«بلطيم».. هروب المستثمرين لغياب الأمن وانهيار البنية التحتية

كتب: محمود عبدالرحمن وسمر عبدالرحمن

«بلطيم».. هروب المستثمرين لغياب الأمن وانهيار البنية التحتية

«بلطيم».. هروب المستثمرين لغياب الأمن وانهيار البنية التحتية

مصانع لا تعمل، وأخرى مهددة بالتوقف، بسبب ارتفاع أسعار الكهرباء، لا سور يؤمّن المنطقة من الخارج، ولا أمن يوجد بداخلها، الحشائش تكسو جوانبها الأربعة وترتفع بعلوّ حوائط المصانع، تهالكت شبكة الصرف الصحى فيها على الرغم من حداثتها، زاد على ذلك غياب المواصلات من وإلى المدينة نتيجة طرقها غير الممهدة. هذا هو حال المنطقة الصناعية بمدينة بلطيم التابعة لمحافظة كفر الشيخ، جنوب مدينة بلطيم على الطريق الرئيسى المؤدى إلى كفر الشيخ على مساحة 5 كيلومترات من الطريق الساحلى الدولى وتبلغ مساحتها 114 فداناً، ويزعم المسئولون أن أعمال البنية الأساسية مكتملة وجاهزة لاستقبال الاستثمارات المختلفة، ولكن ما رصدته «الوطن» داخل المنطقة جاء مخالفاً لذلك فالمنطقة تم إنشاؤها منذ عام 1997 لتوفر أكثر من 5 آلاف فرصة عمل، بإجمالى 83 مصنعاً، و6 تحت الإنشاء، و5 تم غلقها لأسباب متعددة و12 مصنعاً مغلقاً بالفعل.

حسن معوض، صاحب مصنع لإنتاج أعلاف الدواجن، ترك بلدته بمركز قطور بالغربية، وجاء إلى المنطقة الصناعية بمدينة بلطيم، لعله يجد تسهيلات فى إجراءات الترخيص طبقاً لما حدده قانون الاستثمار، لإقامة مصنعه، إلا أنه اصطدم بالواقع، وظل عاماً وشهرين يتجول بين أروقة الأجهزة التنفيذية المختلفة، كى يتمكن من إنهاء إجراءات التراخيص لمصنعه الذى يقع على مساحة أربعة آلاف متر مربع، بحجم إنتاج 150 طناً من الأعلاف يومياً، يتم توزيعها على عملائه فى ست محافظات.

يشكو «عوض»، الذى يوجد فى مصنعه 3 عمال فقط، أحدهم للتعبئة والآخر للغلق والثالث للإمساك بالأجولة، نظراً لقيام مصنعه على أحدث التقنيات الأوتوماتيكية التى لا تطلب تدخل يد بشرية أثناء عملها إلا فى أضيق الحدود، من ارتفاع أسعار الكهرباء، التى وصفها بـ«المبالغ فيها»، حيث تتم محاسبته بمبلغ 93 قرشاً للكيلووات الواحد، عقب قرار وزير الكهرباء برفع الأسعار خلال العام الحالى، بعدما كان سعرها 63 قرشاً للكيلووات فى العام الماضى، الأمر الذى يضطره لتحميل فرق الأسعار على الموزعين الذين يقومون بدورهم بتحميله للمستهلك فى النهاية، الأمر الذى يُعيق عجلة الاستثمار، سواء فى السوق الداخلى أو الخارجى على حد سواء، خاصة بعد قرار تعويم الدولار، حيث تضاعف سعر طن الأعلاف، ووصل إلى 6300 جنيه للطن الواحد، بعدما كان سعره يتراوح ما بين ألفين ونصف و3 آلاف ونصف جنيه.

{long_qoute_1}

وأضاف صاحب المصنع أن «المنطقة الصناعية بمدينة بلطيم تعانى من نقص شديد فى الخدمات، المتمثلة فى غياب الأمان نتيجة عدم وجود سور حول المدينة ولا نقطة شرطة بداخلها، وعدم وجود إدارة للأزمات، متذكراً حادث انفجار أحد محولات الكهرباء الرئيسية فى شهر يوليو الماضى، ما تسبب فى انقطاع الكهرباء عن 3 مدن لمدة 3 أيام، يحدث ذلك فى الوقت الذى يقوم فيه أصحاب المصانع بدفع كافة المبالغ المالية التى تطلبها منهم الجهات المعنية فى المحافظة، ولكن فى نفس الوقت لا نرى أى خدمات يتم تقديمها لنا على أرض الواقع».

وقال أسامة عبدالمجيد، صاحب مصنع لإنتاج المواد البلاستيكية فى المنطقة الصناعية، إن الروتين يحاصر عمل الجهات المعنية بالاستثمار فى محافظة كفر الشيخ، خاصة فى إصدار تراخيص التشغيل والبناء وتوصيل المرافق والخدمات، الأمر الذى يدفع المستثمرين للهروب إلى أى منطقة صناعية أخرى، والدليل على ذلك أن المنطقة الصناعية ببلطيم تتسع لأكثر من 300 مصنع، وعلى الرغم من ذلك لا يوجد فيها سوى 100 مصنع فقط أو أقل، متضمنة الورش ومصانع تعبئة الفاكهة والخضراوات وغيرها من المشروعات الخفيفة والصغيرة، أما أصحاب المصانع الكبرى، فهربوا باستثماراتهم إلى مكان آخر أكثر أماناً وتوجد به خدمات تعينه على الاستثمار وليست تعطله كما يحدث هنا.

