مخازن وشركات بير السلم وراء ظاهرة الدواء المغشوش وإعادة تدوير «الفاسد».. و«النواقص» أزمة مزمنة

مخازن وشركات بير السلم وراء ظاهرة الدواء المغشوش وإعادة تدوير «الفاسد».. و«النواقص» أزمة مزمنة

مخازن وشركات بير السلم وراء ظاهرة الدواء المغشوش وإعادة تدوير «الفاسد».. و«النواقص» أزمة مزمنة

أزمات متكرّرة وتحديات كثيرة يشهدها عالم الدواء فى الفترة الأخيرة، سواء على مستوى الصناعة أو التوزيع أو البيع فى الصيدليات بعدما شهدت ارتفاعاً كبيراً فى الأسعار خلال زيادتين، علاوة على انتشار ظاهرة غش الدواء، ومعاناة الصيادلة فى التصرّف فى الأدوية منتهية الصلاحية من السوق، بعد امتناع عدد كبير من الشركات عن الالتزام بالقرار الوزارى الأخير الذى يجبرهم على سحب «الإكسباير» بنسبة 8%، والانتهاء منها خلال هذا العام.

{long_qoute_1}

وكانت لـ«الوطن» ندوة جمعت الأطراف المشاركة فى صناعة وتوزيع وبيع وتداول الأدوية، حضر فيها الدكتور أسامة رستم، نائب رئيس غرفة صناعة الدواء، والدكتور هانى فكرى، عضو رابطة موزعى الدواء، والدكتور أحمد أبودومة، المتحدث باسم نقابة الصيادلة، للإجابة عن جميع التساؤلات التى تخص نواقص الدواء، والأدوية منتهية الصلاحية الموجودة فى السوق، وتحديات ومستقبل صناعة الدواء. وأكد المشاركون فى الندوة، أن المخازن الصغيرة وراء ظاهرة غش الدواء، وإعادة تدوير الأدوية منتهية الصلاحية من السوق، مؤكدين أن الموروث الثقافى الخاطئ لدى الطبيب والمريض المصرى، بالإضافة إلى عدم تصنيع المادة الخام فى مصر، والاعتماد فقط على استيراد المادة الخام، من الخارج، أهم أسباب أزمة نواقص الدواء، لافتين إلى أن مصر بها ما يقرب من 180 مصنعاً لإنتاج الدواء، وهى قوة ليست هينة على الإطلاق، وتحتاج إلى عملية تنظيم، لكى تحتل مصر مكانة بين الدول المصنّعة والمصدّرة للدواء.

وإلى تفاصيل الندوة.

«الوطن»: بداية نريد معرفة أسباب «نواقص الدواء»؟

- «رستم»: منذ أن تخرّجت فى كلية الصيدلة، عام 1974، وهناك ما يُعرف بـ«أزمة نواقص الدواء»، وهى ليست وليدة اللحظة، ونعمل دائماً تحت مظلة أن هناك «دواءً ناقصاً»، وأى صيدلى لديه كُتيب يدونها فيه، وفى رأيى أن سبب الأزمة، أننا لا نُصنّع المادة الخام، كما أن علبة الدواء 95% من مكوناتها مستورد من الخارج، وبالتالى أى خلل فى عملية الاستيراد، ينعكس فوراً على الأدوية، وعند السؤال عن أى صنف دوائى ناقص، لا بد من معرفة نوعه، ومدة نقصانه لأنه من الممكن إذا حدث نقص فيه سيتوافر فى الشهر الذى يليه، ونحن منذ 3 سنوات بدأت ظاهرة النواقص تتضح، وبدأت الناس تشعر بأزمة، لذلك فإن سببها فى المقام الأول، هو أن العلاقة بين تكلفة الصناعة وسعر البيع للجمهور اختلف، فأصبح كثير من الشركات يقول إن تكلفة كثير من مستحضراتها أصبحت أعلى من سعر بيعها، فبالتالى يخسر ولا يستطيع استكمال إنتاج هذه الأصناف، والدواء هو السلعة الوحيدة فى مصر المسعّرة جبرياً، ولا يستطيع أى شخص رفع أو خفض أى سعر حسب أهوائه الشخصية، ووزارة الصحة هى المسئول الأول عن تحديد سعر الدواء، لكنها فى الوقت نفسه لا تدعم تلك الصناعة، ومن تدعمه هو شركات الأدوية المصنّعة، فمثلاً نجد دواءً فى الثمانينات كان سعر الدولار 80 قرشاً، أما الآن فسعر الدولار وصل إلى 16 جنيهاً، لكن سعر الدواء كما هو، إذن الربحية التى وضعتها قديماً مع مرور الوقت بدأت تتآكل، وتحولت الربحية إلى خسارة وهو ما ظهر فى آخر سنتين، وحدث تعديل فى الأسعار خلال مايو 2016، وكان دفعة جيدة لشركات الأدوية، كما حدثت زيادة أخرى فى يناير 2017، والجمهور توقع أنه بعد الزيادتين أن الأدوية ستتوافر، وتوقعنا كقائمين على شركات الدواء، أن الزيادة ستمنع النواقص، وأن توفر المواد الخام ونعود للوضع الطبيعى مرة أخرى كما كان، وللأسف القدرات المالية للشركات اليوم لا تسمح بوضع مخزون مواد خام كما كان من قبل من 4 إلى 6 أشهر، وكان يتوافر لدينا رصيد للصناعة، ويمكن أن أصنع المواد الخام حتى 6 أشهر وتستطيع أن تسد الفراغ، وهذا الأمر كان يكلفنى 100 ألف جنيه مثلاً، والآن أصبح يكلفنى 200 ألف جنيه، فاضطرت الشركات لأن تقلل مدة التخزين لتصل من شهرين إلى 3 شهور، لكن الاستهلاك زاد، أو ربما خطأ فى الشحن لبعض المواد الخام، وبالتالى نتوقع مع تحسن الاقتصاد، وممارسة الشركات فى الأسعار الجديدة، أن نجد فى نهاية 2017، تحسناً فى صناعة الدواء.

