مصورو الحرم يكشفون لـ«الوطن» أسرار تصوير «الكعبة» و«الحجاج»

كتب: سمر صالح

مصورو الحرم يكشفون لـ«الوطن» أسرار تصوير «الكعبة» و«الحجاج»

مصورو الحرم يكشفون لـ«الوطن» أسرار تصوير «الكعبة» و«الحجاج»

زوايا خاطفة للحرم من أعلى على بعد آلاف الأمتار، يبدو فيها الطائفون حول البيت كالبنيان المرصوص، يسيرون كساعة ضبطت عقاربها بالثانية دون تأخير أو تقديم، وصور استوقفوا بها الزمن فى خلسة اخترقوا بها خلوة أحدهم وهو يتضرع إلى الله فى خفية، جسدوا بها لحظات الخشوع والدعاء والابتهال للحجاج معتمدين فى ذلك على كاميراتهم الخاصة كأداة لترجمة مشاعر الملايين من زوار بيت الله الحرام.

{long_qoute_1}

«الوطن» حاورت عدداً من مصورى الحرم المكى (الكعبة) لمعرفة لتوثيق موسم الحج فى كل عام، منهم من يسعى لاختراق صفوف الملايين من الحجاج وصولاً إلى الحجر الأسود، ومنهم من يحلق فى الفضاء عالياً لنقل المشهد من أعلى متنقلاً بين الأماكن المقدسة كمنى وعرفات والمزدلفة.

مشارى الشهرانى، أحد المصورين، يستعد فى هذا الوقت من كل عام لموسم الحج، فيستحضر ذهنه ويسخر أدوات التصوير الخاصة به من أجل التقاط صور تميزه فى كل موسم عن السابق، خاصة أنه يوثق الحج فى كل عام، وفى حديثه لـ«الوطن» أكد أن أكثر ما يحرص عليه خلال الحج هو التقاط صور روحانية تلامس المشاعر، «أسعى دائماً لالتقاط صور روحانية لهم وهم فى المسجد الحرام، وهناك من يدعو ربه وهو خاشع باكٍ، وهناك من يقرأ القرآن، وهناك من يصلى، وهناك من يطوف ويعتمر، لنقل المشهد كاملاً دون نقصان، خصوصاً مع الزحام الشديد والعفوية فى الدعاء».

تختلف طبيعة التصوير على الأرض الثابتة أمام الكعبة عن التصوير الجوى عبر نوافذ الطائرة، أما الأسلوب الأول يتطلب سرعة الملاحظة والتركيز من أجل التقاط صورة خاطفة لأحدهم وهو يتضرع إلى الله وقت الطواف، وأما الأسلوب الثانى فيتطلب القدرة على التقاط زاوية غير معتادة وصورة واضحة الملامح خاصة مع اهتزاز الطائرة وضغط الهواء، ويقول «الشهرانى»: «إذا كانت أول طلعة جوية للمصور راح ينبهر من المنظر الجوى فمن الممكن أن ينقضى أغلب الوقت وهو يشاهد من غير ما يطلع بأى صورة، عشان كدا لا بد من التركيز والسرعة مع استخدام أكثر من كاميرا بعدسات مختلفة حتى لا يفوت فرصة وهو يبحث عما يحتاجه من عدسات».

«أصعب اللحظات أثناء تصوير ضيوف الرحمن تكون خلال أو بعد طواف الوداع، فنرى الأفراد الخاشعين والباكين فى وداع هذا المكان، فهم لا يعرفون هل سيعودون إليه مرة أخرى أم لا»، هكذا اختصر مصور الحرم أصعب اللحظات التى تؤثر فيه أثناء تصوير موسم الحج فى كل عام، ولذلك لا بد أن يكون المصور سريع البديهة فى التعامل مع هذه المواقف، حسب قوله.

