مفارقة المفارقات بين المبادئ العظيمة للإسلام وممارسات الجانحين الإرهابيين!! (2-2)
- الإرهابيين القتلة
- بن عمر
- حسن معاملة
- مبادئ الإسلام
- يوم القيامة
- آمن
- آنا
- أسباب
- الإرهابيين القتلة
- بن عمر
- حسن معاملة
- مبادئ الإسلام
- يوم القيامة
- آمن
- آنا
- أسباب
فى واقعة أُحد التى دارت على مشارف المدينة التى جاءها المشركون لمهاجمة المسلمين، قُتل حمزة عم النبى، ومَثَّلَ المشركون بجثمانه تمثيلاً شنيعاً، ولاكت كبده هند بنت عتبة زوجة أبى سفيان، فما إن ذهبت غضبة النبى إثر مشاهدته ما جرى بجثمان عمه، حتى نادى فى المسلمين يقول: «إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور».
وتقاطر فى الإسلام قرآناً وسنةً أن الحرب إن كان لا مندوحة عنها، فإنها محكومة بغايتها وضرورتها، وأنه لا عدوان فيها ولا مساس بشيخ أو امرأة أو طفل أو جريح أو أسير.. وامتدت هذه الحماية إلى الأسير مع أنه قَاتَلَ وحارَبَ، فجاء فى وصف المؤمنين بالقرآن: «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً» (الإنسان 8).
وحض القرآن على المن على الأسير بحريته، وجعل المنّ سابقاً للفداء، فقال تعالت حكمته: «فَإِمَّا مَناً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا» (محمد 4)، وكان الرسول يحسن معاملة الأسرى والترفق بهم، ويطلق من ينادى فى المسلمين: «استوصوا بالأسارى خيراً».
يعرف المسلم السوى ذلك كله وغيره من القرآن، ومن السنة، ومن السيرة، ويقرأ مما يقرأه فى مدونات التاريخ، أنه لا غدر فى القتال، ولا خيانة، ولا تخريب ولا إتلاف، ويقرأ من وصايا الصديق أبى بكر لقادته «ألا تخونوا ولا تغدروا ولا تقتلوا طفلاً صغيراً ولا شيخاً كبيراً ولا امرأة، ولا تعقروا نخلاً ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاةً ولا بقرة ولا بعيراً إلا لمأكله، وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم للصوامع (أديرة العبادة) فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له».
لم يعرف الناس قبل الإسلام ضوابط لإدارة وإنسانية الحرب، ولا التفت أحدٌ لترويض وحشيتها والتخفيف من ويلاتها، فجاء رسول الإسلام عليه السلام يقول لأصحابه رغم غمه على مقتل عمه وحبيبه حمزة والتمثيل به: «إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور»، ويرفض التمثيل بسهيل بن عمرو رغم إساءته الشديدة إليه وإلى الإسلام، ويقول: «لا أمثل به فيمثل الله بى ولو كنت نبياً»؛ ويوصى أصحابه إذا ما فُرض عليهم القتال الذى هو مكروه فى الإسلام، إلا لأسبابه المحكومة، فيقول لهم: «لا تقتلوا شيخاً فانياً، ولا طفلاً، ولا صغيراً، ولا امرأةً، ولا تغلوا (لا تنهبوا) وضعوا غنائمكم وأصلحوا إن الله يحب المحسنين».
ومن وصاياه عليه الصلاة والسلام: «أوصيكم بتقوى الله، لا تعصوا ولا تغلوا، ولا تهدموا بيعة (كنيسة أو معبد النصارى)، ولا تحرقوا نخلاً، ولا تحرقوا زرعاً، ولا تذبحوا بهيمة، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تقتلوا شيخاً كبيراً، ولا صبياً ولا صغيراً ولا امرأةً، وستجدون أقواماً حبسوا أنفسهم فى الصوامع (أديرة عبادة النصارى) فدعوهم وما حبسوا أنفسهم له».
بهذه المبادئ، تأسّى صحابته الأبرار، فكان ما رأيناه من وصايا أبى بكر، وأثر عنه أيضاً وصيته إلى أسامة بن زيد بن حارثة حينما خرج للتعامل مع الروم فى موضع مؤتة: «لا تخونوا ولا تغدروا ولا تغلوا (لا تنهبوا)، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلاً ولا شيخاً كبيراً ولا امرأةً، ولا تعقروا نخلاً ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاةً ولا بعيراً إلاَّ للأكل، وإذا مررتم بقوم فرغوا أنفسهم فى الصوامع (أديرة النصارى) فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له».
وفى وصية الصديق رضى الله عنه ليزيد بن أبى سفيان الموجه إلى الروم بالشام: «.. إنى موصيك بعشر: لا تقتلن امرأة، ولا صبياً، ولا كبيراً هرماً، ولا تقطعن شجراً مثمراً، ولا نخلاً، ولا تحرقها، ولا تخربن عامراً، ولا تعقرن شاة ولا بقرة إلاَّ لمأكله، ولا تجبن، ولا تغلل (لا تنهب)».