- «أبودومة»: بالنسبة لأزمة نواقص الدواء، جزء كبير منها يعود للموروث الثقافى الخاطئ لدى الطبيب والمريض، وعلمياً لا أستطيع أن أقول إن هذا الدواء ناقص فى السوق، إلا إذا كان هو ومثائله غير موجودة، لأن لدينا لكل دواء أكثر من 12 مثيلاً تقريباً، أى له نفس المادة الفعالة والتأثير، لكن المريض اعتاد دائماً على الارتباط باسم تجارى لدواء معين، وما نعانى منه الآن هو نواقص فى بعض الأدوية المستخلصة من بعض الهرمونات، نظراً لأنها تأتى مستورَدة بالكامل من الخارج.

- «فكرى»: نجد أزمة النواقص موجودة فى الأدوية الحيوية التى لا يوجد لها بدائل أو مثائل، فى الصيدليات أو الأدوية المستورَدة التى لا يوجد لها بديل فى مصر، فنحن لدينا ما يقرب من 180 مصنعاً لإنتاج الدواء، وهى قوة ليست هينة على الإطلاق، وتحتاج إلى عملية تنظيم، ولا بد أن تضع وزارة الصحة قانوناً أو تشريعاً به شروط تجبر أى شركة أو مصنع جديد عند إنشائه على تسجيل الأدوية الناقصة من السوق، وأن تضع وزارة الصحة قائمة بالأدوية الناقصة من السوق، وأن تجبر الشركات الجديدة على تصنيعها فقط حتى يتم سد ذلك العجز فى النواقص، والأدوية التى يتم استيرادها، حتى يتم تنظيم العملية فى التصنيع، وأن يتم توفير جميع الأدوية فى السوق. {left_qoute_1}

«الوطن»: رغم تضاعف قيمة الدولار 5 مرات تقريباً، فإننا لم نلحظ نواقص الدواء، مثل الفترة الراهنة.. فلماذا؟

- «رستم»: لأنه لم تحدث الطفرة فى الزيادة بمعدل 100%، فى يوم واحد، فمثلاً لدى شركة 4 أصناف مسجّلة بأسعار مختلفة، منها أصناف من التسعينات وبالأسعار القديمة، أما «المسجلة» مؤخراً، فليست لديها أزمة، والناس تعتقد أننا كصناع دواء، نطالب بوضع تسعيرة حرة له، إلا أنه فى غياب التأمين الصحى، نجد شركات الدواء ليس لها مصلحة لأن تطالب بسعر حر، لكننا نسعى لتسعيرة عادلة، أى أن يكون لنا هامش ربح بعد إنتاجنا له، وكذلك للصيادلة والموزعين هامش ربح، وعلى الدولة أن توفر منظومة للتأمين الصحى، بحيث تدعم المواطن فى الحصول على الدواء، وهل هناك سلعة واحدة لم يزد سعرها منذ التسعينات وحتى الآن؟ لكن مشكلتنا أننا لم نطبّق القانون الخاص بسياسة التسعير، التى من المفترض أن تسير عليها وزارة الصحة، إلا أننا لم نَسِر على ذلك، لأن أى وزير يأتى حريص على عدم إغضاب الجمهور، لذلك فإن شركات صناعة الدواء، تحقق ربحاً كبيراً ومكاسب، والمنتج الذى يحقق مكاسب يتحمل ما يحقق خسائر، لكن عند «تعويم الجنيه» نحن كمصنعين، اعترضنا واتفقنا على توقف صناعة الأدوية التى تحقق خسائر، لأنه لا يوجد أى هامش ربح يتحمّل رفع سعر التكلفة 100%.

«الوطن»: وما حل تلك الأزمة، خصوصاً بعد زيادة معظم أصناف الدواء بنسبة 15%؟

- «رستم»: نطالب منذ أكثر من 4 أو 5 سنوات كغرفة صناعة الدواء بنظرة إلى أسعار الدواء ككل وإعادة تقييمها، لأن ما حدث فى 2016 من زيادة للدولار، جعل الشركات فى أمر غير طبيعى، كما أن الدولة تطالبنا بتحميل الأصناف الخاسرة على التى تُحقق ربحاً، وهذا خطأ فى إدارة الشركات ولا يُعترف به.

- «أبودومة»: أرى أنه إذا تغيّرت ثقافة الطبيب المصرى من كتابة الدواء بالاسم العلمى بدلاً من الاسم التجارى، فإننا سنكون أمام حل ما يقرب من 65 إلى 70% من الأزمة.

- «فكرى»: فى قانون التسعير كل دواء له مثيل، وكل مثيل له سعر مختلف، خصوصاً أن الاسم الأول أو الشركة التى سجّلت الدواء منذ سنوات كثيرة، وكانت السبّاقة فى التسجيل، يتيح لها أن تسجله بسعر أعلى من الشركات التى تُنتجه بعدها، ومن هنا يأتى الاختلاف فى فروق الأسعار.

«الوطن»: كنتم شركاء فى تحديد أصناف الدواء التى ارتفعت أسعارها خلال الفترة الأخيرة.. فلماذا تتضررون الآن؟

- «رستم»: اخترنا الأدوية التى تحقق مكاسب، ولا يوجد لدينا مشكلات الآن، وبالتالى على الشركات أن تستمر فى الإنتاج، لأن الأعباء المالية لم تزِد، إلا فى بعض فواتير المياه والكهرباء، وهى أمور يمكن للشركات تحمّلها، لكن الأزمة الحقيقية هى أن سياسات وزارة الصحة فى التسعير لم تراعِ -خلال السنوات الماضية- الزيادة فى التكلفة، والزيادة الأخيرة تمثل عبئاً على المواطن، لأنها لم تكن تدريجية.

