سوق «المبيدات والمنتجات الزراعية»: ركود وغلاء وغش على حساب الفلاح

كتب: محمود عبدالرحمن

سوق «المبيدات والمنتجات الزراعية»: ركود وغلاء وغش على حساب الفلاح

سوق «المبيدات والمنتجات الزراعية»: ركود وغلاء وغش على حساب الفلاح

داخل حارة جانبية متفرعة من شارع طلعت حرب فى منطقة وسط البلد، يجلس محمود الشامى، صاحب محل لبيع المنتجات الزراعية «بذور ومبيدات وأدوية»، وتظهر العينات مصفوفة على الأرفف، تنتظر زبائنها.

ويقول الرجل الخمسينى، إن منتجات المبيدات الزراعية تضاعفت أعدادها بصورة كبيرة خلال السنوات الأخيرة، ما بين كثرة موزعين من ناحية، وتصنيع منتجات جديدة لم تكن موجودة من ناحية أخرى، وعلى الرغم من ذلك، يشهد السوق حالة ركود كبيرة، نظراً لارتفاع الأسعار بصورة تفوق قدرة الفلاح الذى وصفه بـ«شيال الحمول»، وانعكس ذلك على حجم المبيعات التى انخفضت بشكل كبير، خاصة فى السنة الأخيرة، بعد تضاعف الأسعار لأكثر من ضعفين تقريباً فى أعقاب قرار تعويم الدولار، وما صاحبه من طفرة كبيرة فى زيادة الأسعار، خاصة المبيدات المستوردة، أما المنتجات محلية الصنع، فاستغل أصحابها ارتفاع المستورد وقاموا برفع أسعارها هى الأخرى.

{long_qoute_1}

ويضيف «الشامى»، أن خبرته الممتدة لـ30 عاماً فى مجال تجارة المبيدات الزراعية، تؤهله للتفريق بين المنتج الجيد والآخر السيئ من رائحته وملمسه وطبيعة المواد الكيميائية المتداخلة فى تكوينه، لذا فهو يقدم النصيحة لمن يستفتيه من الزبائن فى علاج آفة بعينها أو مرض معين أصاب أرضه، ولكنه يمتنع عن ذلك مع الزبون الذى يأتيه وهو يُحدد النوع الذى يرغب فى شرائه، ولكنه فى الحالتين، ينصح الطرفين بمضاعفة حجم العبوات التى جاءوا لشرائها، نظراً لانخفاض المادة الفعالة فى كافة المبيدات والأدوية الزراعية لأكثر من 35%، بصورة رسمية، حيث يتم تدوين ذلك على البطاقة التعريفية للعبوة من الخارج، ما يعنى أنه من الضرورى شراء عبوتين بدلاً من واحدة للحصول على نفس النتيجة التى كان يحصل عليها الفلاح فى الماضى إثر استخدامه عبوة واحدة.

«ما بنشتغلش غير مع الموزع اللى معاه سجل تجارى وبطاقة ضريبية وملف أوراق كامل، فيه عنوان المصنع وشهادات الأمن الصناعى والمتانة، خاصة لو كان المصنع جديد واسمه مش معروف»، وفى حال نقص تلك الأوراق الثبوتية، يرفض «الشامى» التعامل مع الموزع، فى ظل كثرة المندوبين، الذين يجيئون إلى محلات التوزيع الكبرى فى منطقة وسط البلد، ويحاولون وضع منتجاتهم وسط باقى المنتجات الأصلية والمعروفة، وفى سبيل ذلك يحاولون إغراءنا بـ«نص السعر» ونسبة ربحية أعلى والدفع بالأجل، وأحياناً يضعف بعض البائعين أمامهم، لمواجهة حالة الكساد الكبيرة فى عمليات البيع، ويوافقون على بيع هذه المنتجات غير المعروفة، أما المحلات ذات التاريخ والصيت فـ «بتحترم نفسها واسمها» وترفض التعامل معهم، خاصة إذا لم يقُم المصنع بعمل حملة إعلانية كبرى والإعلان عن نفسه «وفى الحالة دى الموزعين والتجار هما اللى بيجروا وراه عشان يشتغلوا معاه، مش العكس». {left_qoute_1}

ويقول «الشامى» إن غالبية زبائن محلات وشركات بيع الأدوية والمبيدات الزراعية فى القاهرة والجيزة، عبارة عن أصحاب محلات فرعية فى المحافظات المختلفة، يأتون للتبضع والعودة إلى بلادهم لبيع ما اشتروه وتحقيق الربح من ورائه، أما المزارعون فمجيئهم إلى هنا نادر جداً، ويفضلون التعامل مع «ابن بلدهم» الذى يعرفونه ويعرفهم، ويستطيعون الدفع بالأجل له وتأخير مبالغ مالية لحين بيع المحاصيل، لذلك غالبية الفلاحين الذين تقودهم أقدامهم إلينا «بيصرخوا من الأسعار، ولما بنقول لهم أن ده المنتج الأصلى بتاع الشركة وأن نسبة تركيزه عالية عن اللى بيشوفوه فى بلادهم بيسيبونا ويمشوا وبيقولوا لنا أنتم حرامية».

