المستشفيات الجامعية: إرهاب المرضى بالأمن.. والعمال: «شخلل علشان تتعالج»

كتب: أحمد عصر ومروة مرسى

المستشفيات الجامعية: إرهاب المرضى بالأمن.. والعمال: «شخلل علشان تتعالج»

المستشفيات الجامعية: إرهاب المرضى بالأمن.. والعمال: «شخلل علشان تتعالج»

تعالت الأصوات وامتلأت الأرجاء بصداها فجذبت نحوها أعين المارة أمام تلك البوابة الحديدية الضخمة، حيث المدخل الرئيسى لقسمى الطوارئ والاستقبال بالمستشفى الميرى الجامعى، فكان مجموعة من أفراد الأمن قد التفوا حول أحدهم رافضين دخوله المستشفى دون أن يكون بحوزته «تذكرة زيارة» قيمتها 5 جنيهات، ليستشيط الرجل غضباً متعجباً من طلبهم، حيث خرج قبل قليل من البوابة نفسها ليأتى بما أمره به الطبيب المعالج لذويه بالداخل: «أنا معايا كارت إقامة مع ابن عمى جوه إزاى أدفع تمن تذكرة تانى»، هكذا قال الخمسينى «صبرى عوضين» إلى فرد الأمن بنبرة صوت غاضبة، ممسكاً فى إحدى يديه بـ«كارت الإقامة»، إلا أنه ما زال فارغاً لم يملأه بعد، ليبرر ذلك لهم قائلاً: «ملحقتش أملاه، الدكتور كان عايز علاج من بره المستشفى وأنا ماكنتش مركز ولسه خارج حالاً».

شد وجذب استمر ما يقرب من 15 دقيقة أمام تلك البوابة، لم يجد بعدها «صبرى» أمامه بداً آخر إلا الرضوخ لما يريده أفراد الأمن، ليضع يده فى جيب جلبابه الفضفاض، ويخرج منه خمسة جنيهات بالية متجهاً بها إلى شباك التذاكر ليأخذ تلك الورقة الزرقاء ويعود بها مرة أخرى إلى فرد الأمن ليناوله إياها، إلا أن رد فعل فرد الأمن زاد من غضبه عندما قال له بلهجة ساخرة: «بلها بقى واشرب ميتها»، فيتركه «صبرى» متجهاً إلى الداخل مسرعاً يضرب كفاً على كف مردداً بصوت مسموع: «مش عارف هما ليه بيعاملونا كده، يعنى أدفع الصبح خمسين جنيه عشان أعمل كارت مرافق وعشان أخرج أجيب علاج أقطع تذكرة تانى؟!».

{long_qoute_1}

كان هذا واحداً ضمن مجموعة من المشاهد المتكررة بين أفراد أمن مستشفى الميرى الجامعى والمترددين عليه، لتكون طريقة تعامل أمن المستشفى مع المرضى وذويهم واحدة ضمن مشكلات أخرى عدّدها المرضى، كان من بينها معاناة السبعينى «على محمود»، الذى جاء من منطقة «العصافرة» قاصداً المستشفى فى رحلة شهرية لم تخل من معاناة: «أنا مريض جلطات، ومفروض إنى باخد علاج على نفقة الدولة وباجى أصرفه من المستشفى هنا كل أول شهر»، قائمة طويلة من الانتظار يكون «على» واحداً فيها عندما يأتى لإعادة الكشف شهرياً من أجل صرف العلاج المناسب لحالته، إلا أن انتظاره دائماً ما يطول: «الدكاترة مبتجيش فى مواعيدها والعيادات دايماً بتكون زحمة جداً، وأنا قاعد هنا بقالى ساعتين ولسه دورى ماجاش»، لم تكن فترة الانتظار هى فقط ما يؤرق المريض السبعينى، وإنما تمثلت أزمته الأكبر فى عدم توافر العلاج الذى يكتبه له الطبيب المعالج: «الروشتة بيبقى فيها 12 صنف دوا بلاقى منهم نوعين بس أو تلاتة، والباقى ميكونش موجود، ولما بسأل يقولك ده مش موجود وابقى تعالى اسأل تانى، وتفضل طول الشهر رايح جاى لحد ما ييجى الشهر اللى بعده والعلاج يروح عليك، وده مش مرة ولا اتنين، ده على طول»، طبيعة مرض «على» لا تسمح له بالعمل نهائياً، حسب ما قال له الطبيب المعالج، فضلاً عن أى مجهود آخر، حيث أصيب بما يزيد على 10 جلطات مختلفة، وهو ما يزيد من همومه: «فيه شهور بتيجى عليّا مبعرفش أجيب العلاج، ولولا مراتى بتشتغل كان زمانى اتفضحت، وده مش حالى لوحدى ده حال ناس كتير هنا»، ليختم الرجل حديثه بنبرة حزينة قائلاً: «أنا مش عايز حاجة أكتر من إنى ألاقى العلاج اللى الدكتور بيكتبه». {left_qoute_1}

