«الحضرة والعامرية»: التعليم داخل فصول متهالكة ودورات المياه متصدعة.. والإدارات التعليمية: «مدارسنا زى الفل»

«الحضرة والعامرية»: التعليم داخل فصول متهالكة ودورات المياه متصدعة.. والإدارات التعليمية: «مدارسنا زى الفل»
- أحد المبانى
- أحمد سليمان
- أحمد ناجى
- أولياء الأمور
- الأبنية التعليمية
- الإدارات التعليمية
- الإدارة التعليمية
- الثانوية العام
- آيلة للسقوط
- أبطال
- أحد المبانى
- أحمد سليمان
- أحمد ناجى
- أولياء الأمور
- الأبنية التعليمية
- الإدارات التعليمية
- الإدارة التعليمية
- الثانوية العام
- آيلة للسقوط
- أبطال
بوابة حديدية سوداء لم تكن مفتوحة عن آخرها، كُتب عليها من الأعلى بخط أبيض واضح «مدرسة الشهيدة أم صابر الإعدادية بنات»، تلك المدرسة فى منطقة «الحضرة» لم يدل مظهر سورها الخارجى، الذى تمت إعادة بنائه من جديد قبل أعوام قليلة، على ما تعانى منه فى الداخل، فعلى يسار باب الدخول كانت النظرة الأولى كافية للتأكد من أن ثمة مشكلة كبيرة فى أبنية المدرسة، حيث دورة المياه التى ظهرت عليها علامات التصدع بشكل واضح، وكأنها تنذر من ينظر إليها بكارثة ربما حلت فى القريب العاجل، وفى المبنى الرئيسى للمدرسة، حيث الفصول والمكاتب الإدارية، لم يختلف الأمر كثيراً، وإنما ازداد سوءاً، فقد تآكلت الحوائط وتشققت الأسقف الخرسانية لتلفظ ما فى باطنها من حديد صدئ، الأمر الذى أدخل الرعب فى قلب كل من هو قائم على شئون هذه المدرسة.
{long_qoute_1}
داخل مكتبها، جلست «هويدا حسين»، القائمة بأعمال مدير المدرسة أثناء فترة إجازته، منهمكة فى أوراق تقرأ بعضها وتوقع البعض الآخر، وكان من بين هذه الأوراق ما أعدته مسبقاً لترسله إلى إدارة الأبنية التعليمية تستفسر عما إذا كانت المدرسة ضمن خطتها فى الصيانة الشاملة لهذا العام، لتتحدث عن مشاكل أبنية المدرسة قائلة: «دورة الميّه متهالكة جداً وتقريباً قربت تقع على الطلاب، والدور التانى من مبنى الفصول برضو لو بصيت عليه هتلاقى الشروخات مالية الدور كله».
«ميزانية اللامركزية» هى بضعة آلاف من الجنيهات يتم تخصيصها سنوياً لكل مدرسة لتستغلها فى ترميم بعض الأمور البسيطة، إلا أنها هى الأخرى قد تقلصت لما يقارب النصف، فأصبحت لا تسمن ولا تغنى من جوع: «خلوها 3600 جنيه بعد ما كانت 6 آلاف، ودول طبعاً مايكفوش أى حاجة»، إلا أن غياب سبل الأمان عن مكتبة المدرسة، مما عرّضها للسرقة أكثر من مرة، جعل «هويدا» تعد الخطاب المذكور تترجى فيه «الأبنية التعليمية»، فإما الصيانة الشاملة، وإما صرف ميزانية اللامركزية لمنع تكرار عمليات سرقة المكتبة: «ده اللى أنا أقدر أعمله، غير كده مفيش فى إيدى أى حاجة أعملها للمشاكل اللى فى المبانى».
أعوام طويلة وما زالت مدرسة «الشهيدة أم صابر» على هذا الحال، حسب ما قالت «هويدا»، رغم كثرة ما قدمته المدرسة من خطابات مكتوبة للإدارة المعنية من أجل إدراجها ضمن خطة الصيانة الشاملة، إلا أن المحاولات جميعها باءت بالفشل: «كل ما نقدم ونقول عايزين ندخل صيانة شاملة لأن المدرسة وضعها صعب، يردوا علينا يقولوا لنا لما ندخل ضمن الخطة».