«الوطن»: بعض الشركات لم تلتزم بالنسبة المحدّدة فى زيادة أسعار بعض أصناف الدواء، وقد نجد دواءً كان ثمنه 5 جنيهات وصل إلى 40 جنيهاً.. فلماذا؟

- «رستم»: هناك قرار وزارى بتحديد نسبة الزيادة على 99% من الأدوية، لكن هناك ما يسمى بـ«لجنة التسعير» فى الوزارة تذهب إليها بعض الشركات التى قد تنتج بعض الأدوية الحساسة، كالتى تُستخدم فى علاج أمراض القلب، والتى تخسر حتى بعد زيادة الأسعار عموماً، فتذهب الشركة بالأوراق والفواتير التى توضح تكلفة صناعة الدواء، فتجد الأسعار لا تناسبهم، وتقوم اللجنة بدراسة الأوراق وتعيد التسعير من الأساس لهذا الصنف، حتى تستطيع الشركة أن تستمر فى الإنتاج.

- «أبودومة»: الأزمة الحقيقية تكمن فى سياسة التسعير المتّبعة فى وزارة الصحة، ولدينا 3 أسعار للدواء، فهناك سعر للمنتج الأول الذى صنع الدواء، كما أن هناك أدوية مستورَدة من خارج البلاد التى تحتوى على نفس المادة الفعالة، ثم تليهما الشركات المصرية التى يصل عددها إلى نحو 12 شركة تنتج الدواء نفسه، ومن المفترض أن جميعهم يبيعون بنفس السعر، لأن المريض والصيدلى، يجدان أنفسهما أمام دواء به نفس المادة الفعّالة، لكن هناك اختلافاً فى الأسعار، ولا بد من تعزيز الثقة فى الدواء المصرى، لأن هناك من يُشكك فى كفاءته، فنجد أن هناك دواءً يعالج نفس المرض، وله نفس التأثير وبه نفس المادة الفعالة، فتجد صنفاً بـ20 جنيهاً، والآخر يصل سعره إلى 80 جنيهاً، لاختلاف الشركات فقط، وهو أمر ليس له تفسير بالنسبة للصيدلى يستطيع توضيحه للمريض، وهو ما يزيد من تشكيكه فى الدواء، فلا بد من إعادة النظر فى آلية تسعير الدواء، وكانت هناك مطالبات فى مجلس النواب، وكان هناك شبه إجماع على أن تكون هناك لجنة لإعادة تسعير كل أصناف الدواء، التى تصل فى جميع الأحيان إلى نحو 10 آلاف صنف دوائى، لإزالة تلك التشوّهات، وأن يكون هناك سعر جيّد وسنجد لها حلاً.

{long_qoute_2}

«الوطن»: الكثير من المرضى يؤكدون أنه بالتجربة العملية وجدوا أن بدائل الأدوية لا تُحقق النتيجة والتأثير نفسهما.. فما تفسيركم لذلك؟

- «أبودومة»: هناك فى «علم الدواء» ما يُسمى بالتأثير النفسى، فمثلاً فى بعض التجارب العملية التى خرجت من هذا العلم، بعض الباحثين يعطون المريض أقراصاً مشابهة وليس فيها أى مادة فعالة، وتصل أحياناً النسبة من 10 إلى 15% من تأثير العلاج، كما أن جزءاً من المجتمع يتعامل مع الدواء بجزء من الحميمية، وهو أمر ليس مطلوباً فى الدواء، والمريض تكون ثقافته عن الدواء من الأصدقاء أو الموروث الثقافى، وهو أمر مرفوض، وتعلمنا فى الكلية أن الدواء لا بد أن تكون فاعليته 100% وليست 99%، لكن تجد أن بعض المواطنين لديهم ذكريات وتجارب مع دواء معين، فيصرون عليه.

- «فكرى»: الحكومة نفسها رسّخت لمفهوم أن هناك أصنافاً أفضل من أخرى رغم احتوائها على نفس المادة الفعالة، بدليل أنه فى التأمين الصحى تطرح كراسات الشروط بها أكثر من 3 أو 4 أصناف، ويوجد اتجاه آخر، بأن هناك عيادات لبيع الدواء الأصلى، الذى قد يكون سعره 30 جنيهاً، والصنف نفسه يحمل اسماً آخر يباع، وليكن 5 جنيهات، والمريض يدفع الفرق، وهو ما يخلق عدم ثقة لدى المريض، لأنه قد لا يثق إلا فى شركة معينة، ونقيب الصيادلة الأسبق، قال إن «الدواء ليس به فرز أول ولا ثانٍ، لأننا لا نبيع سيراميك».

- «رستم»: الدواء يُصنّع وفقاً لمعايير دولية عالمية تضعها منظمة الصحة العالمية اسمها معايير التصنيع الجيد، لأننا عند تصدير الدواء أو استيراده، يكون هناك تفتيش من الوزارة عند تصنيعه، لتطمئن على صحة المواطنين، وإذا لم تطبّق المعايير الدولية سترفض الاستيراد، ولا بد للجميع من الالتزام بها، ونحن نحصل على المادة الخام من الخارج، ولا بد أن يتم تتبع نفس خطوات التصنيع خلال السنوات، وهناك ما يُسمى بالتكافؤ الحيوى الذى يجرى على كل صنف، فهناك أحد المراكز البحثية لكى تثبت أن الصنف الفلانى له نفس التركيبة والفاعلية مثل الصنف الآخر، ومع ذلك نجد أن هذا الصنف قد يأتى بنتيجة والصنف الآخر لا يأتى بنتيجة، لأن هناك اختلافاً بشرياً بين شخص وآخر، وهى فروق فردية وعوامل بشرية مختلفة، فمثلاً الطفل المصرى امتصاصه لدواء معين مختلف عن نظيره الأوروبى، فمثلاً دواء «السوفالدى» فى أمريكا أثبت فاعليته وصلاحيته للجين الأول لديها، أما الباحثون المصريون فحاولوا دراسة فاعليته على الجين الرابع، ولا يمكن استخدامه قُبيل إجراء تلك التجارب والدراسات، لكن أن يقال فى المطلق إن هذا الدواء يأتى بنتيجة، والدواء الآخر لا يأتى دون دليل، فإنه يحق للشركة التى تم الخطأ فى حقها، أن تطالب بتعويض.