وداخل مبنى عيادات اليوم الواحد التابع للمستشفى، وقف محمد عبدالباقى، فى أحد الأركان بعيداً عن تلك الطوابير الطويلة، فى انتظار دور ابنته فى الدخول، منذ أن جاءا معاً فى التاسعة والنصف من صباح اليوم، إلا أن ثلاث ساعات من الانتظار لم تكن شفيعة له فى الانتهاء من الكشف: «العيادات بتفتح من الساعة 9 وعقبال ما الدكاترة بتيجى بتبقى الساعة 11»، عملية جراحية فى الأنف سوف تجريها ابنة «محمد» ستكلفه الكثير إذا ما أجرتها فى مستشفى خاص، ما يجعله يتحمل المعاناة وسط طوابير العيادات: «بحاول أوفر أى فلوس فلازم أستحمل، رغم إنى هنا بجيب كل حاجة على حسابى بما فيها البنج اللى بيستخدموه فى العملية، خناقة بين أحد المرضى وأحد أفراد الأمن شبت أمام إحدى العيادات، ليعلق عليها «محمد» بأنه أمر اعتاد عليه: «فيه حالات بتيجى تدخل فى غير ميعادها عشان بيكونوا مسلكين نفسهم ودافعين، واللى جاى هنا عشان يوفر زيى مش هيكون حمل إنه يدفع لده ولده، فالمشاكل بتكون كتير».

ولم تكن معاناة المرضى فى مستشفى الميرى وحده، وإنما كانت كذلك فى مستشفى الشاطبى الجامعى «ولادة وأطفال»، حيث افترش المرضى الأرصفة المواجهة لأبواب المستشفيين، ينعى كل منهم حظه فيما أصابه، فهذا «رجب البرلسى»، شاب فى أواخر عقده الثالث، جلس القرفصاء أمام بوابة مستشفى الأطفال، واضعاً رأسه الصغير بين يديه، ليحكى معاناته خلال 18 يوماً كاملة قضاها على الرصيف نفسه بعد أن جاء من محافظة البحيرة لعلاج ابنته الوحيدة: «من ساعة ما جيت وأنا بنام هنا فى الشارع، ولحد دلوقتى مش عارف بنتى عندها إيه، لأن الدكاترة هنا مابيريحوش حد، ويوم ما سألت الدكتورة عن حالة بنتى قالت لى بنفس النص حالتها زى الزفت»، تذكرة زيارة يقطعها «رجب» كل يوم أثناء دخوله لرؤية ابنته وهو ما يزيد من أعبائه، حيث هدف توفير النفقات أحد الأسباب التى جعلته يقضى أيامه الماضية فى الشارع: «لما آجى أتكلم يقولوا لى إحنا بنعالج بنتك بالتذكرة دى، ده غير إن مفيش خطوة بتمشيها هنا إلا لما يكونوا عايزين قصادها فلوس، وأنا واحد مش هقدر أستحمل أعمل ده كل يوم، ومابيكونش معايا فلوس أدفعها لحد عشان يدخلنى لبنتى فى غير ميعاد الزيارة».