ولم تختلف معاناة «هويدا» عن معاناة «حسن أحمد»، أمين عهدة المدرسة والمسئول عن كل ما فيها بما فى ذلك الأرواح، حسب قوله، الأمر الذى يُحمّله همّاً إضافياً إلى جانب مسئوليته: «لو شفت شكل الأسقف هتتخض، وأنا عن نفسى بخاف على البنات اللى فى المدرسة ليقع عليهم السقف فى أى وقت»، ترميمات أجريت فى سور المدرسة منذ أعوام، لتغير من شكله المتهالك، إلا أن النتيجة النهائية للسور لم تكن بالشكل المطلوب، حسب «حسن»: «يا ريتهم ما عملوه، لأنه بعد ما كان طوله 4 متر بقى واطى ومش مكمل مترين ونص، وخلوه منط للعيال وللبلطجية».
«لو حاجة حصلت هتبقى كارثة».. جملة رددها أمين عهدة المدرسة أكثر من مرة بنبرة غاضبة، لا سيما أن محاولات الترميم بعيداً عن الإدارات لا تجدى معهم نفعاً: «المدرسة ساعات بيجيلها تبرعات، بس للأسف لما بنيجى مثلاً نبيّض السقف بينزل تانى فى ساعتها، لأن السقف باش على الآخر»، فى فترة امتحانات الثانوية العامة أرسلت الإدارة بعض المعلمين لكى يقيموا فى المدرسة، إلا أن «حسن» رفض ذلك رفضاً باتاً حينها لما يعيشون فيه من رعب دائم: «مش حِمل مسئولية أرواح تانية غير اللى موجودة عندى لأن المدرسة آيلة للسقوط فى أى لحظة».
{long_qoute_2}
بوابة حديدية أخرى، إلا أنها لا يعلوها لافتة باسم المدرسة هذه المرة، وإنما كُتب على الحائط المجاور لها بخط كبير «مدرسة العاشر من رمضان»، تلك المدرسة للمرحلة الابتدائية فى شارع أحمد سليمان، لم تكن فى حال أفضل من سابقتها رغم بدء عمليات الترميم بها، فبمجرد الولوج من بوابة المدرسة، يلفت نظر الداخل حركة غير معتادة، وعمال منهمكون فى إنجاز ما فى أيديهم، فهذا يدهن حائطاً، وآخر يعد مادة الدهان، وثالث يقوم بدوره فى الإشراف على كل منهما، وفى أماكن متفرقة من فناء المدرسة، ألقيت «التخت» الهالكة، وخلف المبنى المقابل لبوابة المدرسة الرئيسية كانت الكومة الكبيرة منها، بينما أكلت الرطوبة جدران المبانى الثلاثة للمدرسة لتتركها خربة وكأن الترميم لم يطلها منذ أعوام طويلة. وفى الفصول من الداخل لم يختلف الأمر كثيراً، فإلى جانب تصدعات الجدران، انخلعت الأبواب من أماكنها، ووُضعت قطع الكرتون فى الشبابيك بديلة عن الزجاج المكسور، فضلاً عن «التخت» التى لم تكن أحسن حالاً من تلك الملقاة فى الفناء الخلفى للمدرسة.
بجوار عمال الترميم جلس أحد معلمى المدرسة، رفض نشر اسمه، يشكو ما يعانون منه منذ أعوام بسبب سوء عمليات الترميم التى تتم بالمدرسة: «الترميمات دى بتتعمل كل سنة ومابتكملش حاجة وترجع تانى زى الأول وأكتر، وده لأن الميزانية اللى بتكون مرصودة للترميم قليلة»، إهمال كبير تعانى منه المدرسة أشار إليه المعلم فى حديثه، كانت مظاهره واضحة: «هيئة الأبنية التعليمية مابترضاش إننا نحط طوبة واحدة فى المدرسة، وحتى السور اللى بينا وبين المدرسة اللى جنبنا قصير جداً والطلاب هناك بينطوا عندنا، وطلبنا كتير جداً إننا نعليه محدش سأل فينا، وفى الآخر قالوا لنا اعملوه حديد، وبعد ما الحديد اتكلف كتير جداً شلناه تانى عشان كان هيقع على طالب يموته، وبعد كده بعناه خردة»، ولم يقتصر الأمر على حوائط المبانى فحسب، حسب ما قال، وإنما امتد إلى الأسقف: «عندنا مبنى السقف بتاعه باش خالص وكان بينزل ميّه على الطلاب فى الفصول، وبدل ما يتصبّ من أول وجديد عملوه بالصاج».
وحول وضع المبانى قال أحد عمال الصيانة إن ما يتم من ترميمات بها لا يرفع كفاءتها بالقدر المطلوب، معبراً عن ذلك بقوله: «اللى إحنا بنعمله ده عبارة عن شكل وخلاص، لأن المبانى دى مفروض عشان تتعمل صح تتهد وتتبنى من أول وجديد».
