسمة التي ارتسمت على وجه رضا جعلتها قانعة أن هذا لا محالة سيكون في الصباح التالي.
-بس يا ماما الصندل قديم والمريلة دي دايبة من عند الكوع.
=ربنا يسهل وهجيبلك أحسن مريلة.
لم تستغرق رضا في رسم صورة لفتاتها وكيف ستبدو بين رفيقاتها. لربما الجهد الجسدي الذي يبذله الفقراء يطغى قليلا على حصة الفكر من المجهود فلا تتفكر رضا في مثل هذه اللحظات المريرة. حمدا لله أنها لم تفكر.
=ودلوقتي روحي يا حبيبتي وانا هروح الشغل الجديد في المصنع وهجيب فلوس وهجيبلك كل اللي انتي عايزاه.
-بس أنا جعانة عايزة أفطر.
=يالله امشي وبطلي لماضة ولما جرس الفسحة يضرب تعالي البيت هتلاقيني مجهزالك ساندويتش بيض مسلوق م اللي بتحبيه.
وبرجاحة عقل سيدة تستعصي على كثيرات ممن بلغن رشدهن، آثرت بسمة المضي لاستقبال أول أيام دراستها غير عابئة بمظهرها فالحدث في حد ذاته يستحق قدسيةً للفرح.
ودعت رضا زوجها وخرجت تحمل رضيعها وبلغت بابنتها المدرسة. دخلت بسمة لتستشعر تلك الأجواء المهيبة بينما مضت رضا تتوسل في نفسها إلى الجوع ألا يباغت فتاتها ويفتك بها. تضرعت إليه بدموع لم يلحظها أحد أن يصبر عليها أو أن يستثنيها من قائمة ضحاياه اليوم.
دخلت بسمة فصلها وجلست منبوذة في آخر صف تصدح بسعادة مكررة خلف المدرس ألف باء. في اللحظة التي كانت رضا تعبر فيها الطريق مستغرقة في يوم صغيرتها الأول، ليكتب هذا التيه الباغت يوم رضا الأخير هي ورضيعها أمام سيارة طائش.