وداخل استراحة الكشف داخل المستشفى جلست «أم رشدى» وبجوارها ابنتها، تحمل على قدميها طفلها الرضيع، جاءت لإجراء عملية جراحية له، بعد أن ولدته فى مستشفى الشاطبى للولادة قبل أيام، لتحكى عنها قائلة: «عملت عملية الولادة اتكلفت 75 جنيه، ودفعنا مراضية للناس اللى حواليها 2500 جنيه»، أمور كثيرة جيدة رأتها «أم رشدى» فى مستشفى الشاطبى، جعلتها تثق به لتأتى إليه من محافظة البحيرة، إلا أن «تسليك الأمور» كان أكثر ما أثار غضبها: «مفيش خطوة بتاخدها إلا ولازم تدفع لها فلوس، ولو هدفع لواحد بس ماشى، إنما انت لازم تدفع لكل اللى بتعدى عليه».

وفى الجهة المقابلة للبوابة الرئيسية لمستشفى الشاطبى الجامعى للولادة، افترش الأربعينى «طارق جاد الله» الأرض، بعد أن جاء من مركز دسوق بمحافظة كفر الشيخ، لإجراء عملية جراحية لزوجته، ليحكى معاناته قائلاً: «المستشفى هنا عايزة اللى ليه واسطة عشان يعرف يمشى فيها، وعشان تعمل عملية ولا حاجة تفضل رايح جاى من بلدك لحد هنا كذا مرة»، شهر ونصف قضاها «طارق» فى الذهاب والعودة من وإلى المستشفى، سمع فيها الكثير من جمل التأجيل التى أغضبته: «مرة يقولك الجهاز عطلان، ومرة يقولك الدكتور مش موجود، وتكتشف بعد كده إن الجهاز لا عطلان ولا الدكتور ماكانش موجود وآدينى جاى النهارده أهو من الساعة 8 ولسه لحد دلوقتى مش عارف إيه اللى هيحصل».

ومن جانبه قال الدكتور عونى رضوان، مدير مستشفى الشاطبى للولادة، إن المستشفى يقدم خدماته لأهالى محافظات الإسكندرية والبحيرة وكفر الشيخ ومرسى مطروح، وهو ما يشكل نوعاً من الضغط عليه، فضلاً عن اعتماد المستشفى بشكل كبير على تبرعات المجتمع المدنى، كان آخرها غرفة عمليات بتكلفة 7 ملايين جنيه، بالإضافة إلى العديد من تجهيزات المستشفى، من مكيفات ومغاسل وأجهزة تعقيم، مشيراً إلى أن المستشفى لا يوجد به سوى 5 أسرة فقط للعناية المركزة، وهو رقم قليل جداً، وفق قوله، مقارنة بعدد من يخدمهم المستشفى، موضحاً أن هناك محاولات لعمل 15 سريراً جديداً، ولكنهم فى انتظار متبرع يقوم بالتمويل، معبراً بقوله: «إحنا بنشحت من الناس عشان نطور المستشفى»، ليشير بيديه إلى «مونيتور» وضع بجواره وقد تبرع به أحد منذ قليل، ليكمل قائلاً: «مونيتور العمليات باظ ولو ماكانش عندى متبرع قدرت أتواصل معاه، وكنت طلبته من الجامعة كان هيدخل فى 6 شهور، ساعتها يكون العيان مات»، وأضاف «عونى»: تسلمت البنية التحتية للمستشفى مدمّرة ونعمل منذ عامين على تجديدها وتطويرها، وهناك ضغط رهيب على المستشفى حتى إن العيادات الخاصة تقوم بتحويل مرضاها علينا، ولا يوجد مستشفى واحد يقدم خدماته لأربع محافظات كاملة، فمثلاً يوجد بمستشفى الشاطبى 70 حضانة، ورغم ذلك إذا تم استحداث 70 أخرى ستكون هناك أزمة أيضاً، قائلاً: «اللى إحنا فيه ده خارج عن إرادتنا».


مواضيع متعلقة