وفى أحد الشوارع الرئيسية لمدينة العامرية، كانت مدرسة الحسن بن الهيثم الابتدائية الإعدادية المشتركة، أطلت ببابها من أحد الشوارع الجانبية، على يسار الداخل منه كان ذلك المبنى الجديد الذى يتم تشييده، ومن أمامه وفى الجزء المتبقى من فناء المدرسة انتشرت مواد البناء، وعلى اليمين كان حوض حنفيات الشرب التى لم يبق منها شىء سليماً، وبجوارها كانت حمامات البنين، ظهرت عليها هى الأخرى من الداخل علامات الإهمال جلية، فكانت أرضياتها غير نظيفة، وأحواضها متهالكة وبدون حنفيات، ورائحة كريهة ملأت المكان عن آخره.
«الحمامات دى على طول كده، والكل بيعانى منها سواء مدرس أو طالب»، جملة قالها أحد معلمى المدرسة، رفض ذكر اسمه، قبل أن يشرع فى سرد معاناته هو الآخر وغيره من معلمى المدرسة من وضع دورات المياه بها: «مفيش فى المدرسة حمام للمدرسين ولا فيها استراحة لينا حتى، ولما مدرس فينا بيحب يقعد فى مكان بينزل يقعد فى الحوش»، حلول بدأ المعلم فى البحث عنها كان من ضمنها الذهاب بشكواه إلى الإدارة التابع لها، إلا أن الرد كان صادماً بالنسبة له، حسب ما قال: «لقيته بيقول لى لو اتكلمت تانى فى الموضوع ده أنا هكسر عضمك».
وأمام بوابة المدرسة وقفت الأربعينية «ماجدة عادل»، ولى أمر أحد طلاب المدرسة، ولم تكن معاناة طفلها من وضع دورات المياه داخل المدرسة يتحملها هو وحده، وإنما تحملتها هى الأخرى معه: «الحمام على طول متبهدل ومش نضيف ويجيب للعيال المرض، وعلى قد ما أقدر بحاول ماخليش ابنى يستخدمه، عشان كده بيعمل حمام الصبح قبل ما ينزل، وفى نفس الوقت باديله إزازة ميّه كبيرة معاه تكفيه طول اليوم عشان حنفيات الميّه اللى بيشربوا منها كلها متكسرة والعيال مابتعرفش تشرب»، وإلى جانب أزمة دورت المياه، كانت أزمة أخرى تحدثت عنها «ماجدة» قائلة: «الفصل الواحد فيه أكتر من 90 عيل، وفى أغلب الأوقات ابنى مابيلاقيش مكان يقعد فيه، ده غير إن التخت اللى موجودة كلها متكسرة واللى بيقعدوا عليها بيقعدوا بالعافية».
المفارقة أن «خالد عبدالرءوف»، مدير المدرسة، امتنع عن الرد، معللاً ذلك بوجود تعليمات من الإدارة التعليمية التابع لها بعدم الإدلاء بأى تصريحات صحفية، ليختم حديثه قائلاً: «مين اللى قال إننا عندنا مشاكل؟! المدرسة زى الفل».
وفى مدرسة «الحسين بن على الإعدادية بنين» لم يختلف الأمر كثيراً، بمجرد الدخول من بوابتها التى لم يكتمل البناء من حولها بعد، تجد نفسك أمام فناء كبير غير ممهد، تناثرت على أطرافه مخلفات بناء ومقاعد طلاب محطمة تكومت فوق بعضها البعض، وأشجار تم قطعها وإلقاؤها فى الناحية الخلفية للمدرسة، ودورة مياه المدرسة «الصغيرة» على يسار الداخل لم يكن وضعها يسر، فأحواضها بلا حنفيات، فقط مياه تتدفق من ماسورة مكسورة، بينما انهمك عمال الترميم فى ما يقومون به داخل مسجد المدرسة فى نهاية الفناء. وفى أحد جوانب الفناء، كان بعض أولياء الأمور، جلس ثلاثتهن يتسامرن مستظلات بحائط أحد المبانى، وبجوارهن أبناؤهن، ولم تكن صدورهن خالية من مظاهر الإهمال الواضحة فى أركان المدرسة، تقول إحداهن: «الإصلاحات شغالة فى المدرسة بقالها سنة ولسه ماخلصتش وطبعاً مانقلوش الطلاب وقت الترميمات عشان مفيش مكان تانى يروحوه، وإحنا على أمل إنها تكون كويسة بعد كده»، أعداد كبيرة فى الفصول تحدثن عنها، حيث بلغ عدد طلاب الفصل الواحد ما يزيد على 60 طالباً.