«الوطن»: الصيادلة يطالبون الأطباء بكتابة الاسم العلمى للدواء ويؤكدون أنها ستسهم فى حل أزمات نواقص الدواء.. فما رأيكم فى ذلك؟

- «رستم»: قد يبدو تطبيق الاسم العلمى بالحل السحرى، لكن من وجهة نظرى المتواضعة أنه ليس كذلك، كثير من الصيادلة ينادون بتطبيقه، فهو أمر بالفعل مطبّق لدينا فى التأمين الصحى، والأطباء يتعاملون به، ونجد أن الصيادلة يطالبون بتعميمه على غرار تجربة «إنجلترا»، لكن الفرق بيننا وبينهم أن منظومة التأمين الصحى هناك تغطى أكثر من 90% من المواطنين، ولا يلجأون إلى الصيدليات الخارجية إلا فى أضيق الحدود، والمنظومة هناك تختلف تماماً عن الوضع هنا، والمشكلة الحقيقية هنا فى سمعة التأمين الصحى.

«الوطن»: هل يسمح التأمين الصحى للمريض بأن يصرف العلاج من صيدلية خارجية؟

- «أبودومة»: من المفترض فى القانون الجديد أن يطالبوا بالفصل بين الخدمة ومؤديها، أى يمكن أن يحصل على خدمته فى أى مكان، حسب توافرها.

- «رستم»: مصر دولة من العالم الثالث وقدرتنا محدودة، ومن المعروف أن الخدمة الطبية مكلفة، وهو أكثر شىء مزعج لأى دولة أو نظام، ففى إنجلترا مستشفيات التأمين الصحى هناك تأخذ كل الخدمة مجاناً، ويعطون المريض تحفيزاً، فمثلاً عند إجراء عملية «اللّوز» إذا تحسّن المريض بعد اليوم الأول، تعطِيه حافزاً حتى يخرج من المستشفى، لأن وجوده داخله سيُكلف الدولة أكثر، وهو ليس بحاجة إلى وجوده فى المستشفى. {left_qoute_2}

«الوطن»: البعض اتهم غرفة صناعة الدواء بأنها تسعى لتطبيق تسعيرة حرة للدواء، رغم أنكم قلتم إنها ليست فى صالحكم، فى ظل عدم وجود منظومة جيدة للتأمين الصحى.. فسر لنا ذلك؟

- «رستم»: حالياً 85% من تكلفة الدواء، التى تصل إلى 45 أو 46 مليار جنيه، كحجم سوق، يدفعها المواطن فقط، لكن فى ظل وجود تأمين صحى ستكون جميع المصاريف التى يتحمّلها المنتج فى المناقصات والدعاية لا وجود لها لأن «التأمين» يبحث عن الشركة التى ستعطيه الدواء بأقل سعر، وفى الخارج يغطى 90% من المواطنين، وتجد الشركات المصنّعة للدواء تحارب على تسجيل دوائها فى التأمين، لأنه يشمل قطاعاً كبيراً من الناس، والسمعة ينبغى أن تتغير بالممارسة داخله، بحيث يشعر بها المواطنون، كما أننا لدينا أزمة فى ثقافة التعامل مع الممارس العام، على أنه دون المستوى، وكأنه يقضى فترة عقوبة فى الوحدة الصحية، رغم أنه غير ذلك، حيث يذاكر ويحضر مؤتمرات علمية، ويطور نفسه دائماً، وأحد أخطاء التأمين الصحى أنهم أجبروا الشركات على أن تورد العبوة ليس عليها اسم الشركة أو الاسم التجارى، فوافقنا، ولدينا دواء يحتل مكانة كبيرة فى السوق، ونورّده للتأمين الصحى، وتجد بعض المواطنين ينظرون إلى الدواء على أنه مجهول الهوية والعنوان، ويلقى بالدواء فى أقرب سلة قمامة.

«الوطن»: بعض الصيادلة يحتكرون بعض أصناف الدواء «الشحيحة» فى السوق لبيعها بسعر أعلى.. فما ردكم على ذلك؟

- «أبودومة»: لا يوجد صيدلى مصرى يبيع الدواء بسعر غير المدون على العبوة، والبيع بسعر أعلى مجرّم قانونياً، ويتم محاسبته، وأى مهنة بها الصالح والطالح، لكن حق المريض والصيدلى على الدولة أن يتم توفير الدواء طالما أنه مسجل فى مصر وبكمية حتى يتم منع تلك الحالات، خصوصاً أنه إذا توافر العلاج لن يفعل ذلك، وتلك حالات فردية ولا تعمّم، فالصيدلى هو خط الدفاع الأول للمريض فى منظومة العلاج فى ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.

«الوطن»: شهدت مصر فى الفترة الأخيرة أزمة فى «ألبان الأطفال».. فكيف تم التغلب عليها؟

- «فكرى»: تدخّل القوات المسلحة أنقذنا من أزمة كبيرة، وأجبر الشركات على تقليل سعر ألبان الأطفال من 100 جنيه إلى 33 جنيهاً، والأزمة لم تكن فى نقصها، لكن فى التوزيع من قبل الحكومة ووزارة الصحة، فجهاز الخدمة الوطنية للقوات المسلحة، كان له دور رائع فى التعاقد على كميات طبقاً لإحصائيات الوزارة، وبعد عدالة التوزيع أصبحت لدينا وفرة.

«الوطن»: لماذا لم تسحب الشركات الأدوية «منتهية الصلاحية» من السوق؟

- «فكرى»: شركات الأدوية التزمت بسحب الأدوية «الإكسباير»، وتعمل طبقاً للقرار الوزارى والمنظومة، لكن لا بد من وضع معايير لتجميع تلك الأدوية من خلال حصر عددها ونسبتها حتى تتولى الشركات سحبها، وهناك نسبة 8% متفق عليها مع وزارة الصحة ونقابة الصيادلة، خصوصاً أن هناك ما يقارب 400 مليون جنيه أدوية منتهية الصلاحية، وهذا القرار مأخوذ منذ 2010، ونحاول سحب الأدوية المنتهية، لكن لا يوجد حصر شامل بها، خصوصاً أن منظومة التوزيع اليوم تخدم الصيدليات.