المفارقة العجيبة!
أين هذه المبادئ الإسلامية السامقة مما يفعله الجانحون الإرهابيون بالمسالمين؟!!!
لست أريد أن أصور هنا المشهد المروع للمذبحة التى أدارها الجانحون القتلة الإرهابيون، ليس فقط لأن كثيراً من الصحف والمجلات والمواقع قد تناولتها وصورتها، وإنما لأن اجترارها يؤذى ويوجع ويؤلم، ولا أريد هذا ولا أقبله، وإنما أدرت هذا الحديث لنضع أيدينا معاً على المفارقة العجيبة المستفزة، بين مبادئ الإسلام التى استعرضت بعضها، وبين ممارسات هؤلاء الإرهابيين القتلة الذين يتشحون كذباً بالإسلام!!!
موجز المفارقة، وزبدتها، أن الإسلام وضع قانوناً للقتال والحرب لترويضها وتجنب ويلاتها، فحرّم فيما حرّمه إيذاء الأسير المقاتل، وحفظ له حقوقه، ونهى عن القتل لغير غرض، بل وعن ذبح الشياه والإبل لغير الطعام، ونهى عن الغدر والخيانة والنهب، وحرم المساس حتى فى أوج الحرب والقتال، بالشيخ والطفل والصغير والمرأة، وأمر بألا يقطع النخيل والشجر أو يحرق، أو يخرب العمران، وكرر التوصية بعدم التعرض بأى سوء لمن فرغوا أنفسهم للنسك والعبادة فى «البيع» و«الصوامع»، وهى أديرة وكنائس ومعابد النصارى، وأمر بأن يُتركوا وما تفرغوا له.
كل ذلك تقريراً لضوابط الحرب والقتال إن كان لا مندوحة عنه، مما يدخل فى عمومه فى مراعاة مقتضيات السلم والأمان، وعدم تجاوزها إبان الحرب، مما يكاد أن يكون «أسلمة وأمان الحرب».
ولكن الجانحين القتلة الإرهابيين، المتشحين كذباً بالإسلام، قلبوا هذه المبادئ الإسلامية الإنسانية رأساً على عقب إلى نقيضها، فأحالوا السلام حرباً بلا سبب ولا مقتضى، وقلبوا الأمان غدراً وخيانة وقتلاً وذبحاً وتخريباً وتدميراً، ودون ما حجة ولا تعلّة ولا ذريعة، وتهجموا على المسيحيين فى عبادتهم وفى كنائسهم وفى صلواتهم وفى مزاراتهم لأماكنهم المقدسة التى يتبركون بها وفيها، وفى قسوة شنيعة تستهدف تصدير الخوف والذعر، ودون أن يطرف لأحدٍ من هؤلاء القتلة جفن، أو يُعنَى بأن يبرر للعالم ما يقارفه بوحشية لم تعرفها الكواسر المفترسة فى الغابات، ودون أن يصدق حتى مع نفسه فى استيلاد أسباب أو ذرائع حقيقية لما يقارفه من قتل وذبح وتفجير وتدمير وإيذاء، ودون ما حمرة خجل وهم ينسبون أنفسهم إلى الإسلام!
إن ما يقارفونه يخالف المعلوم من الإسلام بالضرورة.
فهم يقتلون النفس التى حرم الله قتلها إلاَّ بالحق.
وهم يروعون الآمنين، ويحيلون سلام المسالمين إلى حرب هم طرفها الوحيد!
وهم يغدرون ويخونون ويقتلون بغير حق!
وهم يتعرضون للأقباط وللمسلمين أيضاً فى معابدهم ومساجدهم وأديرتهم وكنائسهم ومزاراتهم!
وهم ينشرون الخراب والدمار ويأتون على الأخضر واليابس.
ليس حسب هؤلاء الجانحين القتلة الإرهابيين أنهم «خوارج» عن الإسلام، وإنما هم «خوارج» عن الإنسانية، ملعونون بجرائمهم إلى يوم القيامة، وحسابهم عند الله عسير!
هذا الجزاء حقٌ لا مراء فى أنه نازلٌ بهم.
ولكن ما لا يدركونه، أنه جزاء بلا ثمن ولا مقابل يمكن أن ينالوه أو يحصلوا عليه تحقيقاً لأغراضهم ومآربهم..
إن الدول لا تنهدم ولا تزول بمثل هذه الجرائم!
وهم لن يحصدوا من إرهابهم سوى حصاد الهشيم!
اللهم إلا عقابٌ لاحقٌ بهم بأيقن اليقين، فلا يمكن أن تمضى مثل هذه الجرائم إلى ما لا نهاية، وسوف تصل سفينة الحق إلى شاطئها، ولا يبقى لهؤلاء إلا لعنة الله وعذابه الخالد المقيم كما أخبر سبحانه وتعالى فى قرآنه المبين.