فى إسبانيا.. أكبر من عملية «دهس»
- أحد المبانى
- أحزمة ناسفة
- أسلحة بيضاء
- إمام مسجد
- البث المباشر
- الشرطة الإسبانية
- العمليات الإرهابية
- تواصل اجتماعى
- رد فعل
- سلاح أبيض
- أحد المبانى
- أحزمة ناسفة
- أسلحة بيضاء
- إمام مسجد
- البث المباشر
- الشرطة الإسبانية
- العمليات الإرهابية
- تواصل اجتماعى
- رد فعل
- سلاح أبيض
«موسى أوكبير» الذى يبلغ من العمر 17 عاماً، عُد أحد العناصر المحورية فيما بات يُعرف بـ«خلية برشلونة»، كان يسمى نفسه على فيس بوك «موسى دى لا فيغا»، وعلى شبكة تواصل اجتماعى تُدعى «كيوى» دوّن بعض الإجابات رداً على بعض الأسئلة الافتراضية. سُئل عما سيفعل لو اكتشف أن شخصاً كان يكذب عليه طوال أكثر من سنة، فأجاب: «أقتله ليلاً بمسدس»، قبل أن يضيف بجوار تعليقه رمزاً تعبيرياً للضحك إلى حد البكاء. ورداً على سؤال آخر حول ما سيفعله فى أول يوم له كملك للعالم أجمع، قال موسى: «أقتل كل الكفرة، وأترك فقط المسلمين الملتزمين بدينهم».
من الفقرة السابقة يمكن استخلاص مجموعة صدمات تفسيرية، لن تقف عند سن موسى الذى لم يتجاوز مرحلة المراهقة بعد، والنزول بالسقف العمرى لمنفذى العمليات الإرهابية العنيفة إلى ما دون العشرين، بعد أن ظلت تدور داخل مربع العشرينات فى غالبيتها العظمى سابقاً. وربما يستوقفنا تعبير القتل الذى تصدّر إجابتين لسؤالين جاءا على سبيل اللهو من شبكة إلكترونية، لكن موسى لم يعبرهما من دون تسجيل إرادته، التى استخدمت تلقائياً الفعل بصيغته الأقوى (أفعل/ أقتل). اللافت أيضاً ولم يرد فى الفقرة السابقة، والذى أراه لا يقل عن سابقه فى إحداث الصدمة، عندما وُجهت أصابع الاتهام مباشرة بعد هجوم برشلونة إلى «إدريس أوكبير»، حيث اعتُقد أنه من قام باستئجار سيارة نقل البضائع المستخدمة فى الهجوم، ليتبين بعدها أن أخاه الأصغر «موسى» هو من سرق وثائق هوية أخيه لاستئجار السيارة التى استُخدمت فى هجوم لاس رامبلاس. وهى تضحية واستهانة فادحة بمصير الشقيق الذى ستصل إليه الشرطة حتماً بعد دقائق من العملية، وطاف اسم «إدريس أوكبير» وكالات الأنباء ومحطات البث المباشر العالمية لساعات، قبل أن يسارع الأخير بتسليم نفسه للشرطة نافياً أى صلة له بالهجوم!