على العكس، يرى مصور الحرم السعودى ياسر بخش، صاحب الصورة الشهيرة الخاطفة للحظة إفطار حراس الحرم فى رمضان الماضى، أن التصوير الجوى فى موسم الحج أسهل من التصوير الأرضى، لأن التنقل يكون سهلاً فى الجو من مشعر لآخر، فقد يستغرق الانتقال من مشعر منى إلى الحرم 5 دقائق فقط، أما فى الأرض فيعوق الزحام الشديد حريته فى التنقل والتقاط الصور بزوايا مختلفة، حسب قوله.

«بخش» صاحب الـ25 عاماً، رغم صغر سنه فإنه يتميز بصوره المميزة للحرم المكى وساعة مكة على بعد أمتار عديدة بعد أن حقق حلمه بالتحليق داخل طائرة هليكوبتر رافقه داخلها رجال الأمن السعودى، إضافة إلى صوره الناطقة على الأرض وسط صفوف الحجيج، يصف لحظات اقتناص الصورة فى اللحظة المناسبة قائلاً: «ممكن يكون فى أكتر من مصور فى نفس المكان، لكن لقطة معينة ما حدا يشوفها غيرك، لازم أستغل لحظة تأثر الحجاج وقت الدعاء، الحاج لوحده صورة ممكن توصل بيها معانى دين الإسلام للعالم».

وعلى عكس ما يعتقد البعض من أن شمس الظهيرة على جبل عرفة قد تعرقل عمل المصورين من شدة حرارتها وتأثيرها على سرعة حركتهم، يستغل «بخش» أشعتها وقطرات العرق السائلة على وجوه الحجاج فى خط ملامح صوره التى يلتقطها ما يجعلها أقرب إلى لوحة فنية مرسومة بمشاعر إنسانية ناطقة: «حرارة الشمس على الحجاج وقت رمى الجمرات تعطى للصورة مشاعر وتكون اللقطة إنسانية أكتر».

لم يغفل المصور الشاب فئة العاملين بالحرم، الساهرين على خدمة ضيوف الرحمن، فكان لهم نصيب من الصور التى يلتقطها لتوثيق مواسم الحج الماضية، وبحسب حديثه لـ«الوطن» فهو يتعمد إعطاءهم حقهم فى التصوير لتوضيح جهودهم فى خدمة الحجاج وكيفية استقبالهم لجموع المسلمين من شتى بقاع الأرض.

تصوير الحج بالنسبة لمصعب الشامى، أحد المصورين المصريين الذين وثقوا موسم الحج عام 2015، يتطلب منه دراسة كافية مسبقة للحرم والأماكن المحيطة به للتعرف على المداخل والمخارج نظراً لاتساع مساحته، ليتمكن من التقاط الصور من أفضل الزوايا، الأمر الذى وصل به إلى النزول فى جولات ليحفظ المداخل والمخارج قبل بداية موسم الحج: «كنت بروح أدرس المكان قبل بداية موسم الحج لأن الحرم كبير جداً وكنت باخد ساعات عشان أستكشفه وأقدر آخد صور حلوة».

ارتكز اهتمام «مصعب» فى تجربته الوحيدة مع تصوير الحرم خلال موسم الحج على اللقطات الإنسانية بشكل أكبر، فاخترق صفوف الحجاج أثناء الطواف حتى تمكن من الوصول إلى الكعبة، وهنا تكمن الصعوبة والمتعة فى نفس الوقت، وحسبما أكد فى حديثه لـ«الوطن» أن تصوير الحجاج وقت الطواف يحتاج تصرفاً سريعاً جداً وقوة ملاحظة لالتقاط صورة إنسانية مؤثرة نظراً للتزاحم الشديد مع حركة الحجاج ورغبة المصور فى التركيز على لحظات الخشوع والدعاء.

وعن أكثر المواقف التى تركت أثراً داخل المصور المصرى أثناء تجربته الوحيدة فى تصوير الحج يقول: «أكتر الحاجات اللى أثرت فيا حاجّة إيرانية وصلت الكعبة بعد محاولات كتير جداً، أثر فيا منظرها وهى لامسة الكعبة بإيديها والبكا والدعوات بتاعتها بعد إصرارها على الوصول للكعبة».


مواضيع متعلقة