وأضاف «عبدالمجيد» أن الكارثة الكبرى تتمثل فى ارتفاع أسعار المواد الخام ما بين 80% إلى 120%، وهو ما يشكل صعوبات كثيرة على المصنّع، الذى لا يمكنه تحميل المستهلك كامل الزيادة فى الأسعار، حتى لا تتعرض بضاعته للكساد وتخسر السوق المحلى، بعدما يتجه الزبون إلى صناعات «بير السلم» التى تناسب حجم دخله وما بحوزته من أموال، فى الوقت الذى لا يستطيع فيه بعض الشركات رفع الأسعار نهائياً نظراً لأن الدولة تفرض عليها تسعيرة إجبارية، مثل شركات الأدوية، لذا يقوم أصحابها بتوقيف إنتاج المنتجات التى شهدت ارتفاعاً كبيراً فى أسعار المواد الخام، حتى لا يتعرضوا لخسائر مالية ولا مساءلة قانونية.

{long_qoute_2}

لم تتوقف مشاكل الاستثمار فى المنطقة الصناعية عند ذلك الحد، لكنها شملت سحب الجهات المعنية الأراضى من بعض المستثمرين، بعدما قاموا بتوصيل الخدمات الأساسية لها، ولكن نتيجة تعثرهم فى سداد بعض الأقساط، تم سحب الأرض منهم وضياع ما أنفقوه من أموال عليها.

«أ. ى»، شاب ثلاثينى، حصل على قطعة أرض داخل حدود المنطقة الصناعية فى عام 2001، مساحتها 400 متر، لإنشاء مصنع لإعادة تدوير الخردة وتصنيع الصاوميل المعدنية، وبالفعل قام ببناء هيكل المصنع من الخارج واستيراد المعدات اللازمة لبدء عملية التصنيع، فى نفس الوقت الذى قام فيه بإدخال المرافق المختلفة إلى داخل جدران مصنعه، بالتزامن مع سداد أقساط قطعة الأرض إلى الجهة المعنية.

ويقول الشاب الثلاثينى إنه تعثر فى سداد بعض الأقساط، وبالفعل تلقى عدة إنذارات بسحب الأراضى بتهمة تسقيعها، وهو ما يخالف الحقيقة -على حد قوله- الأمر الذى دعاه للتقدم إلى الجهات المعنية بطلب معاينة لمصنعه من أجل الوقوف على جدية التشغيل من عدمه، ولكنه فوجئ بسحب الأرض منه وسط «هوجة السحب»، وعلى الرغم من بيعها لمستثمر آخر، منذ عدة شهور، فإنه لم يبد أى استعداد لبدء العمل حتى الآن.

ويضيف الشاب الثلاثينى أن «الأجهزة المعنية ترفض الاعتراف بأنها السبب الرئيسى فى تعثر المستثمرين، خاصة أننا من حقنا الحصول على تيسيرات وقروض من تلك الجهات على الأراضى التى حصلنا عليها، طبقاً لما هو متبع فى كافة دول العالم، ولكنهم يرفضون حتى مجرد إعطائنا أوراقاً ثبوتية تفيد ملكيتنا لتلك الأرض، لكى نقدمها للبنوك ونحصل على القروض».

وأكد محمد عمر شرف، مدير منطقة بلطيم الصناعية بكفر الشيخ، أن المنطقة تعانى من بعض المشاكل، أهمها ارتفاع أسعار فواتير الكهرباء والمقايسات التى تُجريها شركة كهرباء وسط الدلتا، حيث إنها تهدد المصانع بالإغلاق، وهو ما حدث بالفعل، حيث تم غلق مصنعين لعدم قدرة أصحابهما على تغطية التكاليف، مشيراً إلى أن كبار المستثمرين هم أكثر الذين يعانون من ارتفاع أسعار الكهرباء، حيث إن من لديه محول كهربائى يقوم بدفع 30 ألف جنيه شهرياً حتى لو قام بإغلاق مصنعه، والأكثر من ذلك أنه يقوم بدفع قسط ثابت لا ينتهى لشركة الكهرباء، دون معرفة المسمى الحقيقى له، يدفعه طالما ظلت رخصة التشغيل مستمرة ولم يذهب إلى الجهات المختصة لإيقافها.

وأضاف «شرف» أن مشكلة عدم تمليك الأرض للمستثمرين تُعد من أكبر المشاكل التى تواجههم، حيث يمتلك بعضهم عقوداً مبدئية ويريدون امتلاك الأرض، وبالفعل يسعى المستشار القانونى للمحافظة لحل المشكلة مع مجلس الدولة لكنها لم تنته حتى الآن.

وأوضح مدير منطقة بلطيم الصناعية، أنه تم إغلاق 12 مصنعاً غلقاً إدارياً لعدم جدية المستثمرين وللمشاكل الكثيرة التى تواجههم، وعدم وجود رخصة تشغيل، وسوف تباشر تلك المصانع عملها فور انتهاء إجراءات الترخيص من الجهات المعنية طبقاً لاشتراطات تشغيل المصانع، مع العلم أن المنطقة تضم مصانع أدوية ونسيج وبلاستيك و15 مصنع أعلاف وأسماك ودواجن ومصنع ثلج وجار إنشاء مصنع لتعبئة أسماك للتصدير، وأخرى للحلويات والملابس الجاهزة، وأشار «شرف» إلى تحرير محاضر وإنذارات للمستثمرين غير الجادين، وصدرت بالفعل قرارات سحب لعدد من المصانع، إلا أن محافظ كفر الشيخ أمر بإيقافها لإعطاء أصحابها فرصة أخرى لتوفيق الأوضاع.


مواضيع متعلقة