العيد فى «دار المسنين»: زيارات الأبناء والأحفاد و«كحك» وكوتشينة ودومينو

العيد فى «دار المسنين»: زيارات الأبناء والأحفاد و«كحك» وكوتشينة ودومينو
تجلس على كرسيها فى ترقب، الدقائق أصبحت تمر كالدهر، تُرى ما الذى أخَّره؟ وكيف يكون العيد إذن اليوم إن لم يكن هنا أمامها الآن؟ تميل برأسها ناحية النافذة تنظر إلى الشارع وكأنها تبحث عنه بين المارة، تذهب بعيداً عن الشارع بكثير، تصل بعينيها إلى الماضى، تعود إلى الوراء ما يزيد على 40 عاماً، حين رزقت هى وزوجها بابنهما الأول، ابتسامة عابرة ارتسمت على شفتيها حين تذكرته فى ملابس العيد، كان طفلاً مطيعاً، ومرحاً، تُسائل نفسها: متى وكيف مرت كل تلك السنوات؟ ثم تعود بعينيها إلى حيث تجلس داخل جمعية سيدات مصر للمسنين، فتنظر إلى صورة زوجها الراحل وتتمتم: «كبرت أوى من بعدك بقى عندى ييجى 80 سنة بس ولادك فيهم الخير مش سايبنى لوحدى وما بيمرش يوم من غير ما يتصلوا بيّا»، ثم يقطع خلوتها مع نفسها رنين الهاتف، تلتقط السماعة فى شغف وترد: «أيوة يا أشرف، يعنى قدامك 5 دقايق وتبقى هنا، طيب يا ابنى كل سنة وانت طيب».
«ولادى دول هدية ربنا ليّا» هكذا تتحدث «الحاجة رجاء» وهى تنظر إلى صورهم التى وضعتها فى كل ركن من أركان غرفتها، «وطول ما همّا مستريحين أنا كمان مستريحة، عشان كده لما بلاقى واحدة معايا فى الدار بتشتكى من ولادها اللى مش بيزوروها، بقول الحمد لله إن ربنا كرمنى فى أولادى، وبطلب منها تدعيلهم ربنا يهديهم».
العيد فى دار للمسنين له طابع خاص، ربما لا تكون الفرحة هناك كتلك التى تملأ الشوارع، ولكن كل مسن هنا يحتفل بالعيد بالشكل الذى يرضيه، فى الطرقات يلعب بعض الأطفال الذين جاءوا بصحبة آبائهم وأمهاتهم لزيارة جداتهم، طفل صغير ارتمى فى حضن جدته فور أن رآها، ثم داعبها قائلاً: «شفتى يا تيتة بابا جابلى إيه فى العيد؟» ثم أشار إلى «مسدس ماء صغير»، بينما تجلس سيدة أخرى مسنة فى غرفتها تحادث أبناءها الموجودين خارج البلاد تطمئنهم على نفسها وتطمئن منهم على أخبارهم.
«جليلة» و«مفيدة» جاءتا إلى الدار منذ ما يقرب من 10 سنوات، ومنذ ذلك الحين أصبحتا صديقتين مقربتين لا تتركان بعضهما البعض إلا فى مواعيد النوم، جلست الصديقتان أول أيام العيد على طاولة صغيرة تلعبان مع بعضهما الكوتشينة والدومينو تتبادلان أطراف الحديث، وتتذكران كيف كانت احتفالات العيد فى السابق، وكيف أن الحال تبدل الآن ولم يعد للعيد طعم كالسابق، تذهب «جليلة» للاطمئنان على «قصارى» الزرع الموجودة فى البلكونة الملحقة بغرفتها ثم تعود إلى صديقتها لتعرض عليها أن تجمعا بعض زميلاتهما فى الدار ويجلسن معاً فى البلكونة بجوار نباتات الياسمين والفل والريحان لاستنشاق الهواء وأكل «الكحك».
«جليلة» ترى أن العيد فى دور المسنين الأساس فيه هو زيارة الأبناء لأمهاتهم، ولكنها تحرص هى وصديقتها كل الحرص على زيارة هؤلاء اللاتى لا يزورهن أبناؤهن إلا على فترات متباعدة، وذلك حتى لا يشعرن بالوحدة ويصبن بالاكتئاب، إضافة إلى توفير الدار لأخصائيين اجتماعيين يتفقدن حالة المسنين الذين لا يأتى أبناؤهم لزيارتهم حتى لا تتطور حالات الاكتئاب، وتصل إلى ألزهايمر، بحسب كلام محمد أمين، مدير الدار.
سيدة أخرى مسنة قعيدة طلبت من الدار أن تعلق على باب غرفتها بعض الزينة والبالونات، البعض ظن أن طلبها هذا رغبة منها فى أن ترى شيئاً بهيجاً أول أيام العيد، وآخرون ظنوا أنها أرادت بذلك أن تلفت انتباه أى من الأطفال الذين جاءوا إلى الدار ليدخلوا إلى غرفتها ويلقوا عليها السلام، خاصة أن زوارها قليلون جداً.
أعمارهم كبرت، وربما أيضاً وهنت بعض قواهم، لكن قلوبهم لا تزال متعلقة بالحياة كأطفال صغار لم يعيشوا الحياة بعد، ليظل العيد عندهم على الرغم من كل شىء مفتاح الفرحة.