- «أبودومة»: أزمة الأدوية المنتهية قديمة جداً، وهى على رأس أولويات أى عمل نقابى، وهناك رقم مهول منها فى السوق، وقمنا باتفاقات ودية لسحبها بين النقابة والأطراف المعنية، إلا أنه لم يتم التوصل إلى حل، وسعت النقابة لأن يكون هناك قرار ملزم بالتراضى عليه بين جميع الأطراف، إلا أنه ليس لدى كل الشركات المصنعة مفهوم أن لديها كماً من الممكن أن يهدد سمعتها، لا سيما أن هناك بعض معدومى الضمير الذين يعيدون تدوير العلاج منتهى الصلاحية من الشركات «بير السلم» أو أفراد يمرون على الصيدليات ويأخذون الدواء ويعيدون تدويره، وهى نسبة ليست كبيرة، لكن لا شك أن الظاهرة موجودة فى جميع دول العالم وليس فى مصر فقط.

«الوطن»: إحدى الشركات صرفت أرباحاً لعمالها بمناسبة تصريفها أدوية منتهية الصلاحية قيمتها 200 مليون جنيه.. فما ردكم على ذلك؟

- «رستم»: لا توجد شركات تفعل ذلك فى الوقت الحالى، ربما تكون تلك الواقعة قديمة، وما يحدث فى السوق ظاهرة مجرمة، فمصر بها نسبة بطالة والشعب «فهلوى»، ولو استخدمنا ذكاءنا فى العمل سنكون أفضل بكثير، بمعنى «ينزل مجموعة من الشباب يأخذون الأدوية من الصيدليات ويعيدون تدويرها»، فأصبح غش الدواء الآن يتم بمهارة يصعب على المواطن كشفها.

«فكرى»: هذه أزمة ضمير لا يمكن تعميمها على باقى الشركات التى نتعامل معها، خاصة أننى أتعامل مع شركات قطاع عام واستثمارية و«مالتى ناشيونال».

«الوطن»: هناك بعض المخازن الأهلية تلعب دوراً فى إعادة تدوير الأدوية المنتهية الصلاحية.. فكيف يمكن تقنين تلك الأوضاع؟

- «فكرى»: يومياً هناك مفتشون من وزارة الصحة على جميع المخازن، وتخضع للتفتيش وغير مسموح لأى شخص أن يخصص مخزن دواء.

«رستم»: هناك مخازن عليها رقابة، وأسوأ شىء فيها أنها لا يشترط فيها أن يكون القائم عليها صيدلياً، وتعد كارثة فى القانون.

«الوطن»: وما نسبة المخاطر التى تنتج عن المخازن فى تسريب أدوية منتهية الصلاحية والتلاعب بها؟

- «رستم»: «أغلب المشاكل اللى مريت بها فى غش الدواء كان مصدرها المخازن، والصغيرة هى الأساس»، لأن الشركات الكبرى لا يمكن أن تفعلها، واتهامها بإعادة تدويرها لا أساس له من الصحة، لأنه يكلف الشركة بشكل كبير، وليس كما يتخيل البعض، فالأسهل بالنسبة للشركات إعدام تلك الأدوية، أما المخازن وشركات «تحت بير السلم» فتقوم بتغيير تاريخ الصلاحية المدون على علبة الدواء، خاصة أصناف الأدوية الغالية، وهى فى أضيق الحدود وأشهرها أدوية التخسيس وغيرها، ولا بد أيضاً من خلال هذه الندوة أن نطمئن المريض أن الدواء الموجود على الرفوف فى المخازن والموزعين والصيدليات آمن وفعال، لأننا نصدر إلى أكثر من 65 دولة فى العالم، ولا نستطيع أن نصدر تلك الأدوية إلا من خلال التجربة الفعالة».

«الوطن»: البعض يقول إن الدواء الذى تصدره شركات الأدوية غير الذى يتم طرحه للمواطنين فى السوق.. فهل هذا صحيح؟

- «رستم»: صناعة الدواء ليست كالسيراميك، بها فرز أول وثانى، ونحن ننتج الدواء فى خط إنتاج واحد دون أن نعلم لمن سيكون، سواء فى الداخل أو فى الخارج، وننتج مثلاً 400 ألف حقنة، فنعطى منها 50 ألفاً للخارج و100 ألف للتأمين الصحى، ونضع لكل جهة «اللاصق» الخاص بها، دون تفرقة فى المادة الخام.

«الوطن»: ماذا عن صناعة الدواء المصرى وتصديره؟

- «رستم»: نحن قادرون على تصنيع المادة الخام للدواء، ولدينا الكفاءات والإمكانيات وأساتذة جامعات ومراكز بحثية، ولكن إذا كنا سنصنع المادة الخام ستكلفنا أكثر من السعر الذى نستورد به، ففى الهند مصانع عالمية تنتج كميات كبيرة جداً، وبالتالى يستطيعون عمل تحكم فى السعر، وشرط امتلاك مصر لصناعة الدواء أن يكون لدينا صناعة بتروكيماويات، لأنها أساس المادة الخام، كما أنه لا توجد السوق الكبيرة التى تمكننى من التسويق لمنافسة الهند والصين، فمثلاً إذا ذهبت إلى السعودية لتبيع لهم أحد الأدوية، وقلت له الكيلو بـ30 دولاراً، لن يشترى منك وسيقول إن المنتج الهندى بـ5 دولارات فقط، ونحن نستطيع أن نصنع الدواء، وعلى حسب معلوماتى هناك اتجاه للدولة برعاية بعض الجهات السيادية بأن يتم اختيار بعض المواد الخام التى تستهلك بدرجة كبيرة فى مصر، وأيضاً فى الدول العربية والأفريقية لإنتاجها، وهذا الأمر جيد بكل تأكيد ولكن بشرط أن تكون المادة منافسة للسعر، والمشكلة الحقيقية التى نواجهها فى هذا الأمر أن جميع المواد الخام انتقلت للهند والصين، ولم تعد موجودة فى إيطاليا وألمانيا وغيرهما، فمعظمهم نقلوا صناعاتهم إلى الصين حيث العمالة الأقل تكلفة، فبالتالى يمكن التصدير والحصول على أرباح أكبر من التى كان يحصلون عليها فى بلادهم، ومصر تصدر بنحو 220 مليون دولار إلى 230 مليون دولار، وهذا الرقم ضئيل جداً، خاصة أننا نمتلك 150 مصنع دواء، بالإضافة إلى 60 مصنعاً تحت الإنشاء، ولكن أؤكد أنه إذا تمكنا من حل مشكلاته، سنستطيع التصدير خلال 3 سنوات إلى 5 سنوات بنحو 2 مليار دولار.

