بالصور| هدم قصر «لورانس داريل».. ذاكرة الإسكندرية تخسر معركة جديدة

بالصور| هدم قصر «لورانس داريل».. ذاكرة الإسكندرية تخسر معركة جديدة
عام 1945، شد الكاتب الإنجليزي لورانس داريل الرحال إلى الإسكندرية، بعد 33 عاما قضاها متنقلا بين البلاد، منذ مولده على حدود الهند، ومروره بباريس وأثينا وجزر كوفو وكريت ورودس باليونان، ثم قبرص.
رحلات حافلة بالعمل والكتابة، أنجز «داريل» فيها الكثير وتعرف فيها إلى كتاب بارزين كـ«هنري ميلر» و«ت إس إليوت»، قبل أن تحضنه الإسكندرية ليبدأ فصلا مميزا من حياته فالمدينة الساحلية الفاتنة قادته لترشيحات جائزة «نوبل» في الأدب.
كانت إسكندرية الأربعينيات، التي احتضنت «داريل» مدينة تعج بالأعراق والجنسيات، إنجليز بحكم الاحتلال، يونانيون وشوام بحكم القرب الجغرافي عن طريق «المتوسط»، أفارقة بحكم العمل، وإيطاليون وسويسريون يتمتعون بجمال المدينة التي كانت تحظى بسمعة عالمية في تلك الفترة، كانت الأجواء مناسبة تماما للشاب الإنجليزي «لورانس داريل» الذي أتى للعمل كملحق صحفي لدى وزارة الخارجية البريطانية، يتعامل ويتعاون مع الصحفيين الأجانب، بعد خبرات العمل الصحفي التي اكتسبها في بداية حياته بـ«باريس».
وسكن الإنجليزي الشاب، فيلا ساحرة إيطالية الطراز، تقع في 19 شارع المأمون بحي محرم بك، كانت تسمى «فيلا إمبرون» نسبة إلى عائلة مشيدها الإيطالي الذي بناها عام 1920 وسكن فيها قبل «داريل»، تلك التي هُدمت في 2017 بعد نحو 100 عام على إنشائها وضمها للمباني الأثرية.
وقتها، بدا كل ما يحيط بـ«داريل» فنيا أو به شيء من الفن، الفيلا التي يسكنها، الحي السكندري العريق، التنوع الثقافي والاجتماعي، الحياة التي عاشها في رحاب الكتابة والصحافة، كل ذلك أهله لكتابة رباعيته التي أهلته لترشحيات جائزة «نوبل»، وتألفت من 4 روايات هي «جوستين»، «بلتازار»، «مونتوليڤ»، و«كليا»، ونشرت الروايات الأربع تباعا من عام 1957 حتى 1960.
استيقظت الإسكندرية أمس، على أعمال هدم قصر «داريل» الذي أصبح هو والأرض سواء، على الرغم من تسجيله ضمن المباني الأثرية المحظور هدمها.
محاولات هدم القصر وتشييد برجين مكانه، بدأت قبل 9 سنوات، وبالتحديد في 2008، بدأ السباق المحموم من أجل طمس كل ما هو جمالي وتاريخي وحميم، تحوَّل المبنى صاحب الهوية المعمارية المميزة، ليشبه غيره من الكتل الخرسانية الصماء، تكريسا لكل ما هو عادي وغير مميز وإهدارا للتاريخ.
وفجَّرت الواقعة، غضبا كبيرا لدى البعض، فانتشرت الصور على «فيسبوك» مصحوبة بكتابات تتحسر على الأثر المهدوم وتشكو من عدم تقدير التراث رغم أنه مسجل بالفعل لدى وزارة الآثار.
والآن، تقف ذاكرة الإسكندرية وجمالياتها على جبهة، بينما الجبهة الأخرى تضم ما صنعته الحياة الجديدة من تغول لرأس المال وهرولة وراء أرباح سوق العقارات والكسب السريع والاهتمام بالأرقام أكثر من غيرها، ينادي البعض بالحفاظ على التراث المعماري لكن بعد هدم قصر «داريل»، ربحت الجبهة الثانية معركة على الطريق الذي بدت فيه هي الأقوى والأقدر على جذب الاهتمام أكثر من تلك الأشياء التي تنحسر مع الوقت حتى يتعاطى معها الناس باعتبارها «نخبوية» وشيئا من الرفاهية في عالم يجري وراء الأموال في المقام الأول والثاني والثالث.