قصة "بنك الحظ".. تسلية الأغنياء والفقراء التي تهاجم الرأسمالية

قصة "بنك الحظ".. تسلية الأغنياء والفقراء التي تهاجم الرأسمالية
ربما لا يعرف الكثيرون شيئا عن أصل لعبة "بنك الحظ"، إحدى أكثر الألعاب شهرة وجذبا في العالم على مدى عشرات السنين، كما لا لم يُتح لأحد أن يعرف الكثير عن "إليزابيث ماجي" مخترعة اللعبة.
ونشر موقع "BBC capital" تقريرا عن أصل اللعبة ومخترعتها التي كانت تسعى لمواجهة الأعراف والسياسات والتقاليد التي كانت متبعة على صعيد مسألة التفرقة بين الجنسين، وكذلك مهاجمة النظام الرأسمالي فيما يتعلق بملكية الأراضي والعقارات وتحديه.
وقال التقرير إن فكرة "بنك الحظ" أتت لـ"ماجي" خلال قراءتها كتابا ألفه "هنري جورج" حيث اطلعت على مبدأ يؤمن به المؤلف، وهو أن "الحق المتكافئ لكل الرجال في استخدام الأرض جليٌ كما هو حقهم في استنشاق الهواء، وهو حقٌ مُعلنٌ بموجب حقهم في الوجود".
وفي عام 1904، أطلقت "ماجي" على ابتكارهت اسم "لعبة مالك الأرض والعقارات"، وحصلت على براءة اختراع لها كذلك.
وعلمت اللعبة أجيالاً من الأطفال، كيف يشترون الأراضي ويكدسون عليها الفنادق وغير ذلك من المنشآت، وأن يُحصِّلوا رسوم مرورٍ باهظةً من اللاعبين الآخرين، إذا ما اضطروا للوقوف في هذه "الممتلكات".
ولم تكن "إليزابيث" تعلم التأثير الكبير الذي صارت تحظى به النسخة المُعدلة من لعبتها، وهو تأثير مناقض تماما لما أرادته حين فكرت في ابتكار لعبة تهاجم بها الرأسمالية والاحتكار.
وكانت أهمية اللعبة تكمن في مجموعتيّ القواعد التي وضعتها ماجي، لكي يختار من بينها الراغبون في ممارستها.
المجموعة الأولى حملت اسم "الازدهار"، وتقضي قواعدها بأن ينال كل اللاعبين مكاسب كلما استحوذ أحدهم على قطعةٍ أرض جديدة (واستهدف ذلك تجسيد أفكار جورج الخاصة بفرض ضرائب على قيمة الأراضي التي يتم تملكها على أرض الواقع).
كما كانت تنص تلك القواعد على إعلان انتهاء اللعبة بفوز جميع المشاركين فيها، إذا تمكن اللاعب الذي بدأها بأدنى قدر ممكن من المال من مضاعفة أمواله.
في المقابل، أُطلق على المجموعة الثانية اسم "قواعد المُحتكر"، وتتضمن مبادئ مغايرة تماماً. ففي إطارها، يمكن لكل لاعب من اللاعبين أن يمضي دون أي عوائق في طريقه للاستحواذ على الأراضي والممتلكات كلما كان ذلك ممكناً له، كما أن بوسعه أن يُحصِّل رسوماً من كل من شاء حظهم العاثر أن يتوقفوا أثناء مرورهم في أرضه وممتلكاته.
وبحسب ما قالت ماجي؛ فقد كان الهدف من وجود مجموعتيّ قواعد لممارسة اللعبة يتمثل في تمكين اللاعبين من أن يختبروا بأنفسهم تجسيداً عملياً "للنظام القائم حالياً على صعيد انتزاع ملكية الأراضي، بكل ما يترتب عليه - في المعتاد - من نتائج وتَبِعات"، وبالتالي إدراك كيف يمكن أن يقود اتباع أساليب مختلفة على صعيد التعامل مع مسألة ملكية الأراضي والعقارات، إلى حدوث نتائج متباينة بشكل كبيرٍ على مستوى المجتمع.
"ماجي" التي ولدت عام 1866، كانت على الدوام متمردةً بشكل علني على الأعراف والسياسات التي سادت في عصرها. فقد ظلت دون زواج حتى العقد الخامس من العمر، وتحلت بشخصية مستقلة وتفاخرت بذلك، بل وحرصت على إبراز وجهات نظرها ومواقفها بأساليب دعائية مثيرة.
من قبيل ذلك، نشرها إعلاناً في إحدى الصحف تعرض فيه نفسها للبيع لمن يقدم أعلى سعر بوصفها "أمةً أمريكية شابة". الهدف من ذلك الإعلان غير المألوف - كما قالت بنفسها للقراء المصدومين - هو تسليط الضوء على مكانة المرأة كـ"تابعٍ" للرجل في المجتمع الأمريكي في ذلك الوقت. وقالت في هذا الشأن: "لسنا ماكينات، وللفتيات عقولٌ ورغباتٌ وآمالٌ وطموحٌ أيضاً".
ووفقا لتقرير "BBC" فإن اللعبة حققت نجاحا كبيرا بين المثقفين اليساريين في أروقة جامعاتٍ وكلياتٍ مثل كلية وارتون وجامعتيّ هارفارد وكولومبيا.
وقد عدّل بعض هؤلاء قواعد اللعبة، وأعادوا رسم لوحتها لتحمل على سطحها أسماء شوارع موجودة في مدينة "أتلانتيك سيتي" الأمريكية، ومن بين من مارسوا اللعبة بالتعديلات التي أدخلت عليها؛ رجلٌ عاطلٌ عن العمل يُدعى تشارلز دارو، باع في ما بعد نسخة مُعدّلة من "بنك الحظ" إلى شركة ألعابٍ تحمل اسم "باركر برذرس"، على أنها من ابتكاره.
وبمجرد التعرف على الأصول الحقيقية للعبة، اشترت "باركر برذرس" حق استخدام الابتكار المثبت في براءة الاختراع الخاصة بـ"ماجي"، لكن ذلك لم يمنع الشركة من إعادة طرح اللعبة باسم "مونوبولي"، ورغم أن هذه المفردة تُترجم إلى اللغة العربية باسم "الاحتكار"، لكن اللعبة نفسها تُعرف في كثيرٍ من الدول العربية باسم "بنك الحظ".
بجانب ذلك، قدمت "باركر برذرس" إلى الجمهور المتعطش للعبة، مجموعةً واحدة من قواعد اللعب، وهي تلك التي تحتفي بانتصار لاعب واحد على منافسيه، وليس المجموعة الأخرى التي تستهدف تجسيد الأفكار الخاصة بفرض ضرائب على حيازة الأراضي.