«الوطن»: وما مشكلات التصدير؟

- «رستم»: المشكلة الأكبر التى تواجهنا هى الأسعار المتدنية للمستحضرات، حيث إن الدواء يتم تسعيره بناء على قدرات المواطن المصرى لتكون مناسبة له، وجرى العرف عالمياً أن سعر بلد المنشأ هو السعر الاسترشادى الذى سيأخذ به البلد المستورد، وإذا أردنا أن ننافس فى سوق مثل المملكة العربية السعودية، سوف تحتاج مندوبى دعاية وتوفر لهم المسكن والراتب وسبل إنجاحهم، فمثلاً سعر أحد أدوية الضغط المصرية فى السعودية يصل إلى 2 ونصف ريال سعودى، ومثيله من شركة أخرى يصل ثمنه إلى 35 ريالاً سعودياً، هذا الفارق يصب فى مصلحة الدواء الأغلى، لأن المواطن السعودى غنى، فلن يرضى بالدواء الرخيص، لذلك لا بد أن نجد آلية تتوافق مع المعايير الدولية، لكى نتمكن من تصدير الدواء بسعر أكبر من سعره فى مصر، وآخر ما وصلنا إليه فى هذا الأمر مؤخراً أن الدكتور أحمد عماد وزير الصحة فى زيارته الأخيرة إلى الأردن تحدث معهم بأن سعر التحويل ليس له علاقة بالسعر الفعلى، فإذا كنا نتحدث مثلاً أن الدينار الأردنى يساوى 25 جنيهاً، فإن الدينار فى الأدوية سيساوى 5 جنيهات، فبالتالى إذا أخذوا الدواء المصرى بالسعر الأردنى يساهم ذلك فى ارتفاع سعر المنتج، وذلك يكون طبقاً لاتفاقيات ثنائية، وإذا نجحنا أن نستخدم الأردن كممر، بأن يأخذ كميات أدوية تحتوى على 50 ألف قرص مثلاً، وتعاد تعبئتها ويقوم بتوزيعها كأنها صنع فى الأردن، وهم يمتلكون علاقات يستطيعون تسويق الدواء بشكل أفضل، سيعود عليهم وعلينا بالنفع، والأردن تحديداً لأن صناعة الدواء هناك مثل قناة السويس فى مصر، حيث إن تصدير الأدوية له الأولوية فى الأردن حيث تصدر دواء بـ1.8 مليار دولار، وعندما كان يأتى الملك حسين أو الملك عبدالله، كان ملف الدواء أول الملفات التى يناقشها فى مصر.

{long_qoute_3}

«الوطن»: لماذا تقدم شركة «إيبيكو» أقل سعر؟

- «رستم»: الدكتور أحمد إسماعيل معلمنا وأستاذنا ومؤسس إيبيكو هو صاحب نظرية ثبت نجاحها، تقول إنه لا يوجد شىء بما يسمى إعطاء بعض الأدوية مجاناً، أو عليها علاوة (بونس)، فقد رأى منذ اللحظة الأولى أن المريض هو الأحق بأى تخفيض إن وجد، ولذلك أصبحت أدوية إيبيكو اقتصادية، ولكن بشكل عام نحن عندما نصنع الدواء لا نعرف سعره سواء سأربح منه أو سأخسر، وبعد تسجيله نستطيع أن نعرف ذلك، وغير مسموح بأى شكل من الأشكال تحت أى ظرف التلاعب بالمادة الفعالة للتربح من وراء الدواء.

«الوطن»: شركات قطاع الأعمال كانت تمثل نحو من 40% لـ60% فى صناعة الدواء؟

- «رستم»: الشركة القابضة للدواء كانت تحتكر من 60 لـ70%، وبالتالى لم يكن لها منافسون، ومع الوقت أصبحت قدرتها الإنتاجية أقل من الشركات الجديدة، ومن الصعوبة أن تعود السيطرة لها مرة أخرى، وأن تصل نفس نسبة السيطرة على السوق حتى 50%، وهذا أمر لا يحدث فى العالم، وهى الآن تحتكر نحو 4% من أرباح السوق، وإذا تمكنت أن تصل إلى 7% فقط، فهذا إنجاز حقيقى، والوصول لهذه النسبة يكون بتخصيص جزء من الأرباح لتطوير خط الإنتاج مثلما تفعل الشركات الخاصة.

«فكرى»: للأسف القطاع العام لم ينتج دواء جديداً طوال الـ20 عاماً الماضية، فى حين أن بعض الشركات الخاصة أنتجت دواء وغيرته خلال 7 سنوات طبقاً للمتغيرات العالمية.

«أبودومة»: هناك لجنة شكلها رئيس الوزراء المهندس شريف إسماعيل، بناء على توجيهات من الرئيس عبدالفتاح السيسى، لبحث ودراسة أسباب تدهور شركات قطاع الأعمال، وبالفعل اللجنة اجتمعت 4 مرات وآخر هذه الاجتماعات الأسبوع الماضى، ونأمل أن تعيد هذه اللجنة التوازن للشركات، ولا بد من إعادة النظر فى تسعيرة الدواء، لأنه من غير المعقول أن يكون هناك دواء به 50 قرصاً وسعره 90 قرشاً حتى الآن.

