كوريا الشمالية تتحدى العجرفة الأمريكية
- الأطراف المعنية
- الأمم المتحدة
- الاقتصاد الدولى
- الانتشار النووى
- البرنامج الصاروخى
- البرنامج النووى الإيرانى
- آلية
- أجهزة حاسب
- الأطراف المعنية
- الأمم المتحدة
- الاقتصاد الدولى
- الانتشار النووى
- البرنامج الصاروخى
- البرنامج النووى الإيرانى
- آلية
- أجهزة حاسب
رغم الحدة التى طبعت تصريحات وزير الدفاع الأمريكى بعد لقائه الرئيس «ترامب»، والتى هدد فيها كوريا الشمالية برد قاسٍ إذا شكلت تهديداً لبلاده أو لحليفتيها كوريا الجنوبية واليابان، فإن تأكيد الوزير أن بلاده لا تسعى إلى القضاء بشكل شامل على كوريا الشمالية يؤدى إلى استنتاج بأن الولايات المتحدة عادت إلى سيرتها الأولى وهى المزج بين العصا والجزرة، بين التهديد والتهدئة، بين الصرامة وبين فتح ثغرة لعلها تخرجها من الورطة التى تحيط بها نتيجة سياسة العجرفة والاستعلاء التى تمسكت بها طوال العقد الماضى ضد بيونج يانج، وأسهمت فعلياً فى تحول كوريا الشمالية إلى قوة نووية وصاروخية معتبرة.
الثغرة التى أتحدث عنها تتعلق أساساً برسالة التطمين الضمنية والمزدوجة المسارات؛ أولها أن رد الفعل الأمريكى لن يكون مهاجماً أو بادئاً، رغم أنها تقدر على ذلك من الناحية العسكرية والتقنية، بل سيكون على سبيل العقاب إن حدث تهديد من قبل كوريا الشمالية، وثانيها أن الولايات المتحدة تدرك المخاوف الكامنة لدى بيونج يانج والمتعلقة بحماية النظام، وواشنطن من جانبها لا تريد هدم النظام ولا تسعى إليه. وهذا الشق تحديداً يمثل جوهر المطالب التى كانت المفاوضات السداسية من 2002 إلى 2008 قد عالجتها، وهى المفاوضات التى شاركت فيها كل من الصين وروسيا واليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة وكوريا الشمالية، وانتهت إلى صيغة مقايضة قوامها أن تتخلى كوريا الشمالية عن كل من برنامجها النووى وبرنامجها الصاروخى الباليستى، مقابل الحصول على معونات غذائية ووقود ورفع اسمها من قوائم الإرهاب الأمريكية، والأهم الحصول على ضمانات أمريكية مكتوبة ومعلنة فى الأمم المتحدة بالاعتراف بالنظام والتعهد بعدم الاعتداء عليه أو السعى إلى تغييره.
بيد أن الالتزام الأمريكى لم يستمر بهذه الصيغة، وبعد أن بدأت بيونج يانج هدم بعض مرافقها النووية والسماح للوكالة الذرية بتفتيش المرافق الأخرى ومراقبتها، تراجعت واشنطن وطالبت بمزيد من الالتزامات التى كانت تعنى انسحاقاً كاملاً من قبل كوريا الشمالية أمام الاستعلاء الأمريكى، وهو ما تم رفضه، ومن ثم أعادت بيونج يانج إحياء برنامجيها النووى والصاروخى لاعتبارات تخص رفع قدراتها الدفاعية أمام التهديدات الأمريكية المتوقعة.
والسؤال المطروح الآن: هل يمكن أن تكون هناك صفقة جديدة تنهى النزاع فى شبه الجزيرة الكورية وتوفر قدراً من السلام الدائم هناك؟ طبعاً حديث الصفقات فى العلاقات الدولية هو أمر عادى، ولكنه يتوقف على معنى الصفقة الممكنة التى تقوم على التزامات متوازنة، وليست الصفقة التى ينسحق فيها طرف أمام طرف آخر. والواضح أن فكرة التهديد بعقوبات دولية كما تدعو إلى ذلك واشنطن وحلفاؤها الأوروبيون لم تعد تجدى مع نظام استطاع أن يطور قدراته العلمية والتصنيعية فى مجال الأسلحة المتقدمة رغم العزلة المفروضة عليه. والواضح أيضاً أن أى عمل عسكرى أمريكى سيكون خياراً مجنوناً سيطيح بالاقتصاد الدولى وملايين الضحايا وتلوث بيئى لا يمكن السيطرة عليه، وسيؤدى إلى فوضى عارمة، وهو ما أكدت الصين رفضها لتلك الفوضى على لسان مندوبها فى جلسة مجلس الأمن يوم الاثنين الماضى، الذى أضاف أن بلاده ستطرح خريطة طريق بالتعاون مع روسيا عبر مفاوضات لإنهاء تلك الأزمة وتدعو الأطراف المعنية للمشاركة فيها.