مأزق البحث عن إجابة السؤال التقليدى، حول متى تشكّل «موسى» أو بالأحرى تحوّل، فالمشهد أقرب لمن ضغط على «زر». هذا قد يستغرقنا طويلاً بالنظر لسنوات عمره المحدودة، ولذلك التقدم لمعاينة الصدمات التى لدى الأمن الإسبانى قد يكون أكثر إثارة، فقد اكتشفت الشرطة الإسبانية أنها أمام حادثَى «دهس»، ليس واحداً الذى سرق الأضواء بالارتفاع الكبير لعدد ضحاياه، ومن تمكن منفذه من الفرار عبر استيقاف سيارة «فورد فوكوس» وطعن سائقها بسلاح أبيض، وخرج المنفذ «الهارب حتى الآن» من منطقة الهجوم قبل أن تعثر الشرطة على السيارة متروكة بمدينة أخرى، وصاحبها مقتول داخلها طعناً. الهجوم الثانى تم بالقرب من ميناء «كامبريلس» 120 كم جنوب برشلونة موقع الهجوم الأول، وفيه تمكنت الشرطة من قتل الموجودين بالسيارة المستخدمة فى «الدهس الثانى»، الذى خلّف مقتل سيدة وشرطى وإصابة خمسة آخرين، قبل إطلاق الشرطة نيراناً كثيفة مركزة على السيارة، لتُردى خمسة عناصر بداخلها مسلحين بأسلحة بيضاء ومرتدين جميعهم أحزمة ناسفة هيكلية، ضمنهم «موسى أوكبير». ليتبين لاحقاً أن هؤلاء «خلية برشلونة» وثيقى الصلة بالانفجار «الغازى» الذى وقع فى بلدة «ألكنار» قبل 24 ساعة فى أحد المبانى المهجورة، والذى لم تتمكن الشرطة الإسبانية من تفسيره حينها، ليتبين بعد حادثَى الدهس أن الخلية (12 عضواً) كانت تستخدم المبنى كمقر لها وتمتلك فيه نحو «120 عبوة غاز» لاستخدامها فى عملياتها المقبلة، قبل أن ينفجر المقر ويلقى 3 عناصر من الخلية مصرعهم تحت أنقاضه. أحدهم يرجح أنه «عبدالله الساتى» الذى كان يعمل «إمام مسجد» سابقاً فى بلدة «ريبول» منطقة إقامة عناصر الخلية، غادره فجأة يونيو الماضى واختفى من دون تفسير، وتبين لاحقاً أنه انضم إلى الخلية عبر «يونس أبويعقوب»، 22 عاماً، منفذ دهس لاس رامبلاس الهارب.
وسط تلك الفوضى العارمة، أى من أطراف الخيوط يمكن الإمساك بها، فالمشهد الأمنى الإسبانى يشى بأنه قد تعرّض لاختراق كبير، واستنتاج تشكُّل «خلية برشلونة» منذ فترة ليست بالقصيرة يبدو منطقياً، وقدرة عناصرها على العمل السريع والتجهيز لموجة عنف دموى تمت على مستوى متقدم وبعقول باردة. القدر تدخّل لينقذ المدن الإسبانية من كوارث محققة فى حال تمكنت الخلية من استخدام «العبوات الغازية» فى تنفيذ عملياتها، بانفجار غير محسوب فى مكان تخزينها بالمبنى المذكور. وهذا ما أظنه سبب لجوء الخلية بعد «24 ساعة» إلى تنفيذ عمليات «دهس» غير مخطط لها سابقاً، لكن سرعة ترتيبها وتوزيع المهام فيها يجعلها ربما محل تخطيط مسبق أيضاً، ويكشف عن جاهزية رد فعل تلك الخلية بمجرد انفجار مقرها ومصرع بعض من عناصرها.
من الخيوط الهامة أيضاً، أننا أمام «خلية برشلونة» لسنا بصدد الحديث عن ذئاب منفردة، أو حادث «دهس» عابر قد تتضخم أعداد ضحاياه لظروف موقع الهجوم أو نجاح التنفيذ. نحن نتحدث هذه المرة عن خلية تقارب فى الشكل «خلية باريس» التى نفذت ست عمليات إرهابية فى ليلة واحدة، وأهم ما فيها أن الإعداد لها استغرق عامين على الأقل. وأظن أن ما نحن بصدده اليوم يقارب هذا النمط. وهذا يأخذنا إلى حيث يخطط «داعش» الذى تبنى العمليتين فى بيان مفصل، وبصماته ليست بخافية على أحد من حيث التكليف والتنفيذ، لكن ما أراه أخطر هو توزيعه للخلايا المماثلة فى البلدان الأوروبية المختلفة، فهذا هو السلاح الذى سيلجأ إليه التنظيم خلال شهور قليلة مقبلة، حينئذ سيكون إيذاناً بفصل جديد وضعت «داعش» مكوناته مبكراً، قبل أن تبدأ معارك الرقة والموصل وغيرهما، وأفصحت مؤخراً عن تسميتها الرنانة لهذا الزحف بمصطلح «الخيل المسومة»، فأى مضمار ستعدو فيه تلك الخيول، هل ستقتصر على أوروبا أم ستعالج انكسار دولتها بالوصول إلى مدى لم يكن فى حسبان أحد؟ وهذا الأقرب إلى الظن.