«هردبيسة» طريق السويس

أمينة خيرى

أمينة خيرى

كاتب صحفي

بدأ العام الدراسى الجديد.. ومعه يتفجر المزيد من فوضى الطرق العارمة وهردبيسة المرور القاهرة. وقد اعتاد المصريون مع مطلع كل عام دراسى جديد أن يهل عليهم وزراء المجموعة التعليمية بتوليفة منتقاة من التصريحات والتأكيدات والتحذيرات التى بات يعرفها كل مصرى.

«لا زيادة فى مصروفات المدارس»، «لا ارتفاع فى أسعار الكتب»، «توافر الكتب فى المدارس مع بداية الدراسة»، «جهود للقضاء على آفة الدروس الخصوصية»، «طلاء واجهات المدارس الرسمية»، «توفير مقاعد وطاولات للطلاب والطالبات»، «وجبات مدرسية فى المناطق الأكثر احتياجاً»، إلى آخر التصريحات المعروفة. صحيح أن العام الدراسى الحالى شهد تجديداً حيث حكاية تحية العلم فى اليوم الأول من الدراسة الجامعية، لكن تظل الأجواء شبه متطابقة.

لكن من التطابق ما قتل، وقتل الأرواح البريئة على الطرق دون داعٍ أمر مبكٍ وموجع. ولنأخذ طريق السويس نموذجاً لغيره العشرات من الطرق الرهيبة فى مصر. الطريق الذى لم يعد طريقاً صحراوياً فقط، أو مرتعاً لسيارات النقل والمقطورات فقط، أصبح طريقاً تسلكه الملايين من السكان والعاملين فى القاهرة الجديدة والرحاب ومدينتى والشروق وبدر وما بينها من تجمعات سكانية متنامية. هذا التنامى فى عدد السكان صحبه تنامٍ فى عدد المتمكنين من مركبات تسير على ثمانى وست وأربع وثلاث واثنتين. وأقول بكل راحة وثقة وصدق أن نسبة كبيرة جداً ممن تجلس خلف مقودات السيارات إما تتعامل مع القيادة باعتبارها استعراض عضلات، أو مجالاً لفش الخلق والتنفيس عن الغضب، أو مرتعاً للبلطجة وقلة الأدب. نسبة أخرى أقل عدداً تعتقد أن ما القيادة إلا دوسة بنزين وخبطة فرامل وغرز ومقصات بين السيارات. هؤلاء يعتبرون الخطوط المرسومة على الأرض لتحديد الحارات والسماح باجتياز السيارات هنا ومنعه هناك ولافتات تحديد السرعات.. إلخ، مجرد شخبطة على الطريق لا تعنى شيئاً. وهم يعتبرون أن الملتزمين بالسير فى الحارات وعدم تجاوز السرعات المقررة والامتناع عن الإتيان بحركات بهلوانية، فئة ضعيفة من البشر تستحق الهرس والدهس، وإن لم يتيسر ذلك فتلقين درس عبر التهويش باحتكاك السيارات بعضها ببعض.

وبعض ممن نجدهم على طريق السويس القاتل يرى فى نفسه ومركبته الأهلية للتداخل مع الباقين فى الماراثون الدائرة رحاه على الطريق. ومن هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر، الدراجات النارية منزوعة الأرقام، والترويسيكلات غير المرخصة أصلاً، وسيارات ملاكى تفتق ذهن أصحابها عن طمس رقم أو حرف أو حرفين من لوحة الأرقام على سبيل التمويه، وربما نزع اللوحة برمتها، ناهيك عن حمير -نعم حمير يركبها نساء وأطفال- لا تجد حرجاً فى اتخاذ قرار عبور طريق السويس وقتما تقرر!!

ويزيد من طين الطريق بلة العام الدراسى الجديد، حيث أعداد كبيرة من طلاب الجامعات الخاصة الكثيرة يستخدمون سياراتهم للوصول إلى كلياتهم، وما ينطوى عليه ذلك أحياناً من حتمية السباق والرذالة والمنافسة، محولين الطريق إلى حلبة سباق رغم أنف الجميع. وينضم إلى المنظومة المرورية باصات مئات المدارس التى لا يتوانى بعض قائديها عن الطيران بمركباتهم وما تحويه من فلذات الأكباد ودون أدنى مراعاة أو مراقبة لقواعد سير الباصات المدرسية.

وبين الباصات المدرسية والفوضى المرورية العارمة التى يعرفها ويعيها كل مستخدم للطريق، تقف إدارة المرور (فى نظرى) موقف المتهم. أرى عناصر من إدارة المرور فى أوقات بعينها لتيسير حركة المرور فى أوقات بعينها. بعدها وقبلها تترك الأمور كاملة فى أيادى المواطنين الشرفاء ليفعلوا ويأتوا بما يتراءى لهم من تصرفات وسلوكيات ودروب مختلفة من ضرب عرض الحائط بالقوانين. وفى هذه الساعات الطويلة من الحريات الكاملة ترفع إدارة المرور شعار «اصطفيوا مع بعضكم». سرعات مهولة لا يتحكم فيها رادار، سباقات جنونية لا تردعها مخالفة، مركبات لا تصلح للسير فى داخل الحقول الزراعية فما بالك بالطرق السريعة، بهائم يركبها أطفال هائمة على وجوهها، وعقول تتعامل مع الطرق باعتبارها أرض معركة «يا قاتل يا مقتول».

القتل الناجم عن حوادث طرق تحدث بسبب غيبوبة قوانين المرور وغياب القائمين على أمر إدارة المرور فى رقبة الحكومة، أى حكومة! والتعامل مع الوضع المزرى الراهن على طريق السويس -الذى يكثر أقرانه فى بقية الطرق من دائرى ومحور وغيرهما- باعتبار أن كله تمام لمجرد أن حركة تشييد للطرق وتوسعة لها وبناء كبارى وغيرها من الخدمات تسير على قدم وساق، وما توسعة الطريق بينما قادة السيارات المجانين أحرار طلقاء إلا وبال على الجميع، لأن السائق المجنون بدلاً من أن يرتع طولاً وعرضاً فى ثلاث حارات يرتع فى أربع وخمس حارات، سافكاً المزيد من الدماء وضارباً بالمزيد من القوانين عرض الحائط.

حوائط العديد من المدارس تحمل صوراً لأطفال قضوا فى حوادث مرورية ما كان لها أن تحدث لو كان تطبيق القانون حياً يرزق، ولو كان المخطئ يعاقب. لكن واقع الحال يشير إلى أن العقاب هو من نصيب القلة القليلة الملتزمة بقواعد المرور وقوانينه. فهؤلاء يُشتَمون على الطريق، ويروعون، ويجدون أنفسهم مسئولين مسئولية شخصية عن سلامتهم وسلامة أسرهم واتقاء شرور من حولهم.

ولو كان الحل فى خصخصة إدارة المرور، أو الاستعانة بخبرات من سبقونا فى جعل طرقهم أكثر أمناً وبلدانهم أكثر احتراماً للقوانين عبر تطبيقها وعقاب المخطئ عقاباً لا مجال فيه لمبدأ «معلش النوبة» أو «أصله طلع فلان بيه ابن عم ترتان باشا» فلنفعل دون أدنى تردد. أرواحنا وأرواح أطفال المدارس وطلاب الجامعات فى رقبة إدارة مرفوعة موقتاً عن العمل!