فكرة خريطة الطريق الصينية الروسية تعنى ببساطة أنه لا جدوى من العقوبات الاقتصادية أو التفكير فى حلول عسكرية مجنونة نووية أو تقليدية، وأن الحوار السياسى من خلال مفاوضات قد تكون صيغة منقحة من المفاوضات السداسية السابقة هو الأجدى. ويبدو أن المطروح فى خطوة أولى يتعلق ببناء حالة ثقة جزئية تسمح بقبول التفاوض لاحقاً، ومن ثم يلتزم الطرفان بالبدء بإشارات تهدئة متبادلة، مثل أن تتوقف الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان عن أى مناورات عسكرية تمثل استفزازاً لبيونج يانج، وأن تلتزم الأخيرة بوقف تجاربها النووية والصاروخية الباليستية.
مثل هذه الخطوة الأولية إن حدثت على هذا النحو فإنها تعنى اعترافاً بما وصلت إليه كوريا الشمالية من امتلاك قدرات نووية أثبتتها تجربتها الأخيرة، وهى الأشد قوة من التجربة السابقة التى جرت قبل عامين، واعترافاً أيضاً بالبرنامج الصاروخى الباليستى. والمهم هنا هو أن ما بلغته كوريا الشمالية فى هذين المضمارين يعنى أن لديها قدرات علمية متقدمة، فتصميم قنبلة نووية أو هيدروجينية يمكن حملها على رأس صاروخ باليستى يتطلب حسابات دقيقة لا يقدر عليها إلا أجهزة حاسبات آلية متطورة من أنواع فائقة السرعة، كما أن عمليات التصنيع تعنى أولاً وأخيراً إلى جانب المعدات توافر كوادر بشرية على أرقى مستوى من التعليم والمهارات الفنية، وهى أمور تحسب للنظام بشكل عام رغم عزلته الدولية. ولا أتصور أن أى نظام سياسى تتمحور حياته حول هدف الحفاظ على الذات، وينجح رغم الضغوط الهائلة فى تطوير قدرات هائلة للدفاع عن نفسه، قد يتخلى عنها ببساطة، اللهم إلا إذا حصل على كل المزايا والعوائد التى تمكنه من البقاء دون أى تهديد وجودى. ووفقاً للعقلية الاستراتيجية التى تحكم واشنطن سواء خلال حكم الجمهوريين أو الديمقراطيين، فمن غير المتصور أن تقدم الولايات المتحدة ضمانات كافية ترضى بيونج يانج وتدفعها إلى التخلى عن هذه القدرات العلمية والتصنيعية الهائلة.
وفى دراسات سابقة حول سلوك كوريا الشمالية، استقرت بعض الاستنتاجات بأن عنصر الشك فى مصداقية الولايات المتحدة هو عنصر حاكم، وكثيراً ما أشار مسئولون شماليون إلى أنهم استفادوا كثيراً من الطريقة الأمريكية فى التعامل مع العراق إبان حكم الرئيس صدام حسين، وكذلك فى المفاوضات الخماسية بشأن البرنامج النووى الإيرانى، وأنهم لن يسمحوا بتكرار السيناريو الأمريكى المتقلب والعدوانى المشكوك فى مصداقيته مع بلادهم أياً كانت الظروف. ولا يوجد فى السلوك الأمريكى الراهن ما يبشر باستنتاج آخر، وبالتالى فإن المخرج العملى أن يعترف العالم وفى مقدمته واشنطن بكوريا الشمالية بلداً نووياً، وأن يتم التفاوض معه على هذا الأساس بكل ما ينتج عن ذلك من التزامات وفقاً لمعاهدة منع الانتشار النووى. أما مسألة نزع السلاح النووى لكوريا الشمالية والتخلى التام عن الصواريخ الباليستية كشرط لمجرد الحديث مع بيونج يانج، فيبدو لى أنه لا يزيد على وهم فارغ، أو حلم تافه لا معنى له.