أصحاب الورش: الحكومة مش سايبانا فى حالنا.. وفواتير الكهرباء تصل إلى 3 آلاف جنيه.. والغلاء أغلق 30 «هنجر حدادة» كانوا فاتحين بيوت
حاجة أصحاب الورش للعمال تمنعهم من الاستغناء عنهم
بعد صراع طويل مع ارتفاع أسعار جميع الخامات، اضطرت ورش كثيرة داخل المنطقة الثانية للمدينة الصناعية بحى الكوثر إلى إغلاق أبوابها، فيما جلس أصحاب ورش أخرى على أبوابها انتظاراً لوصول الزبائن بعد الاستغناء عن غالبية الصنايعية والعمال داخل ورشهم نتيجة وقف الحال الذى أصاب الجميع، منتظرين المستقبل المُظلم.
مصطفى هرماس، 42 عاماً، من الصوامعة شرق، يمتلك ورشة لتصنيع الرخام بالمحاجر، فى المنطقة الثانية من المدينة الصناعية بالكوثر، يقول إنه كصاحب ورشة يخدم فى الأساس المصانع الكبيرة، ويحصل على الطاولات الرخامية ويصنعها، وعن المشاكل التى يعانى منها يقول «هرماس»: «عندنا مشكلة كبيرة فى الكهرباء والمياه، وبيجيلنا فواتير بالألفين والتلاتة وإحنا ما استخدمناش بألف جنيه أصلاً، وتروح تسأل الموظف يقول أنا مالى أنا معرفش حاجة، وتطلب منهم هناك فى الشبكة تقسط يقولوا مفيش أقساط ويا تدفع يا نشيل عنك التيار نهائى، ويبعتوا إنذار بعدها على طول».
وأكد «هرماس» أنه يعانى مع الحى كثيراً، وتحدث العديد من المناوشات بين الطرفين نتيجة وضعه للبضاعة خارج الورشة، قائلاً: «الحى مزنق معانا جامد وبيقولوا شيل من هنا ومتحطش حاجة هنا، والدنيا واقفة وعايزين نشتغل ونعرض الشغل بتاعنا، لأن الخامة بتاعتنا دى تقيلة، ومينفعش إننا نشيلها جوه الورشة ومعايا عمال كمان جوه الورشة»، موضحاً أن مجلس حى الكوثر أقام العديد من المحاضر، ووصل بعضها للنيابة والمحاكم، واضطر إلى توكيل محامٍ بمبالغ كبيرة، وكل ذلك نتيجة عدم موافقتهم على وضع البضاعة بالخارج.
يستكمل «هرماس» حديثه قائلاً: «الحى سامح لى بس بـ3 أمتار خارج المبنى نفسه، وده طبعاً مينفعش معايا خالص والخامة اللى عندى مينفعش أشيلها فى 3 متر خالص، لأنها تحتاج أكتر من كده ولو خالفتهم بيتعمل لى محضر أقل غرامة فيه 20 ألف جنيه، واتعمل معانا أكتر من مرة وبنعمل تصالحات مع الحى والمحكمة عشان نقلل قيمة الغرامة، ومحدش بيساعدنا خالص».
«مدحت»: الدنيا زنقت معايا لحد ما بقى عندى صنايعى واحد فى الورشة.. «على»: بنقعد بالأسبوع من غير شغل والزبون بيسأل عن السعر ويمشى.. و«هرماس»: كل واحد شغال فى الكوثر هيلاقى مراته سايبة له البيت.. و«رزق»: ركود كامل أصاب الورش داخل المدينة الصناعية والزبائن أوقفوا العمل معنا ووصلنا لـ5 عمال
وعن ارتفاع أسعار الخامات يؤكد «هرماس» أن ارتفاع الخامات أمر ليس بيديه التحكم فيه، وأن الأسعار أصبحت ترتفع أكثر من 50% فى فترات قليلة، متابعاً: «الزبون مبقاش قادر يتحمل حاجة، وكل السوق واقف وفيه أكتر من 30 هنجر هنا قافلين بسبب ارتفاع الأسعار، ومعظمهم ورش حدادة، لأن الباب اللى كان بـ500 جنيه دلوقتى وصل سعره أكتر من ألفين جنيه، وكل هنجر هنا كان فيه على الأقل 5 أفراد فاتحين بيوت، وكل دول الدنيا اتسدت فى وشهم وهيطلعوا يسرقوا».
ويشير «هرماس» إلى أن لديه 6 عمال و3 صنايعية، أقل واحد يومية فيهم 90 جنيه، والصنايعى يحصل على 130 جنيه فى اليوم، مضيفاً: «دول جايين الصبح عشان ياخدوا اليومية بتاعتهم سواء اشتغلوا أو لأ، ولو حسبنا مقدار الشغل على حساب العمال هتلاقى الورشة قفلت خالص، وأنا مقدرش أقلل من عدد العمالة وأنا مجبر على كده، لأن أنا مثلاً عندى ماكينة بيشتغل عليها 3 مينفعش أوقف عليها 2 خالص لأنها كده هتقف خالص، وخلاص كلها شهور قليلة وهتلاقى الكوثر كلها قفلت».
