من داخل برجى مراقبة «خورشيد» بعد الحادث: أجهزة متهالكة.. وعمال يشكون الإهمال

من داخل برجى مراقبة «خورشيد» بعد الحادث: أجهزة متهالكة.. وعمال يشكون الإهمال
- أسباب الحادث
- الأراضى الزراعية
- السكة الحديد
- اليوم الأسود
- برج المراقبة
- برج مراقبة
- بشكل كامل
- سائق القطار
- سائق قطار
- سائقى القطارات
- أسباب الحادث
- الأراضى الزراعية
- السكة الحديد
- اليوم الأسود
- برج المراقبة
- برج مراقبة
- بشكل كامل
- سائق القطار
- سائق قطار
- سائقى القطارات
غرفة صغيرة ارتفعت عن الأرض بضعة أمتار لتكون تلك السلالم الحديدية الموازية للقضبان هى الطريق الوحيد المؤدى إليها، تأخذك مباشرة إلى هذا الباب الصغير، وما إن تتخطاه حتى تجد نفسك فى منتصف «برج مراقبة خورشيد»، حيث غرفة المراقبة الأخيرة التى وقعت عليها مسئولية إيقاف قطار «القاهرة- إسكندرية» الذى اصطدم بقطار «بورسعيد- إسكندرية» على بعد 2 كيلومتر فقط من البرج.. على يمين الداخل ويساره كانت العديد من الأجهزة والمعدات التى لا يعلم طريقة استخدامها سوى عامل البرج نفسه.
«الوطن» انتقلت إلى البرج، وتحدثت إلى مراقبه، الذى رفض نشر اسمه، حول الملابسات الأخيرة قبل وقوع الحادث، التى ألقى فيها ملاحظ البلوك المسئولية كاملة على سائق القطار، حيث لم ينتبه، على حد قوله، إلى إشارة «السيمافور» التى كانت تحتم على سائق قطار «القاهرة- إسكندرية» أن يتوقف لعطل حدث فى القطار الذى سبقه: «السواق مكانش مركّز مع الإشارة وكان جاى بسرعة جامدة، عشان كده الحادثة كانت كبيرة».
طبيعة عمل شاقة تلك التى يقوم بها مراقب البرج، حسب ما يرى، فعلى يسار الداخل إلى الغرفة، كانت مجموعة من «السيمافورات» و«الملونيات» الحديدية المتراصة بجوار بعضها البعض، والمسئولة عن إغلاق السكة وتحويلها فى الحالات التى يلزم فيها ذلك، وفى الأعلى كان ما تبقى من جهاز التشغيل، حيث لوحة كهربائية، امتلأت عن آخرها بلمبات السيمافور والتحويل، لكل منها لونها المحدد، فيما يشبه الخريطة، تبدأ من برج المراقبة السابق له، وتنتهى إلى البرج الآخر التالى له، وما بين هذا وذاك بعض أدوات أخرى قديمة، لم يعد يستخدمها بعد، وعلى اليمين من باب الدخول كانت منضدة حديدية وضع عليها هواتف البرج قديمة الطراز، وبجوارها كانت أدواته الشخصية، من أكواب الشاى والمياه و«قُلّة» وبراد شاى ما زال بخاره يخرج منه بعد، ليصف «العامل» حياته بـ«البدائية»، مشبهاً إياها بالحياة التى كان يعيشها «المنسى» فى فيلمه، ليكون هو «المنسى» اسماً وفعلاً، حسب قوله: «واحد بس فى البرج بيعمل 100 شغلانة، ورغم كده من غيرنا السكة الحديد متمشيش، وشغلانتنا أصعب من شغلانة سواق القطر نفسه».
{long_qoute_1}
أجهزة متهالكة شكلاً وموضوعاً، وأساليب عمل يسحب منها ما يميزها مع مرور الزمن بدلاً من تطويرها، بالإضافة إلى بدائية وسائل التواصل بين البرج وغيره، فضلاً عن انعدامها بشكل كامل مع سائقى القطارات، تلك كلها عوامل تضعف عمل مراقب البرج، حسب ما قال العامل، والتى من شأنها أن تؤدى إلى مزيد من الحوادث فى أى وقت: «أدوات الخدمة كلها زى الزفت، وبعد ما كانت السيمافورات بتشتغل أوتوماتيك أول ما بدأنا نشتغل بالنظام اللى إحنا عليه دلوقتى ده، رجعوا لغوا الأوتوماتيك، وده غير إنه جاب لى الغضروف، بيبقى خطر».
«كبش فداء».. هكذا وصف مراقب برج «خورشيد» نفسه، ففى كل حادثة تقع لا يكون أمام الجمهور سواه، يخرجون فيه غضبهم، يكفيه القول: «بيضربونا بالجزم، وبنكون خارجين من بيتنا بنقول يا عالم هنروح لعيالنا ولا لأ».
4 كيلومترات هى المسافة ما بين برج «خورشيد» وبرج «أبيس»، حيث انتصف الحادث هذه المسافة، فوقع بين البرجين، وبانتقال «الوطن» إلى برج «أبيس»، حيث الصورة الثانية للمشهد الدامى، كان الوضع واحداً، إلا أن عاملى «أبيس» كانت لهم معاناتهم المختلفة، حيث يبعد مئات المترات عن المناطق المأهولة بالسكان، ليقع بين منطقة واسعة من الأراضى الزراعية، ليظل العامل، فى ظروف عمله الطبيعية، وحيداً داخل غرفته. تلك الدرجات الحديدية كانت نفسها، وفى الأعلى لم يكن عامل البرج وحده، وإنما كان معه رئيسه المباشر، ومعهم مهندس آخر من هيئة السكة الحديد، اجتمع ثلاثتهم، وغيرهم من لجان المرور المستمرة، نظراً لظروف الحادث، جلسوا جميعهم يتبادلون الحديث حول الوضع القائم، وحول ما يعانونه من أزمات يؤدى تراكمها إلى مزيد من الحوادث، يحكى عنها مراقب البرج، الذى يعمل به منذ ما يقارب عشر سنوات، إلا أن وقت الحادث كان يوم إجازته: «إحنا هنا فى بلوك مقطوع والمعاناة بتكون بالليل أكتر، غير أصلاً إن مفيش حمّام، يعنى لو عايز أدخل الحمام بامشى حوالى كيلو، ولو لا قدر الله حصل لى مشكلة ربنا يتولانى»، مشروع الإشارة المعمول به حالياً هو مشروع فرنسى بدأت خدمته فى عام 1986، وهو ما جعل عمره الافتراضى ينتهى، حسب ما قال العامل، قبل أن يوضح أن أحد أسباب الحادث تهالك أجهزة تقليل السرعة الأوتوماتيكية فى قطار «القاهرة- إسكندرية»، والتى من شأنها تقليل السرعة تدريجياً وفق الإشارات التى يعطيها من خلال السيمافورات.
يومان كاملان مرّا على «اليوم الأسود»، لم يكن فقط ضحاياه من المصابين والموتى، وإنما كان له ضحايا آخرون أرّقهم التوتر، وخلع الخوف قلوبهم، وعاشوا فى قلق دائم لم يذهب عنهم بعد، وكان من بين مراقبى برجى «خورشيد» وبرج «أبيس» الستة، سواء من كان منه حاضراً فى عمله، أو من كان قابعاً بين أبنائه فى بيته يتابع مشاهد الحادث عبر شاشات التليفزيون.