وقال سعد الأسمر، بائع بأحد توكيلات توزيع المبيدات الزراعية، الموجودة فى شارع 26 يوليو، إن الموزعين المعتمدين خارج نطاق شبهة بيع المبيدات المغشوشة أو المقلدة، لأنهم يعملون تحت مرأى ومسمع من لجان التفتيش التابعة للجهات الرقابية ووزارة الزراعة، التى تمر على محلاتهم بصفة دورية، ويقومون بالتفتيش على المنتجات الموجودة بداخلها، وفى حالة عثورهم على عبوات غريبة أو مجهولة المصدر، يطلبون أوراق ثبوتها وعقود التعامل معها، ولكن هذا لا يمنع - طبقاً لقوله - أن عدداً من تجار «النصب» يقومون بتزوير أوراق ثبوتهم وسجلات تجارية تفيد بأنهم تابعون لإحدى الماركات العالمية على غير الحقيقة، وبعد ذلك يمنحون نسخاً أصلية لمندوبيهم للتعامل بها، ومن هنا يقع صاحب المحل فى الفخ ويساهم فى تجارة المبيدات المغشوشة والمقلدة بدون قصد منه.

«غالبية الشغل المغشوش بيكون فى المحافظات البعيدة، اللى الفلاح فيها بيخاف ينزل مصر أحسن نضحك عليه، فبيروح يشترى من دكانة جاره عشان هو معتقد أنها أأمن له، ومايعرفش أنه بينضحك عليه وبياخد دوا مغشوش»، ويضيف الشاب الثلاثينى، أن تجارة المغشوش تعمل بشكل أكثر أماناً فى المحافظات والمناطق النائية البعيدة عن أعين الرقابة، خاصة بعد دخول مجموعة كبيرة من «البياعين» سوق الغش، سواء باستخدام زجاجات مقلدة للمنتجات الأصلية، أو أخذ العبوات التى يبيعونها للفلاحين مرة أخرى بحجة تسليمها للشركة، وعدم معرفة غالبية الفلاحين ما يحدث حولهم، إلا أنهم يفضلون تلك المبيدات «المضروبة» لأنها تناسب إمكانياتهم المادية، ويظل البائع الغشاش فى مأمن، طالما استمرت علاقته بالمفتش المراقب له وطيدة، والذى قد يكون من قريته أو بينهما صلات قرابة ونسب.

ويرى «الأسمر»، أن الأجهزة الرقابية لن تتمكن من ضبط السوق والقضاء على المبيدات المغشوشة، طالما استمر «ضربها» داخل المنازل والمحلات الصغيرة فى الأرياف والمناطق النائية، والتى أصبحت تجارة رائجة، تتوافر مكوناتها «الجاز وبودرة السيراميك» أمام الجميع، لذلك فالحل الأمثل - من وجهة نظره - عمل حملة توعية كبيرة للفلاحين، يستطيعون بعدها التفريق بين المبيدات الأصلية والمغشوشة، وتفعيل دور مرشد زراعى واحد على الأقل فى كل قرية، يكون مرجعية للفلاحين الراغبين فى شراء مبيدات.

وطالب «الأسمر»، مراكز البحوث الزراعية ووزارة الزراعة بضرورة اعتماد الأدوية الموجودة فى السوق الخاصة بعلاج الأمراض المختلفة، ووضع خاتمها الخاص على كل عبوة على حدة، نظراً لانتشار أدوية مدون عليها أنها صالحة لعلاج مرض بعينه، وهى فى الحقيقة عبارة عن تركيبة لمواد كيميائية نفاذة، تم خلطها على بعضها البعض وتعبئتها داخل العبوة، ثم يقوم المصنع المنتج بالترويج لها لعلاج مرض بعينه، وهذا هو «مربط الفرس»، حيث يقوم أصحاب المصانع بتتبع الأمراض الجديدة التى تصيب الأراضى والمحاصيل الزراعية، والتى يتم الإعلان عنها فى وسائل الإعلام المختلفة، وفى اليوم التالى مباشرة، يأتى الموزع ومعه العلاج، بدون عمل أبحاث أو تجارب أو حتى الانتظار لتجريب هذا الدواء على أرض الواقع، ثم نضطر لبيعه للفلاح الذى يتردد علينا، «إحنا بيجيلنا ناس يقولوا لنا عاوزين علاج للمرض الفلانى، ونضطر نبيع لهم العلاج الجديد اللى إحنا متأكدين أنه مش هيعمل حاجة، ويمكن مايكونش بتاع المرض اللى زرعهم بيشتكى منه».


مواضيع متعلقة