ويؤكد صاحب ورشة الرخام أن المواد الخام زادت بشكل كبير، ومتر الرخام الذى كان سعره 30 جنيهاً، اليوم وصل سعره 50 جنيهاً، وهو ما زال خاماً لم يُصنع، أما سعر متر الرخام الذى كان يبيعه بـ40 جنيهاً فوصل حالياً لـ80 جنيهاً وأصبح يحصل على 5 جنيهات عن كل متر، مضيفاً: «كان لازم نعمل كده عشان نمشّى الحال الواقف ده، ده كل حاجة اترفعت فوق دماغنا ومفيش حاجة مجزية قصادها، وفعلاً بعد الزيادات دى لو كان عندى 20 زبون دلوقتى بقوا 5 بس، واللى كان بيشطب أدوار بقى دلوقتى بيشطب دور واحد، دلوقتى اللى جاى مبقاش مكفى اللى رايح زى الأكل والشرب والمصاريف، وفى الفترة اللى جاية ممكن اللى شغال فى الكوثر يلاقى مراته واخدة العيال وماشية على بيت أبوها، عشان المعيشة بقت صعبة»، يصمت «الهلالى» برهة ثم يختتم حديثه قائلاً: «الدنيا زنقت جامد عليا، لحد ما خليتنى أفكر فى السرقة عشان ناكل ونشرب، لكن اللى وقفنى إنى ماليش فى الكلام ده».
مدحت فوزى، 48 عاماً، يمتلك ورشة تصنيع أخشاب منذ 8 سنوات، يقول: «شغلى معتمد على الخشب اللى هييجى لى من زبون عايزنى أقصه وأشكله، وياخده هو يجهزه بعد كده، وكان قبل ارتفاع الأسعار كانت الزباين اللى بتيجى لى كتير وكان الشغل بكميات كبيرة، لكن الأسعار لما زادت خلت الشغل ريّح خالص»، مؤكداً أن لديه الكثير من المصاريف مثل إيجار الورشة والكهرباء ومستلزمات الخامات والتأمينات والضرائب، وأنه أصبح لا يستطيع تغطية تلك التكاليف.
وأوضح «مدحت» أن متر الخشب كان سعره يتراوح بين 1900 و2400 جنيه، لكن حالياً سعره وصل لـ6400 جنيه، فى فترة أقل من سنة، مضيفاً: «أنا عندى عامل واحد بس شغال عندى فى الورشة دلوقتى، وكان عندى قبل كده 5 عمال، والدنيا فضلت تزنق معايا لحد ما فضلت أستغنى عن واحد ورا واحد لأنى مش قادر أغطى مصاريفهم ولا مصاريف الورشة، وهجيب لهم منين مفيش فلوس ولا شغل بييجى، ولا أنا كصاحب ورشة هقدر أظلمهم معايا ولا هقدر أظلم نفسى، ومكانش قدامى غير كده، والعامل نفسه لما بيلاقى الشغل بدأ يزنق أو مش جايب همه بيمشى من نفسه».
ويؤكد «مدحت» أنه فكر كثيراً فى غلق ورشته مع كل تضييق يشعر به فى العمل، ولكنه لم يستطِع فعل ذلك لما عليه من التزامات تجاه بيته وأولاده، وأنه استغنى عن الكثير من احتياجاته مقابل أن تظل الورشة مفتوحة، وعن غلق بعض الورش يقول «مدحت»: «الأيام دى شديدة علينا أوى، ده فيه ورش كتيرة هنا قفلت بسبب ارتفاع أسعار الخامات بنسب مش قليلة، وفضل الواحد منهم يستحمل كتير لحد ما وصل لمرحلة إنهم لازم يقفلوا الورش، وكل اللى جاى بقى على قد اللى رايح، والعامل بيشتغل على حسب مزاجه، وعشان كمان إحنا هنا فى منطقة صناعية بيدوس على صاحب الورشة أكتر، لأن الشغل فى وسط البلد بالنسبة له أفضل من هنا 100 مرة، لأنه قريب من بيته ويقدر يروّح يتغدى فى بيته، لكن هنا إحنا ملتزمين بأكله وشربه ومواصلاته»، موضحاً أنه لا يستطيع الحصول على قرض من البنك لأنه لا يضمن السوق بعد ذلك وتسديد الأقساط.