«الوطن»: أين صناعة الدواء المصرية مقارنة بالصناعة عالمياً؟

- «رستم»: قضيت حياتى العملية تقريباً فى معظم الشركات العالمية، وعدت إلى مصر عام 2004، للاستقرار بها ونقل الخبرة لصناعة الدواء داخل الدولة، ومنذ تاريخ نزولى أرض الوطن وما أقوله فى كل لقاءاتى وندواتى لا يحدث، وسئمت من مناقشة مشاكل صناعة الدواء فى مصر، وأعتقد أنه من عام 1990 مشاكلنا معروفة فى القطاع، لعدم وجود جدية للارتقاء بهذا الأمر، ولكن أستطيع أن أؤكد أن الفترة الأخيرة بقيادة الرئيس السيسى الدولة تتوجه فعلياً لتطوير هذه الصناعة، لشعورهم أن تراجعها يمثل خللاً فى الأمن القومى، خاصة أننا مقبلون نحو ثورة صناعية رابعة، سيكون هناك اختلاف فى نوعية الدواء وتناوله، ونوعية توزيعه، والعالم سيصل إلى مرحلة أن الشركات العالمية تحاول السيطرة على الصناعة عن طريق التكنولوجيا، وهذا أمر فى منتهى الأهمية.

«الوطن»: بعض الأدوية نجد أن السعر الأساسى تم إلغاؤه وكتابة سعر جديد بالقلم.. لماذا؟

- «أبودومة»: «متابعة الأسعار» أباحت كل تسعيرات الدواء التى صدرت فى تاريخ مصر، منذ بداية معرفتها بعالم الدواء والتسعير الجبرى، وللصيدلى حق أن يشطب السعر القديم، وأن يبيع بالسعر الجديد، طالما صدر قرار تسعير جديد، آخرها تسعيرة مايو 2016.

«فكرى»: الدواء مثل البنزين، عندما يتم رفع سعر المحروقات، فإن القرار يطبق على الجميع، فهل منطقى أن تقول لعامل البنزينة أن يبيع لك البنزين بسعر إمبارح لأنه قديم ولم تطبق عليه الأسعار الجديدة، وبالفعل التسعيرة الأخيرة فى زيادة أسعار 30، 40، 50 جنيهاً ونحن فى مرحلة المواطن لا يتحمل.

«الوطن»: هل التسعيرتان للدواء تمثلان أزمة للصيدلى؟

- «أبودومة»: نعم أزمة كبيرة للصيدلى، وأحد الأمور المؤرقة له، لأنها سمحت بوجود سعرين للدواء على غير العادة، وهناك سوء إدارة للملف من قبل وزارة الصحة، لأنه ليس منطقياً أن تظل المفاوضات حول تسعيرة الدواء مستمرة لـ3 شهور، لأنه من الطبيعى أن الصيدلى الباحث عن الربح قام بتخزين الدواء، لبيعه بسعر أعلى، وهناك مخازن كبرى خزنت الدواء، وهناك بعض الشركات قامت «بتعطيش» السوق، وغرفة صناعة الدواء اعترفت بذلك فى بعض الأصناف، وأن فلسفة التسعير غريبة، لأنه لا يمكن أن تكون الشركة هى الخصم والحكم فى نفس الوقت، حيث ترك حرية اختيار 15% من منتجاتها لترفع سعرها، فمن الطبيعى أن تختار الشركة الأدوية الأكثر تداولاً، وكان على وزارة الصحة أن تعمل فحصاً شاملاً لكافة المنتجات وتقول هذا الدواء يستحق أن يرتفع سعره وهذا الدواء لا يستحق، وفى كل الدول الكبرى والمتقدمة والحديثة فى صناعة الدواء، نجد تسعيرة الدواء أن سعر أى منتج (مادة فعالة) له ثلاثة أسعار: الأول هو «البراند» أى الناس التى صنعت الدواء فى الأساس، وهؤلاء من حقهم وضع السعر كيفما يشاءون، و«الثانى» هو المستورد، و«الثالث» هو الشركات المصنعة داخل الدولة، ولتكن 5 أو 10 شركات مثلاً فى مصر، فلا بد من تثبيت سعر المنتج بينهم، ومن حق الشركة المصنعة أن تعيد النظر بعد فترة فى سعر الدواء الذى صنعته، ولا بد من الإشارة إلى أن قرار البيع بتسعيرتين كافأ المحتكر، حيث تمكن بعض الصيادلة من تخزين الدواء، وبيعه بعد ذلك بأسعار أقل من الصيدليات الأخرى، فأصبح أمام الناس البطل الذى يدافع عن حقوق المواطنين، وهذا الأمر غير حقيقى بالمرة، وبالفعل حدثت مشكلات وأزمات عديدة، ولا بد من الإشارة إلى أن السوق المصرية سوق جاذبة جداً لأى شركة عالمية، لأن عدد السكان كبير، والمريض يتعامل مع الدواء مثل الحلوى يتناولها فى أى وقت حسب رغبته، ولا توجد دولة فى العالم تصرف دواء دون روشتة غيرنا، وذلك بسبب نقص الخدمة الطبية، لذلك الصيدلى حائط صد المنظومة العلاجية فى مصر، حيث إنه لا يوجد طبيب يكون موجوداً فى الوحدة الصحية بعد الساعة الثالثة عصراً فى كثير من القرى والمراكز والنجوع، ولا يجد المريض أمامه إلا الصيدلى.

«فكرى»: مريت بتسعيرتين، الأولى فى مايو 2016، والثانية فى فبراير 2017، ما أحدث فكرة احتكار من قبل البعض للأدوية التى لا غنى عنها، وأصبحت بعض الصيدليات تبيع بسعر والبعض الآخر يبيع بسعر آخر.

«الوطن»: وكيف تعامل الصيدلى مع التسعيرتين؟

- «أبودومة»: رأسمال الصيدلى ليس أموالاً كما يعتقد البعض، ولكن هو عدد العبوات الموجودة لديه، فمثلاً بيع 6 عبوات بسعر قديم، وشراء نفس العدد بالسعر الجديد، يحتاج من الصيدلى ضخ أموال جديدة، وكل صيدليات مصر ضخت رأسمال بنحو 20% من رأسمالها الأساسى، أو أنه خفض عدد العبوات، وليس خطأ أن يحدث كل فترة إعادة تقييم أسعار الدواء، وقد يحدث انخفاض فى أسعار بعضها، ويجوز أن يتم وضعها لفترة زمنية محددة، وليكن 3 أو 5 سنوات، وبعد انتهاء المدة تتم إعادة تقييمها مرة أخرى.

«فكرى»: من الوارد أن يتم التسعير حسب سعر الدولار، سواء بالزيادة أو الانخفاض، مع الوضع فى الاعتبار أن يتم نشر هذا الأمر للمواطنين، فمثلاً إذا نقص أو ارتفع سعر أحد الأدوية، على أن يتم هذا بعد شهرين كفترة انتقالية، سيتمكن المواطن من تقبل الأمر، وأريد أن أشير إلى أن من يتحدث عن فكرة الآجل، أن هذا النظام يتم التعامل به مؤقتاً فى بداية عمر الصيدلية، ولكن بعد ذلك يبدأ التعامل بنظام الشيكات.

«أبودومة»: نقابة الصيادلة ذهبت إلى القضاء الإدارى لبحث قرار وزارة الصحة بشأن التسعيرات الماضية، وما خلفته من تأثير سلبى رهيب على اقتصاديات الصيدليات، ونحن نأمل إذا كانت هناك تسعيرات مقبلة، أن تتم مراعاة تجنب الأخطاء الماضية.

«الوطن»: ماذا عن الخلاف بين النقابة وسلاسل الصيدليات.. وإلى أين وصل؟

- «أبودومة»: الخلاف بين السلاسل والنقابة، ليس خلاف أشخاص، وإنما هو حسمه القانون، حيث أكد أنه لا يجوز للصيدلى أن يمتلك أكثر من صيدليتين، ويدير صيدلية واحدة فقط، لذا ليست النقابة من صنعت الخلاف، ولكن من صنعه هو من تجاوز القانون، كما أن سلاسل الصيدليات تقضى على طموحات الصيدليات البسيطة فى الأماكن الصغيرة مثل الريف والمراكز والنجوع، كما أنها تظلم الصيدليات المجاورة لها، حيث تمتلك كفاءة عالية فى العمالة، وكفاءة عالية فى التفاوض، ما يساعدها فى الحصول على نواقص الأدوية، وتمتلك نوعاً من أنواع الرواج الإعلامى لا تملكه الصيدليات الصغيرة، كل هذا يقضى على اقتصاديات الصيدليات الصغيرة، والنقابة لا تطالب بعقوبات وإنما تطالب بإعلاء وتنفيذ القانون على الجميع، كما أود أن أشير إلى أن الصيدلية خاسرة إذا لم يتجاوز حجم البيع لها 2000 جنيه يومياً، حيث إن متوسط ربح الصيدلى 17%، أى إن البيع بـ100 ألف جنيه يحقق ربحاً 17 ألف جنيه، إذا تم حساب المصاريف التى يقوم بها الصيدلى صاحب الصيدلية، ما بين فاتورة مياه وكهرباء وأجور عاملين وصيادلة، فأى ربح يمكن التحدث عنه وقتها، وللأسف هناك أزمة حقيقية فى ثقافة الصيدلى، أنه لا يقبل أن يعمل لدى زميل له ويريد أن يفتحها بمفرده، وللأسف هناك صيادلة تعثرت بسبب هذه المفاهيم.

«الوطن»: ماذا عن دخول النقابة عالم صناعة الدواء بعد الأزمة بينكم وبين وزارة الصحة بشأن ذلك؟

- «أبودومة»: شركة المتحدون عندما تم عرضها للبيع، بعد أن كان قد أغلقها وزير الصحة فى عهد حكومة هشام قنديل، ارتأى عدد من أعضاء لجنة الاستثمار فى النقابة أن هذه الفرصة جيدة، خاصة أن هناك رغبة حقيقية للنقابة فى اقتحام عالم «صناعة الدواء» لتوفيره للمواطن كنوع من المسئولية المجتمعية واستثمار أموالها، ولعل أزمة المحاليل الطبية ونقصها فى السوق فى إحدى الفترات كانت السبب وراء ذلك، وليس عيباً أن النقابة تستهدف الصالح العام، وتعظيم مواردها، ونحن قدرنا هذه الشركة بسعر يصل لـ285 مليون جنيه، بينما شركة أكديما التابعة لوزارة الصحة تقدمت بعرض يصل لـ325 مليوناً، إذن من الذى يزايد، وربما الشركة رأت أنها فرصة استثمار جيدة لهم، وهذا حقهم.

«الوطن»: إلى أين وصلت أزمة النقابة مع وزارة الصحة بشأن سحب الأدوية منتهية الصلاحية من السوق وتوحيد سعر البيع؟

- «أبودومة»: الاجتماعات الأخيرة بين النقابة ووزارة الصحة يمكن أن نصفها بأنها كانت مثمرة للغاية، وتسير فى اتجاه جيد لحل الأزمة، وما زلنا فى مرحلة عقد الاجتماعات، ودخولنا فى الاعتصام كان بعد أن خاطب مجلس نقابة الصيادلة الوزارة أكثر من مرة، ولكن تعمدت أن تتجاهلها، كما أن ظاهرة اعتصام أعضاء النقابة تعبير رمزى، ورسالة احتجاجية للوزارة بضرورة الإسراع فى حل مشاكل القطاع الصيدلى، كما أنه مقصور على عدد محدد وضئيل لتوصيل الرسالة، وأعتقد أنها وصلت.

«الوطن»: ماذا عن تفعيل «الباركود» لتتبع الأدوية؟ وما أهميته بالنسبة لصناعة الدواء؟

- «أبودومة»: تتبع الأدوية يكون بنظام الكود، وهو «ثنائى» مختلف على العبوة عن الكود الدولى الموجود، والغرض منه هو توضيح قصة الدواء ورحلته من النشأة والتوزيع حتى وصوله للصيدليات، وهو كود معقد بكل ما تحمله الكلمة، ولكن مفيد بشكل كبير فى الأمن المعلوماتى.


مواضيع متعلقة