محمد على، 27 عاماً، يمتلك ورشة لتشكيل المعادن منذ 4 سنوات، يؤكد أن الأزمة التى يواجهها فى ارتفاع أسعار الخامات، وأن الأسعار زادت بنسبة 120%، وسعر كيلو الحديد ارتفع من 6 جنيهات لـ14 جنيهاً للكيلو الواحد، قائلاً: «الشغل الأول كان كتير وارتفاع الأسعار هو اللى وقف حالنا فى الورش هنا، ده الورشة الأول كان بيبقى واقف فيها أكتر من صنايعى لكن دلوقتى مفيش غيرى اللى قاعد فيها لوحدى، ولو حبيت أجيب حد معايا يشتغل فى الورشة بشوف حد معرفة أو قريبى، عشان لو مشتغلتش مابقاش مكسوف منه ويستحملنى».
ويوضح «على» أن تكلفة الباب الحديدى كانت ألف جنيه، وبعد ارتفاع الأسعار وصلت تكلفة نفس الباب 3 آلاف جنيه، وسلك اللحام ارتفع من 40 جنيهاً لـ85 جنيهاً ثمن العلبة وزن 4 كيلو، قائلاً: «لو الصاروخ اللى بقطع بيه الحديد عطل أو باظ، سعره ده كمان وصل من 500 جنيه لحد ألفين جنيه، ومبقاش عندى فى الورشة غير صاروخ واحد بس اللى شغال، لو باظ هفكر أستلف ماكينة من واحد معرفة».
ويشير «على» إلى أن هناك مصاريف زادت من أعبائه كالكهرباء والتأمينات ونظافة وضرائب بالإضافة إلى إيجار الورشة، مضيفاً: «دلوقتى التأمينات فى الشهر على العامل الواحد 200 جنيه، وبعد المصاريف دى كلها ممكن فى آخر الشهر بقى أشوف اللى معايا هيكفينى فى الأكل والشرب ولا لأ».
وعن الفترة الحالية التى يمر بها أصحاب الورش داخل المدينة الصناعية يقول «على»: «دى أكتر فترة صعبة مرينا بيها لحد ما وصل بينا الحال إننا ممكن نقعد أسبوع من غير شغل، لأن الزبون لما بيجى ويسأل ويلاقى السعر مرتفع بيمشى، وأنا متجوز عندى 4 عيال ومصاريفهم كتيرة ومعايا أبويا وأمى وإخواتى والورشة دى اللى بتصرف علينا كلنا».
رزق أحمد، 33 سنة، صاحب ورشة لتصنيع الرخام والجرانيت يقول: «الحال واقف، ده إحنا أصلاً بنبقى على الأقل 6 قاعدين فى الورشة، لكن أنا أهو قاعد لوحدى فيها، وعندى فى الورشة 3 ماكينات دلوقتى بقت بتشتغل فى الفترة دى يومين أو تلاتة بالكتير فى الأسبوع كله، ده كنا الأول بنشتغل ورديتين فى اليوم».
وعن طبيعة العمل الذى يقوم به فى ورشته يقول «رزق»: «إحنا بنتعامل مع الحكومة مثلاً وبنكون متفقين على أسعار لمدة سنتين قدام، وإحنا فى نص المشروع مثلاً نلاقى الأسعار زادت، ومنقدرش نرفعها لأننا ماضيين عقود وبنتحمل إحنا فارق السعر، لأننا منقدرش نلغى عشان سمعتنا متنضربش»، موضحاً أن أسعار الخامات أثرت عليه كثيراً، وأن سعر متر الرخام الإيطالى المسطح كان بـ600 جنيه، ووصل حالياً المتر منه 1200 جنيه، ونسبة الهدر فى المتر 50 جنيهاً بسبب الماكينات، ومتر الرخام العادى الذى يبيعه للمصنع كان سعره 65 جنيهاً لكن حالياً وصل 100 جنيه.
وأوضح «رزق» أن ركوداً كاملاً أصاب الورش داخل المدينة الصناعية، وأن الزبائن الذين كان يتعامل معهم أوقفوا عملهم لحين وضوح الرؤية فى الفترة المقبلة، متابعاً: «الورشة دى كنا فيها حوالى 10 عمال، وكنا شغالين على الوحدات الصحية والمدارس ومكاتب البريد، لكن دلوقتى كل ده اتوقف من بعد الثورة، ودلوقتى وصلنا لـ5 عمال بس بييجوا هما بس لما يكون فيه شغل لزبون وببلغهم قبلها بيوم فى التليفون لكن غير كده بقعد أنا فى الورشة لوحدى، وممكن 4 أيام ورا بعض من غير أى شغل فى الورشة».
وعن المصاريف الكثيرة التى يتحملها صاحب الورشة، يقول «رزق»: «مصاريف كتيرة فوق دماغى، زى الكهرباء والمياه والإيجار والتأمينات للعمال ده غير الضرائب الكتيرة منها الضرايب العقارية والمبيعات، ودلوقتى خلاص معظم الورش قفلت ومش هتلاقى مثلاً فى الصف بتاعى ده غير 3 بس فاتحين، بسبب ارتفاع أسعار الخامات».